الافتتاحية

صبيحة الاضراب، الاتحادُ لم يُغلق بابًا للحوار ويفتحُ أبوابا للتعقّل

سمير بوعزيز

هذه الدولة لم تتغيّر رغم تعاقُب الحُكّامِ خلال العشرية الأخيرة. نظام المصالِحِ لم يتغيّر وإن تغيّرت شعارات الحُكّامِ أو ادعوا ذلك بالقول إنهم ينتصرون لقيم العدالة وإصلاح الأمور بإنصاف المتضررين من “السيستام” لعقود من جمهورية تُحْكَمُ تحت الطاولات وخارج المؤسسات.

هذه الدولة يجبُ أن تتغيّر بالإرادة لا بمجرّد شعارات، وبكلّ شعبها لا ببعضه ضدّ كُله. ونحتاج برامجَ تُفهم حتّى تُطبّقَ، وقبل ذلك أن يقع تبنيها لا أن تُسقط ويُرغم عليها الناس من أجل “الخلاص”.

من أُسس الديمقراطية أن نفتح الحوار العموميّ غير المؤقت. وإن الحوار وإن كان ضرورة بالصيغة التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل منذ عامين لهُ أهدافٌ للإنقاذ والخروج من الأزمة، وهذا أمرٌ مهمّ وضروري، والأصل أن يكون الحوار العموميّ مفتوحا باستمرار من أجل الاقتراح والمُحاسبة والبحث في التغيير، وأن تنبع برامج الدولة منه فتكون انعكاسا لهُ.

**

ما معنى الغاء الوسائط كُلّها؟ أيّ تصوّرٍ بهِ عقْلٌ يُلغي الصحافة والنقابات والقوى المدنيّة ليأتي بأفرادٍ أغلبهم لا يمثّل إلا نفسهُ ولا يُفكّر إلا من منطلقات ذاتية ضيّقة، وبعضهم لا يُفكّر.

إن الدعوة التي وجّهت إلى الاتحاد بمناسبة “الحوار” الأخير كما لو أنّها اقصاء مُبطّن. السلطة تقدّمُ الصيغة التي لن يقبل بها (مطلقا) منظوري المنظمة الشغيلة.

وهل أقصت السلطة الاتحاد؟

مُطلقا إنّه هو هو، في ذات المواقع مع “الخدّامهْ” وعلى نفس الخطّ النضالي منذ التأسيس مُتمسك بمرجعيته الاجتماعيّة، ومُجتهد في البحث عن الحلول ومُنفتح على كل التونسيات والتونسيين، وهنّ وهمْ من أردنه “الخيمة” مُنصرفين عن “دار الضيافة” وضُيوفها المُؤقتين.

**

في صبيحة إضراب اليوم، وخلال الأيام القليلة الماضية، هل رأيتم دارًا أكثر تعددا وأكثر عددا من ديار الاتحاد، لأنه ليس عنوانا مُؤقتا أو عابرا، إنه فكرةٌ ترسّخت لدى شعبٍ مُنذُ عُقود فتميّز بها وحمته من الهزات والاضرابات والانحرافات. إنهُ بوصلتها كُلما “اشتدّت الهزات”.

ولم تقطع هياكُل الاتحاد مع أيّ سلطة مهما كانت، حيث أنّ التفاوض قبل أيّ احتجاج، والحوارُ مهما كانت الصعوبات، والتنازلات من أجل المصلحة العامّة والمصالح العُليا للوطن بتفهّمٍ عقلاني لكلّ وضع، وموضوعيّة في كلّ مطلب.

**

لكلّ نظامِ حُكمٍ أنصارٌ يدفعهم ضدّ الاتحاد، و”لجانٌ” للشتيمة والتهجّمِ، حتى نظامُ الخامس والعشرين من جويلية “المجيد”!! والحال أن الاتحاد، في كلّ مواقفهِ يؤكّد أن ما أقدمَ عليه رئيس الجمهورية فرصةٌ تاريخية وأن لا رجوع لما قبلهُ.

واليوم هو امتحانٌ لكلّ القوى السياسية الوطنية وكلّ القوى المدنيّة المُؤمنة بقيم الحرية والعدالة والحريصة على المصلحة العليا للوطن حتى تقف ضدّ “إرادة التشدّد” ومحاولات فرض خيارات لا وطنية وضارّة بمصالح عموم التونسيات والتونسيين.

**

للإضراب مطالبهُ المُباشرة التي جاءت في مُقررات الهياكل. وللإضراب رسائلُهُ الواضحة وأوّلُها ألا ولاء إلا لتونس ودفاعا عن مصالح شعبها.

كما أنّ رسالة اليوم مفادُها أن منظمة الشغالين لم ولن تُعطي “صكّا على بياض” إلى أيّ جهةٍ وأي سلطةِ حُكمٍ، وأنّها لا تُغلق بابا وهذا في أصل رسالتها كقوّة اجتماعية ووطنيّة جامعة.

**

صبيحة اضراب القطاع العام، اليوم السادس عشر من شهر جوان لسنة اثنين وعشرين وألفين، الاتحادُ لم يُغلق بابا للحوار إنّما يفتحُ أبوابا للتعقّل.

Skip to content