مقالات

فتح كتاب على معرض الكتاب

فطين حفصية
صحفي
بعد عامين من الغياب القسري بسبب الجائحة انتهت الدورة  36 من معرض تونس الدولي للكتاب بأيامها العشرة، دورة بعيدا عن التقييمات والاستنتاجات الإيجابية والسلبية التي ستأتي تباعا كانت أمام تحديين قصويين استثنائيين  : أولا نفخ الروح في الكتاب الذي ضاعفت الأزمة الصحية من إنتاجه ونشره وتوزيعه وإعادة إقحام تونس في خارطة المعارض العربية والإقليمية والدولية للكتب ثانيا، وبقدر ما تتجدد التحديات  المتصلة بالكتاب وحلقات إنتاجه  فإن السؤال الجوهري الذي يكرر نفسه بالموازاة مع أية دورة هو  : 
هل الأزمة التي يتفق حولها الجميع أزمة كتاب وسعر أم أزمة إنتاج وقراءة أم الإثنين ولو بدرجات مختلفة؟ 
 
إن أول استحقاق كانت أمامه الإدارة التنظيمية للمعرض الدولي للكتاب ونجحت فيه هو الالتزام بالموعد الزمني المحدد لهذا التجمع الثقافي المهم بعد فترة احتجاب وتأجيلات أملتها “الكورونا المعولمة” وتنفيذ حضور 300 دار نشر عربية وأجنبية من 20 دولة مشاركة وهو عدد وإن كان أقل من الدورة 35 التي انتظمت في أفريل 2019 فإنه شكل فرصة من أجل “إعادة التواصل” في القطاع بعد انقطاع ب 30شهرا عن المعارض المهنية الكبرى بهذا المجال وخصوصا للتونسيين.
 
تشير تقديرات المنظمين إلى تجاوز سقف عدد الزائرين 200 الف شخص وهو مؤشر إيجابي يدل على الاقتراب من “النسق الثقافي العادي” وإقامة المعارض الخاصة بالكتاب بصورة طبيعية رغم  التوقيت البعيد عن العطل الدراسية والمخاوف من موجة وبائية خامسة سواء في تونس أو خارجها  لكن حدث هذا العام أعاد جسور الكتاب الناطق باللسان العربي والفرنسي والأنقليزي ووسع التبادل الثقافي غير الرسمي بين الدول المشاركة.
 
داخل جغرافيا العالم العربي تعد إقامة أي معرض دولي تحليقا بالمعرفة وفتح ثغرة ثقافية فكرية في تونس ومحيطها اللغوي الإقليمي فالقراءة في مجتمعنا العربي تمر بأزمة منذ فترة ليست بالقصيرة وأزمة القراءة هي انعكاس لأزمة الثقافة برمتها، وإن لم تتوفر إحصاءات رسمية دقيقة عن “صوم القراءة” لدى أمة إقرأ فإن أرقام المبيعات الخرافية للكتب في الدول الغربية مقارنة بنظيرتها العربية أو للانتاجات الثقافية لعدد من الدول الآسيوية كاليابان وكوريا والصين تؤكدان بما لا يدع للشك الهوة المعرفية والثقافية الكبيرة بين الأمم.
 
بين أجنحة المعرض الذي مسحت مساحة عرضه 6 آلاف متر مربع حضرت وفق المنظمين الاختيارات المكتبية المتنوعة ولكل الفئات السنية وبدت العناوين التي لم يقدم رقم رسمي ونهائي حولها – وهو معطى مهم جدا –  تمس أغلب ميولات القراء وعلى غرار بقية المعارض القريبة والبعيدة فإن معرض تونس أظهر أن للكتب والمؤلفات والإصدارات والمجلدات “شعبية وقدرة خاصة على المقاومة ” حصنتها  ولو جزئيا من الآثار الكارثية التي تركتها الجائحة على جميع المجالات الحياتية والثقافية ومنها الكتاب.
 
وارتباطا بذلك حرك المعرض الدورة المالية لكل حلقات الكتاب بعد “الكساد الكبير” وإن كان من البديهي  أن يترفع  المنظمون عن “الطابع التجاري”  لمثل هذه اللقاءات لكن الواقع المادي في عصر الكتاب المفتوح والمعولم تقتضي سقفا أدنى يضمن ديمومة الانتاج والكتابة والإبداع .
 
اقترح المعرض أنشطة موازية متنوعة أهمها الفقرات والمحطات الأدبية والثقافية الموجهة إلى جميع الفئات والاعمار ومنها  “سلة ثقافية” متنوعة بتنظيم 10 ندوات فكرية و20 لقاء حواريا ب6 مكونات هي : الندوات واللقاءات الحوارية والقراءات الأدبية وفي رحاب الكتاب التونسي والشباب والكتاب وتجربتي مع… كل هذه “العكاظيات الفكرية والحوارية” اختلفت تقييمات أهل الثقافة والمتابعين بشأنها  : 
 
 رأى البعض فيها  مغنما لا يعوض و” أغورا ” تتسع لجملة أسئلة وأجوبة مهمة في الفعل الثقافي وتحريكا لمياه راكدة صلبه  وهناك من رأى فيها لباسا قديما في فضاء قديم بعيد عن أمهات القضايا الثقافية والسياسية والمشاغل المجتمعية حد تأكيد أحد الشعراء  التونسيين أن《  المعرض بحاجة إلى إعادة التأسيس، تأسيس يجعل من الكتاب قضية تلتئم ضمن رؤية نقدية وتنزع عن تنظيمه الطابع التجاري الانتهازي الذي لا يسمح بالتفكير في أي قضية، أما الخيار الثقافي الثالث  لدى فئة أخرى فقد اختصرت الموقف في اعتبار أن《وضع المعرض يعكس وضع البلاد فإذا تطورت البلاد  فسيتطور حتما.
 
الكتاب التونسي المقاوم 
 
رغم تصدر المشاركة التونسية حجما وعناوينا لائحة المعرض فإن البضاعة الثقافية المعروضة فيها ولو بصفة جزئية ماهو ليس منتجا للمعرفة أو بعبارة أخرى ما يدغدغ العواطف الدينية أو السياسية أو النفسية أو المرأة أصلا  وهي عادة باتت “حميدة ” رغم الانتقادات  الشديدة لوجود طبقة من “الحريف القارئ” لا يستهويها سوى هذا “المنتوج الكسول”، لكن الذي لا يمكن التغافل عنه هو أن قدرة  الكتاب التونسي على  “إثبات وجوده ” واضحة رغم الشلل الذي أصاب الساحة الثقافية فحفلت رفوف العرض بعناوين وإصدارات جديدة لمختلف الأجناس الأدبية شعرا ونثرا ورواية وقصة  وترجمة ومؤلفات مختصة وعلمية وأكاديمية وللأطفال. 
 
تكفي نصف جولة في أجنحة المعرض للتأكد من أنه ثمة تجديد في المشهد الأدبي التونسي وانجذاب لعدد من الإصدارات الجديدة والكتب لكتاب ومؤلفين بات لهم جمهور  قراء متابع ووفي وبدا أن الحرية المتاحة في تونس واختفاء مقص الرقيب منذ العام 2011 -رغم بعض ” اللغط” الذي جد-  أفرد المؤلفات التونسية بصفحات كانت في ما مضى إما من المحرمات أو المقدسات الأخلاقية أو التابوهات السوسيوثقافية وجعلها تخرج ولو باحتشام من محليتها الضيقة فلا بد من الاعتراف أن الكتاب التونسي ظل غارقا في “تونسيته” ليس لضعف أو وهن أدبيين بل لعزلة خارجة عن نطاق الكاتب والكتاب الذي أصبح صناعة كاملة وترويجا خالصا.
 
إن توافد عشاق المعرفة على المعرض لم يخف حسب هؤلاء غلاء البضاعة الفكرية المقدمة مقارنة بالدخل المتوسط وهو أمر لا يقارن في حالة الكتاب الغربي، وإذا اعتبرنا أن المعرض سوق ثقافي تجاري استثنائي تفتح فيه باب المنافسة والتخفيضات فإن بورصة الأسعار ظلت بعيدة عن قدرات الطلبة والباحثين خصوصا أو العائلات، ويبدو من الضروري لوزارة الإشراف الشروع في استراتيجية جديدة لكيفية التعاطي مع الكتاب بكافة حلقاته من الفكرة إلى التنفيذ  مقابل دعوات أخرى تطرح مقاربة عقد مؤتمر وطني لإنقاذ الكتاب تشارك فيه جميع الوزارات المعنية للخروج بنتائج عملية تساهم في تكثيف مقتنيات الكتاب لدى مختلف مؤسسات الدولة.
 
وإن كانت سنتا الكورونا قد جعلت من صناعة الكتاب في “نكبة” ورغم ارتفاع سعر الورق بنسبة 45% الذي أدى بدوره إلى ارتفاع سعر الكتاب وهو الحال نفسه في دول عدة فإن الكاتب والكتاب التونسيين يتابعان المقاومة بإصرار على جبهتين : جبهة جيب القارئ وجبهة الزمن الرقمي الذي غير زوايا النظر من الورقي نحو طفرة متضاعفة للكتاب الرقمي والصوتي.
Skip to content