حوارات

كل تفاصيل مقترح اتحاد الشغل لتعديل الدستور

أحمد ادريس للجريدة المدنية: "اقترحنا نظاما رئاسيا مُعدلا"

مفيدة التواتي
صحفية

كعادته لم يتخلف  الاتحاد العام التونسي للشغل، عن  دوره الوطني عبر طرح رؤيته لكل ما يحدث في تونس من مستجدات وعبر انفتاحه على كل الحساسيات والقوى الوطنية المؤمنة بمشروع وطني يطمح له كل التونسيين وانخراطه في كل ما يخص الشأن الوطني،  وخاصة على ضوء مرحلة تتميز بالتأسيس لمسار جديد قد يقطع نهائيا مع السياق السياسي القائم وسط جدال ونقاش عام  يصل إلى حد التناقض.

ويأمل الاتحاد أن تنجح تونس في إنجاح هذا المسار وضمان التفاف الشعب حوله بتضافر الجهود والدفع عبر  تقديم الحلول والبدائل وفتح أبواب الحوار ، وفي هذا الإطار وقبل اجراء استفتاء على دستور جديد للبلاد يوم 25 جويلية 2022، قدم الاتحاد العام التونسي للشغل رؤيته الإصلاحية للنظام السياسي والتي صاغها بالتشارك مع مكونات من المجتمع المدني وخبراء في القانون الدستوري وعلم الاجتماع والتاريخ والفلسفة وغيرهم.

ويرمي اتحاد الشغل من خلال عرضه لرؤيته الإصلاحية للنظام السياسي إلى تجميع مختلف الآراء إزاء مضامينها بهدف صياغة الوثيقة النهائية، ثمّ عرضها على الشعب من أجل مقارنتها بمحتوى الدستور الجديد قبل عرضه للاستفتاء خاصة وان المنظمة الشغيلة لم تخف موقفها الرافض من تمشي رئيس الجمهورية في صياغة الدستور عبر لجنة استشارية مضيقة يرأسها استاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد.

في هذا الحوار يقدم لنا الأستاذ أحمد إدريس، رئيس معهد تونس للسياسة، هذا المشروع، وهو من المساهمين في إعداده.

ما هي الأسس التي انطلقتم منها وتم اعتمادها في المقترحات المقدمة ضمن مشروع الاتحاد العام التونسي للشغل؟

لقد قمنا بتشخيص عميق لدستور 2014  على ضوء ما أفرزته الانتخابات في تلك السنة وعلى ضوء الازمات السياسية التي عرفتها تونس،  وكذلك ما تم تسجيله من خلاف حول  الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية والتأويلات المتضاربة لفصول الدستور والتي خلقت تعطيلات وعراقيل أمام تقدم المسار الديمقراطي في تونس.  فهذا التشخيص الذي شمل أيضا ما افرزته انتخابات 2019 من أحداث ومطبات، مبني بالإضافة الى تشخيص النص الدستوري، على الممارسة، فالمأزق بل المآزق التي عرفتها تونس عند تطبيق دستور 2014  كانت في الظاهر في  النص ولكنها فعليا كانت في الممارسة ولذلك كان لا بد من ايجاد الحلول عبر تعديل النص الدستوري وكذلك إضافة كل ما يمنع ما حصل من ممارسات نراها سيئة في التعامل مع الدستور.

ما هي أبرز الهنات ومكامن الضعف في الدستور والتي عطلت دواليب الدولة وكان لها الأثر السلبي عند الممارسة واثرت سلبا علي واقع التونسيين؟

العلاقة التنافسية بين رأسي السلطة التنفيذية غير سليمة فهي تقوم على التنافس في حين من المفروض ان تقوم على التعاون، فعندما نقضى على التنافس نقضي على أوجه الخلاف، لذلك  تم  التركيز في وثيقة مشروع إصلاح النظام السياسي على إرساء مقوّمات الاستقرار السياسي ونزع فتيل الأزمة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فضلا عن اقتراح نظام اقتراع يتجاوز حالة التشتت السابقة ويلغي فكرة أغلب البقايا ويضع عتبة بنسبة 5 بالمائة.

البرلمان أيضا  لم يعمل بالشكل المطلوب بل أصبح مصدرا للأزمات ومصدرا لها وساهم في تعفين المشهد السياسي برمته، فكان مقترح التعديل يحيل الى إلغاء الاستقلالية المالية والادارية  للبرلمان وتحديد المدة النيابية للنائب بثلاثة مدد متصلة أو منفصلة.

كما يقترح المشروع إلغاء ما يعرف بالسياحة الحزبية بعد أن تبت المحكمة الدستورية في ملف  النائب إذا استقال من الكتلة أو القائمة التي ترشح باسمها، مع اقتراح تحديد مربع الحصانة للنائب  في الأعمال النيابية فقط دون بقية التصرفات الأخرى التي يأتيها.

كما يجب تفعيل المعارضة أكثر من أجل الوصول إلى الجلسات العامة بقدر لا بأس به من التوافق وضمان انسيابية عمل البرلمان، وفي المشروع تم اقتراح عدم الاكتفاء بحق المعارضة في ترؤس لجنه المالية وطلب تشكيل لجان تحقيق، بل أسند للمعارضة أحقية ترؤس لجان  التحقيق وجوبا.

ماذا يقترح المشروع من تعديلات في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية

  في دستور 2014 رئيس الجمهورية يتدخل في السياسات العامة والحكومة  هى من تتولى التنفيذ وهذا لم يجدي نفعا لذلك تم اقتراح حذف تدخل رئيس الجمهورية وجعل رئيس الحكومة هو من يضع السياسات العامة وينفذها. 

 تم الحسم أيضا بطريقة لا تقبل التأويل بخصوص صلاحيات  الاشراف على القوات الحاملة للسلاح، بين رأسي السلطة التنفيذية.

عموما كل أوجه الخلاف والغموض والتأويل حسمنا فيها بما لا يسمح لأي تأويل غير دستوري، فقد حصر مشروع التعديل مسألة اختصاص رئيس الجمهورية بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة في القوات المسلحة العسكرية، وذلك لتفادي الخلط والجدل حول شمولية عبارة القوات المسلحة للقوات الأخرى غير العسكرية والحاملة للسلاح.

فمن الضروري التفريق بين السلط وتحقيق التوزان فيما بينها في الدستور الجديد، فتونس لا ينجح فيها النظام الرئاسي الصرف أو البرلماني كما كان مع دستور 2014.

ولا جدوى يمكن أن تحصل عند تجميع السلط بيد شخص واحد وتحويل البرلمان إلى مجلس تشريعي بحت دون الإقرار بسلطته الرقابية منه، ولا بد من إرساء محكمة دستورية مستقلة عن السلطة.

 ما هو النظام السياسي المقترح ضمن المشروع؟

هو نظام فيه توازن بين النظامين الرئاسي والبرلماني، هو ليس نظاما هجينا مثل ما أقره دستور 2014 وانما هو نظام نابع من تجربة تونس ويمكن تسميته نظام رئاسي معدل، فرئيس الجمهورية يقع انتخابه من الشعب، ليتمتع فيما بعد بصلاحيات التحكيم بين الحكومة والأغلبية البرلمانية.

 ومنح مشروع الاتحاد رئيس الجمهورية حق اصدار المراسيم باقتراح من رئيس الحكومة في حالة حل البرلمان مع استثناء النظام الانتخابي من مجال المراسيم.

وأعاد التعديل الدستوري المقترح ضبط وتحديد دور رئيس الجمهورية بما هو رئيس للدولة ورمز لوحدتها واستمراريتها والسير العادي للمؤسسات الدستورية الديمقراطية في إطار احترام الدستور والقوانين.

هذه التعديلات ستغلق الباب أمام كل مساس رئيس الجمهورية بالمؤسسات الدستورية التي وضعت لضمان ديمومة النظام الديمقراطي تحت اي مبرر كان.

وبخصوص الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، يقترح مشروع تعديل الدستور الذي اعده الاتحاد العام التونسي للشغل ان يكون المترشح لهذا المنصب تونسي الجنسية منذ الولادة وغير حامل لجنسية اخرى بالغا من العمر 35 سنة على الاقل، وهو ما يقطع وفق لجنة الصياغة مع الترضيات التي تمت بخصوص الجنسية والتي لا تتناسب مع المنصب.

وبخصوص شروط الترشح مكن مشروع التعديل المقترح رئيس الجمهورية من ادوات الضغط على الحكومة والبرلمان لتجاوز كل الازمات السياسية باختيار اما حل البرلمان أو اقالة الحكومة دون اضافة تضييقات عليه عند ممارسته هذه الصلاحيات مع المحافظة على قيود تضمن عدم  التلاعب بالآليتين لأسباب انتخابية.

ومن خلال التنصيص على أنه لا يجوز حل البرلمان خلال الستة اشهر التي تلي نيل أول حكومة ثقة المجلس بعد الانتخابات التشريعية، أو خلال الاشهر الستة الأخيرة من المدة الرئاسية أو النيابية، كما لا يجوز اقالة الحكومة خلال ستة أشهر الأخيرة من المدة الرئاسية او النيابية. كما نص مشروع التعديل على ان رئيس الجمهورية يختم وجوبا القوانين ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.

يمكن مشروع التعديل أغلبية اعضاء مجلس النواب من المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور ولا يمكن للمحكمة الدستورية عند البث في ذلك أن تحكم في صوره الادانة الا بالعزل ولا يعفي ذلك من التتبعات الجزائية عند الاقتضاء ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لاي انتخابات أخرى.

وأضاف مشروع التعديل فقرة جديدة تحجر على رئيس الجمهورية استعمال آلية حل البرلمان للتصدي للائحة اعفاء مقدمة ضده من قبل اغلبية مجلس نواب الشعب من أجل الخرق الجسيم للدستور.

ما هي مزايا النظام السياسي المقترح وكيف ستكون تبعاته على النظام الانتخابي  

 في هذا النظام رئيس الجمهورية يحكمُ فعليا دون ان يكون حاكما، فهو سيكون رئيسا قادرا وفاعلا، بالإضافة الى عقلنة وأخلقة العمل التشريعي لتفادي السلوكيات التي أضرت بالمجلس السابق. ولضمان فاعلية المحكمة الدستورية ونجاعتها تم اقتراح تخفيف عدد أعضائها وافرادها باختصاص اضافي يتعلق بتأويل الدستور مع التزام الدولة بحماية الحقوق والحريات..

النظام السياسي يجب ان يكتمل بإقرار نظام انتخابي يتماشي معه ويقطع مع كل السلبيات التي نتجت عن النظام الانتخابي الحالي،  وقد اقترح مشروع الاتحاد العام التونسي للشغل اعتماد طريقة اقتراع “تمّكن من الاستقرار السياسي وتمنع التشتت داخل البرلمان”، وذلك من خلال تولي الحزب الفائز، تشكيل الأغلبية، إن لم يتمكن هو من تحقيق الأغلبية في نتائج الانتخابات.

النظام الانتخاب  كما يقترح الإبقاء على الاقتراع على القائمات ونظام التمثيل النسبي باعتماد أكبر المتوسطات والابتعاد عن نظام أكبر البقايا مع اعتماد عتبة ب5 بالمائة على المستوى الوطني.

ويوصى معدو المشروع باعتماد نظام الدائرة الوطنية أي أن تونس هي دائرة وطنية تقدم فيها القائمات الانتخابية بما يشجع على ربط صلة قوية بين النائب والشأن الوطني وأن يكون النائب ممثلا لكل الشعب لا في دوائر ضيقة للانتخاب على الأفراد.

ومن شأن هذا القانون الانتخابي أن يضمن وجود أغلبية منذ البداية وعدم إقصاء الأحزاب والمستقلين وهو ما من شأنه أن يحدّ من عدد الألوان السياسية في البرلمان وبالتالي التقليص من حالة والتشرذم صلب المجلس النيابي.

Skip to content