مقالات

لا نريد بيننا “اريك زمور” تونس!

خولة السليتي
صحفية

حين يرحّب أريك زمور ERIC ZEMOUR أحد رموز أقصى اليمين المتطرف بفرنسا بخطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد حول المهاجرين غير النظاميين، ويدعو إلى “الاقتداء بتونس التي دقّت ناقوس الخطر واتخذت إجراءات عاجلة لحماية شعبها”، فذلك يعكس إقرارا من اليمين المتطرف أن النظام التونسي بات على خطاه وهو الذي يمثل مصدر تهديد حقيقي للمهاجرين العرب بما في ذلك التونسيين وخاصة غير النظاميين منهم.

مساء الثلاثاء 21 فيفري، أطلّت علينا رئاسة الجمهورية التونسية ببيان رسمي مفاده “ترؤس رئيس الدولة لاجتماع لمجلس الأمن القومي خصّص للإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء”.

وتضمن هذا البيان تأكيد رئيس الجمهورية أن “هذا الوضع غير طبيعي.. وأن هناك ترتيب إجرامي لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس.. وأن هناك جهات تلقت أموالا طائلة من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس.. وأن الهدف المعلن من هذه الموجات هو اعتبار تونس دولة إفريقية فقط..”

لقد عكس مضمون هذا البيان صدمة حقيقية!

صحيح أن وجود تونسيين عنصريين بيننا ليس بالأمر المفاجئ أو الصادم ونحن نسعى إلى التصدي له يوميا.

ولكن الصادم والموجع أن يصبح الخطاب العنصري “رسميا”، ومن يقول عكس ذلك فهو واهم ويغالط.

إن العبارات التي تضمنها بيان رئاسة الجمهورية تندرج في إطار خطاب الكراهية ضد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء عموما وغير النظاميين منهم خصوصا. وقد ساهم هذا الخطاب، وفي ظرف وجيز من لحظة نشر البيان، في التحريض ضد المهاجرين الأفارقة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تدوينات عنصرية تبارك وتثمّن خطاب رئاسة الجمهورية وبتنا أمام مشهد افتراضي سريالي من “المزايدة” في العنصرية والتحريض على الكراهية واعتبار “الأفارقة الجنوب الصحراويين” مصدر تهديد لحياة وسلامة التونسيين بل لمورد رزقهم أيضا”، وكله مثبت بتدوينات فايسبوكية بما في ذلك لشخصيات محسوبة على “النخبة” أو “قادة الرأي”.

   ومن المؤسف والخطير أن النيابة العمومية لم تتحرك تجاه ذلك رغم أنه يوكل إليها عدة صلاحيات وفي مقدمتها إثارة الدعوى العمومية وممارستها والمطالبة بتطبيق القانون من ذلك “القانون عدد 50 لسنة 2018” أو ما يعرف بقانون القضاء على كل أشكال التمييز العنصري.

لقد صدر بتونس، سنة 2018، هذا القانون المناهض للعنصرية والذي يؤكد رفض المشرّع والمجتمع التونسي للعنصرية ويعترف بمنزلة الضحية لكل من يتعرض إلى هذا النوع من التمييز. وينص هذا القانون في بابه الرابع المتعلق بالعقوبات المستوجبة على أنه “يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبخطية مالية من ألف إلى ثلاثة الاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يرتكب أحد الأفعال التالية: نشر الأفكار القائمة على التمييز العنصري أو التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية بأي وسيلة من الوسائل، الإشادة بممارسات التمييز العنصري عبر أي وسيلة من الوسائل، تكوين مجموعة أو تنظيم يؤيد بصفة واضحة ومتكررة التمييز العنصري أو الانتماء إليه أو المشاركة فيه…”.

كما ينص القانون على “مضاعفة العقوبة إذا كان الضحية طفلا أو إذا كانت الضحية في حالة استضعاف بسبب في السن أو الإعاقة أو الحمل الظاهر أو الهجرة أو اللجوء“.

ولكن حين نطق القانون، سكتت النيابة العمومية تجاه ممارسات عنصرية افتراضية سرعان ما انتقلت إلى الواقع وتطورت نحو الأسوأ، فقد وصل الأمر إلى تعنيف عدد من التونسيين لمواطنين أفارقة جنوب صحراويين نظاميين وغير نظاميين ومداهمة منازل عدد منهم وتهشيم محتوياتها وطردهم منها بالقوة، ومنهم حتى من لعب دور “رجل الأمن” من حيث التثبت في الوثائق الرسمية لإقامة عدد منهم بتونس. بل تطور الأمر إلى تعرض تونسيين للعنف من قبل تونسيين لمجرد أنهم يتقاسمون مع الأفارقة جنوب الصحراويين لون البشرة.

إعلام “متواطئ” في العنصرية!

ولعلّ الأخطر من ذلك، أن تنتقل تلك “الهسترة العنصرية” من العالم الافتراضي إلى وسائل الإعلام.

“نعم أنا عنصري.. أنا عنصري أمام مصلحة الأمن القومي التونسي وأقولها على الملأ… والافارقة من جنوب الصحراء الموجودين في تونس يشكلون خطرا كبيرا على الامن القومي…”

أعتذر عن ذلك الخطاب ويؤسفني إعلامكم أنه ليس خياليا ولا بتدوينة فايسبوكية او حديثا في مقهى، كي لا يسعى البعض الى تبرير ما لا يمكن تبريره، يؤسفني إعلامكم أنه خطاب تم تمريره بإذاعة خاصة في تونس على لسان احد معلقي برنامج سياسي، حتى أن “الكرونيكور صاحب ذلك الخطاب” بات يتفاخر بعنصريته وكأنها الحامية للأمن القومي التونسي”، لتقاطعه مقدمة البرنامج وتؤكد أن “موقفه لا يلزم الإذاعة في شيء”.

وفي إذاعة خاصة أخرى، يتم وضع عنوان “اختفاء موظف بإحدى البنوك التونسية بعد مساعدة طالبة من أصول إفريقية التنقل معه من سوسة إلى العاصمة”، رغم أن المضمون لا يشير إلى ذلك البتة.

وهنا، لسائل أن يسأل: لماذا يتواطئ الإعلام والصحفيون في العنصرية؟ ماذا عن الإعلان العالمي لأخلاقيات المهنة الصحفية الذي ينص في نقطته التاسعة على أن الصحفي مطالب بالتأكد من أن المعلومات والآراء التي ينشرها لا تساهم في تعزيز خطاب الكراهية.. وعليه أن يبذل قصارى جهده لتحاشي تسهيل نشر التمييز القائم على الأصول الإثنية او الاجتماعية او الجغرافية أو العرق أو النوع الاجتماعي أو الدين؟…” ماذا عن النصوص الترتيبية التي تدين خطابات الكراهية والتمييز العنصري وتمنع تداولها والترويج لها في وسائل الاتصال السمعي البصري؟ ماذا عن الصحفي الملزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ ماذا عن المسؤولية الاجتماعية للصحفي؟

إن الصحفي الجيد يتبخّر عندما لا يكون متشبعا بمنظومة حقوق الإنسان وكذلك عندما تكون حقوق الإنسان ضعيفة، فمنظومة حقوق الإنسان هي كلّ لا يتجزأ. كيف لصحفي تونسي يندد ويجرّم الممارسات العنصرية التمييزية تجاه التونسيين بالخارج خاصة غير النظاميين منهم أن ينخرط في خطاب ذو كراهية قائم على إقصاء الأخر؟ كيف له أن ينخرط في الترويج للصورة النمطية للمهاجر غير النظامي المرتكزة على رواية بوليسية بالأساس وهي الجريمة وتهديد الأمن العام؟

ولسائل أن يسأل مرة أخرى: اين هي الهياكل التعديلية للمهنة؟ متى ستخرج من بوتقة البيانات وتحرص على تطبيق مواثيق المهنة والقانون أيضا؟

من المؤسف والمخجل أن تصبح الدولة التونسية عبر مؤسساتها منخرطة في الحملة ضد الأفارقة جنوب الصحراويين وتسوّق رسميا لنظرية “المؤامرة” وتركّز على المقاربة الأمنية بالأساس منصّبة نفسها بذلك شرطي حدود للدول الأوروبية على اعتبار أن تونس مصنفة منطقة عبور نحو أوروبا. لا يليق بتونس تكرار سيناريو “بغدادي محمودي” اخر، فالدولة مطالبة وجوبا باعتماد واحترام المقاربة الحقوقية خاصة أن هناك طالبي لجوء وهناك من هو معرض إلى مخاطر في صورة ترحيله إلى بلده. كما أن طرد الجنوب صحراويين من منازلهم أو مواطن شغلهم بين ليلة وضحاها يعني توفير ظروف انخراطهم في الإجرام أو جعلهم ضحايا اتجار بالبشر في تونس.

لقد دخلت تونس التاريخ من عدة أبواب بينها أنها أول بلد ألغى الرق والعبودية بتاريخ 23 جانفي 1846 وأنها أيضا أول بلد عربي يشرّع قانون القضاء على كل أشكال التمييز العنصري، ومن المؤسف أن تدخل التاريخ من باب “الدولة الإفريقية العنصرية تجاه أفارقة”. ولعل تدوينة وزير الخارجية نبيل عمار في الصفحة الرسمية للوزارة على الفايسبوك، والتي سعى خلالها إلى طمأنة المهاجرين نظاميين كانوا أو غير نظاميين، خطوة إيجابية ولكنها غير كافية لدحض اتهامات أو ممارسات الكراهية والعنصرية لأن تعامل الجهات الرسمية مع المهاجرين يبقى الحجة الوحيدة لإبراز موقف الدولة التونسية الحقيقي.

نحن لا نريد بيننا “زمور Eric Zemour تونس”، لا نريد تونس عنصرية.. نحن مع تطبيق القانون ولكن مع مراعاة حقوق الإنسان وعدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية. نحن نريد تونس دولة قانون تحترم الإنسان قبل المواطن وتصون حقوقه وكرامته، نريد تونس بلدا يقتدى به في قبول الاخر واحترام إنسانيته بتطبيق القانون.. نحن لا نريد أن يعيش التونسيون غير النظاميون في دول أوروبية يؤمن بعض قادتها بنظرية المؤامرة على الهوية والتركيبة الديمغرافية، نفس ما عاشه عدد من المهاجرين جنوب الصحراويين خلال هذه الأيام في بلادنا، نحن نريد عدالة إنسانية في تونس الإفريقية وكل الدول.

Skip to content