ما بعد 25 جويلية، كيف نبني تونس الجديدة؟

لا نستطيع الحديث عن البناء في ظل وضع استثنائي، لا ديمقراطية في غياب الحقوق والحريات، ولا عدالة اجتماعية في غياب المساواة

حاورتها سيماء المزوغي
صحفية

حفيظة شقير، دكتورة وباحثة من أشهر النسويات التونسيات المدافعات عن حقوق النساء وحقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها، وهي المختصة في القانون ودرّست العلوم السياسية، ناضلت صلب الإتحاد العام التونسي للشغل، وتنشط ضمن مؤسسات المجتمع المدني خاصة في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات التي ساهمت في تأسيس النواة الأولى لهذه الجمعية، وتعتبر من أبرز رائدات الحركة النسوية التونسية.

التقتها الجريدة المدنية للحديث معها حول تونس ما بعد 25 جويلية، فكان لنا معها الحوار التالي.

كيف ترين تونس بعد أحداث 25 جويلية؟ وكيف تلقيت ما حدث؟

كنت في 25 جويلية بين الفرح والحزن، من جهة، البرلمان لم يدافع على قضايانا ولم يقم بمهامه التشريعية كما ينبغي بل بالعكس تميّز بالخلافات والصراعات بين الأحزاب السياسية والكتل ما جعل الناس ينفرون من العمل التشريعي.. وفي الوقت نفسه خفت على دولة القانون، أنا ممن يدافعون كثيرا عن دولة القانون وعن حقوق الإنسان وأمضيت كل حياتي للدفاع عن ذلك، كأن هنالك حالة من الإحباط والترقّب، هنالك انسداد للآفاق وضبابية رهيبة وخوف من المجهول وهنالك نوع من الانزلاق نحو التفرّد بالحكم.. في ذلك اليوم أيضا خفت من التراجع عن حقوقنا ومكتسباتنا التي اكتسبناها برحلة نضال ليست بالهينة أو السهلة.. ودفعنا الثمن بالدم والإقصاء والتهميش.

عندما نكتسب بعض الحقوق ونقول ها أننا انتصرنا وبدأنا نتقدم من أجل تحقيق المواطنة الحقيقية نرجع إلى الوراء.. هنالك تراجع في كل المجالات ولا يوجد استراتجيات واضحة كي أقول أنني متفائلة بما حدث في 25 جويلية.

وكيف قيّمت المرسوم 117 وجملة التدابير الاستثنائية؟

عندما صدر المرسوم عدد 117 تذكرت كل تلك الدروس التي قرأناها في القانون الدستوري وتذكرت ما كان يقوله مونتيسكيو Montesquieu :

Pour qu’on ne puisse abuser du pouvoir, il faut que, par la disposition des choses, le pouvoir arrête le pouvoir

يعني حتى لا يتمكن المرء من إساءة استخدام السلطة، من الضروري ترتيب الأشياء أي أن السلطة توقف السلطة.

اليوم رئيس الجمهورية ينفرد بالسلطة ويحتكر السلطة التنفيذية والتشريعية ويصدر القرارات والأوامر وهذا كله غير مراقب، دون الدخول في التقنيات القانونية.. كل هذا يخيفني .. إذا كنا قد ناضلننا من أجل إعلاء حقوق الإنسان لا نستطيع أن نقبل غياب الرقابة.!

من 2011 إلى الآن الدولة لم ترس المحكمة الدستورية المستقلة التي كانت ستلعب دورا تعديليا والتي كانت ستلعب أيضا دور المراقب في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة.. نحن الآن نمضي قدما نحو الديكتاتورية..

يجب أن ندرك أنّ التدابير الاستثنائية هي تدابير مؤقتة لا يجب أن تطول ومن غير الممكن المواصلة في العمل بالتدابير الاستثنائية، يجب تنظيم انتخابات.. هنالك غموض ولا يوجد وضوح أبدا..

على الرئيس أن يفهم أنه من غير الممكن أن يمارس السلطة وحده، هو أستاذ في القانون الدستوري ويجب أن يعرف أنه يجب أن يكون هنالك توازن في السلط..

سلطة القرار وسلطة الرقابة، المشكلة ليست في نظام رئاسي أو نظام برلماني، الحل يكمن في نظام يضمن التوازن بين السلط ويضمن الحقوق والحريات وممارسة الديمقراطية ككل. هذا ما يهمني.

هنالك من يتحدّث عن إلغاء الدستور؟

اليوم عندما يتحدثون عن إلغاء الدستور، أقول لنطبق الدستور أولا ومن بعد نناقشه..

لماذا النظام البرلماني نجح في بريطانيا؟ أو لماذا نجح النظام الرئاسي في فرنسا؟ لأنّ هنالك هيئات رقابة، هيئات تعديلية، هنالك مواطن له كلمة، هنالك مجالس تلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية بصفة عامة. في الحياة السياسية السليمة هنالك أحزاب في السلطة وأخرى في المعارضة ومن غير الممكن أن تتحالف السلطة مع المعارضة.

وأين المجتمع المدني من كل هذا؟

لم أر مبادرات من المجتمع المدني، بالعكس رأيت حالة ترقّب من الجميع، “بارشا ناس ما لقاوش رواحهم”، أنا أتفهم هذا، مثلا عندما أقول أن الذي حدث غير انقلاب يعتقدون أنني مع قيس سعيد، وعندما أقول أن هذا انقلاب يعتقدون أنني مع النهضة.. لم ينته الاستقطاب.. لكن نحن طرف ثالث لسنا مع هذا أو ذلك، نحن نطالب بحقوق الإنسان ودولة القانون.

هل تعتبرين أنّ ما حدث يمكن أن يسحب خاصة مكتسبات النساء نحو المواطنة المتساوية إلى الوراء؟

كنّا قد صغنا مع منظمات المجتمع المدني مذكرة بمبادرة من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات حيث ذكّرنا بكل أشكال العنف والتمييز الذي تتعرض له النساء اليوم في الفضاء العام والخاص، اللواتي يواجهن استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..

طبعا لا مجال للتراجع عن مكاسب النساء وحقوقهن، ولا مجال لتكريس تراتبية تفاضلية بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحقوق المدنية والسياسية، هذا فيه نفي لمفهوم المواطنة.

أعتقد أنّ المطالب الخاصة بالنساء تندرج ضمن المطالب المستعجلة لتحقيق الكرامة الإنسانية والمواطنة الفعلية والمساواة التامة. وتوجهنا في المذكر على ضرورة بعث إطار تشاركي تنسيقي ورقابي متناصف يعمل على تقديم تصور لمسار ما بعد 25 جويلية 2021، انطلاقا من طبيعته وآلياته وصولا إلى رزنامته ومخرجاته ضمانا للمسار الديمقراطي، خاصة في هذا الظرف الدقيق ومواصلة للدور الطلائعي للحركة النسوية في تونس ولنضالاتنا.

ودعونا إلى ضرورة مراجعة الميزانية وقانون المالية خاصّة فيما يتعلّق بالتعليم والصّحّة من أجل ضمان جودة الخدمات، وذلك في إطار مراجعة منوال التنمية للدفع نحو منوال تنموي قائم على المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص للنساء والجهات، وعلى احترام السيادة الوطنية وتوفير الثروة والرفاه للفئات المفقّرة، والعمل على وضع استراتيجية للتصدي لظاهرة تأنيث الفقر..

وكيف ترين المستقبل في ظل هذا الوضع؟

لا نستطيع الحديث عن البناء في ظل وضع استثنائي، لا ديمقراطية في غياب الحقوق والحريات، ولا عدالة اجتماعية في غياب المساواة، ولا كرامة إنسانية في غياب تكافئ الفرص والتوزيع المتساوي للثروات، هنالك أشياء عاجلة جدا حتى على مستوى التشريعي، هنالك قوانين صدرت على قرار القانون 32 والرئيس نشرها، كيف يتم التراجع عليها؟ مهما كان محتوى القانون ولكن رمزيا: ما هذا؟ الرئيس صادق على قانون وتم نشره ومن بعد يقول لا؟ هل هذه أركان دولة القانون؟

وكيف تري حملات الشيطنة التي تحدث للنخبة خاصة بعد 25 جويلية؟ حدث ذلك طيلة العشرية الأخيرة أيضا، ولكن لما مرد كل هذا حسب رأيك؟

في 2011 فرح الناس كثيرا بالحرية، بعد ذلك شككوا في مفهوم الدولة ومفهوم الحداثة.. شككوا في حقوق النساء، اليوم اعتقدنا أننا حققنا مكتسبات.. الدولة التي تأسست في تونس، تأسست على أساس إصلاحات وسياسات مبدئية لصالح الإنسان والمرأة ولكن أنت عندما تهاجم وضع النساء فإنك تهاجم أركان الدولة ايضا.. أعتقد أنّ هنالك أزمة هوية في البلاد أساسها عدة عوامل، ربما هو زمن انتهاء الإيديولوجيات… نحن نناضل من أجل وحدة حقوق الإنسان وعالمياتها، وفي رحلة النضال نحتك بالخصوصيات الثقافية وهي جزء من هويتنا.

عندما نتحدث عن الإسلام مثلا يجب أن نتحدّث عنه كمعطى ثقافي لكن لا نستطيع أن نستعمل الخصوصيات الثقافية لتقييد الحقوق والحريات، الخصوصيات الثقافية يجب أن ثري عالمية وشمولية حقوق الإنسان لأنها تعطيها القوة والشرعية التي نحن بحاجة إليها.. حتى رئيس الجمهورية يصدح أنه ضد المساواة ويتحدث عن العدل والإنصاف.. الإنصاف لا يستعمل لتضييق المساواة..

هذا خطاب الدول الدينية؟

في الدول الدينية بصفة عامة يريدون نسف حقوق الإنسان وخاصة حقوق النساء والحقوق الفردية، ونحن نتمسك بالدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات، القائمة على إرادة الشعب والتعددية وعلوية القانون، والفصل بين الديني والسياسي واحترام حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وعدم تجزئتها، وضمان الحقوق والحريات الفردية والعامة وعدم التراجع عن كل المكاسب التي جاء بها دستور 2014 والتي جاءت نتاجا لنضالات أجيال متعاقبة من الحقوقيات والحقوقيين والقوى الوطنية.

Skip to content