ما بعد 25 جويلية، كيف نبني تونس الجديدة؟

لا يُمكن بناء تونس الجديدة بإعلام يعاني منتسبوه من وضعية اجتماعية واقتصادية هشّة

الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للإعلام محمد الهادي الطرشوني لـ"الجريدة المدنيّة"

مجدي الورفلي
صحفي

الإصلاحات التي يجب إدخالها على قطاع الإعلام لبناء تونس الجديدة يجب أن تكون نابعة من أهل القطاع وممارسي المهنة، فتجارب الإصلاح المُسقطة لم تحقّق طيلة السنوات العشر الماضية النتائج المرجوّة، في تقدير الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للإعلام محمد الهادي الطرشوني الذي يرى أن البناء لا يُمكن ان يكون بإعلام يعاني منتسبوه من وضعية إجتماعية وإقتصادية هشّة تمنع اضطلاعهم بالدور الموكول لهم في هذه الفترة الحساسة والمفصليّة من تاريخ البلاد.

وفيما يلي نصّ الحوار كاملا:

صفة عامّة كيف تقيّمون الوضع بعد 25 جويلية؟

لحظة 25 جويلية والإجراءات التي تم إعلانها من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد كانت أمرا محتوما ولا بدّ منه بالنظر إلى ما شهده مجلس نواب الشعب من أحداث شوّهت الحياة السياسيّة وأعطى صورة مُشينة لكل ما أتت به الثورة، وفي تقديري رغم إستبشار التونسيين بإجراءات 25 جويلية إلا أن الانتظار طال أكثر مما يجب خاصة فيما يتعلّق بالمطالب الأساسية للتونسيين المتمثلة أساسا في محاربة الفساد الذي نخر كل المجالات في البلاد ومحاسبة الفاسدين سواء كان على المستوى السياسي أو الإقتصادي وكل من تورّط في العنف وتخريب الدولة الوطنية وكذلك العلاقات المشبوهة لبعض الأطراف السياسية التي تهدد الأمن القومي والذي ثبت بعد 25 جويلية من خلال توجّههم إلى أطراف خارجية لدفعهم نحو التدخّل في الشأن الداخلي التونسي.

لكن كل تلك المطالب والملفات المُلحّة لم تُفتح إلى حدود الساعة ولا يزال التونسيون ينتظرون اللحظة التي تحدّث عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد مرارا وتكرارا لمحاسبة الفاسدين وفتح الملفات الحارقة دون القيام بإجراءات عملية في ذلك السياق.

 كيف تقيّمونحقّ النفاذ إلى المعلومة بعد 25 جويلية؟ وكيف تجدون علاقة رئيس السلطة القائمة بالإعلام؟

تم ضرب حق النفاذ إلى المعلومة  في مقتل بعد 25 جويلية، حيث لا يوجد أي تواصل بين رئاسة الجمهورية والإعلام الوطني أو المحلّي، فاليوم أصبح الجميع وعلى رأسهم الصحفيون يستقون الأخبار والمستجدات المتعلٌّقة برئيس الجمهورية أو حتى البلاد من صفحات رئاسة الجمهورية على مواقع التواصل الإجتماعي، وخاصة فيما يتعلق بكلمات رئيس الجمهورية التي تحمل عديد التأويلات وتثير جدلا لكن لا يعقبها خروج مسؤول للتوضيح أو تحديد المقصود من كلمات رئيس الجمهورية.

فمثلا الأمر 117 الصادر في 22 سبتمبر 2021 شهدنا إزاءه انقساما بين المختصين في القانون في تأويل ذلك النص القانوني، حيث ذهب شقّ في إتجاه معاكس لرئيس الجمهورية قيس سعيد فيما اتجه شقّ آخر فيما يريده الرئيس الذي أعلن آنذاك أن لجنة سياسية سيقع تشكيلها لكن إلى اليوم لا يعلم الصحفيون أو غيرهم تركيبتها أو أهدافها أو متى سيقع تشكيلها ولم يقع إصدار الأمر المتعلق بتركيزها.

ما هي الإصلاحات التشريعية والهيكلية التي ترون أنها ضرورية لإصلاح الإعلام في تونس؟

الإعلام بعد الثورة مرّ بعد مراحل بعد الثورة حسب كل ظرف وحسب السلطة القائمة سواء التشريعية أو التنفيذية التي تطرح كل منها مشاريع تحت مُسمّى إصلاح الإعلام خاصة العمومي وبدرجة أقلّ الإعلام الخاص، ولكن للأسف نعلم أن تلك المشاريع بقيت حبرا على ورق منها ما يخصّ القطاع، وتشمل الإصلاحات الداخلية ومنها السياسات التي كانت مُعتمدة لإصلاح الإعلام العمومي.

الإصلاحات التي يجب إدخالها على الإعلام في تونس يجب أن تكون نابعة من أهل القطاع وممارسي المهنة، حيث شهدنا تجارب إصلاح مُسقطة كبرامج الإصلاح الممولة من الإتحاد الأوروبي مثلا والتي تم رصد تمويلات كبيرة لها لكن لم تحقّق النتائج المرجوّة نظرا لأنها مُسقطة وغير نابعة من أهل القطاع والخبراء المحليين، ففي تقديري لا يُمكن إصلاح الإعلام بإسقاط تجارب مقارنة على تونس.

اليوم يجب تحسين الوضع الإجتماعي والإقتصادي للصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، إذ لا يُمكن محاربة الفساد أو بناء تونس الجديدة بإعلام يعاني منتسبوه من وضعية إجتماعية وإقتصادية هشّة ولهذا يجب أن تتحمل الدولة بالخصوص مسؤوليتها.

يعاني الإعلام الورقي اليوم  أيضا، وعلى المستوى الدولي، من إشكاليات وبعض الدول أوجدت حلولا كالمغرب مثلا وفرنسا لدعم الإعلام الورقي الذي يبقى مصدرا رئيسيّا للمعلومة وركيزة من أهم ركائز الإعلام كما أنه يمثل وثيقة تاريخية للدول، وبالتالي يجب على الدولة إيجاد الحلول لدعم الإعلام الورقي وإصلاح الاعلام العمومي بتنقيح القوانين الاساسية للمؤسسات الاعلامية العموميّة ومجالس إدارتها، فمثلا مجالس إدارة التلفزة الوطنية أو الإذاعة تُمثّلُ فيها السلط التنفيذية وهو أمر لم يعد معمولا به في أي دولة من الدولة المتقدّمة والديمقراطية.

في تقديركم كيف يُمكن بناء تونس الجديدة في اتجاه بلوغ إعلام مهني يقوم بدوره؟

أولا يجب دعم مجلس الصحافة الذي مثل مطلبا رفعته عديد الجهات، منذ سنة 2011،  كالإتحاد العام التونسي للشغل والجامعة العامة للإعلام والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، فاليوم بعد تركيز مجلس الصحافة لم يقع تخصيص مقرّ له وليس له أي من الوسائل اللوجيستية التي تمكّنه من القيام بدوره على أكمل وجه، وكذلك يجب دعم الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري “الهايكا” لتتمكّن من القيام بالمهام الموكولة لها رغم أنها قامت بدور مهمّ جدا منذ تركيزها لكن اليوم يجب إصدار الأمر المتعلق بتركيبتها وأخيرا يجب الإسراع قدر الإمكان بتركيز المحكمة الدستورية.

Skip to content