مقالات

ماذا تنتظر الدولة لإيقاف نزيف قتلهنّ وإنصاف الضحايا منهنّ؟

قُتلن فقط لأنهنّ نساء:

خولة السليتي
صحفية

كانت حاملا في شهرها الخامس، تنتظر قدوم ابنها لترعاه مع إخوته الأربعة ولم تكن تعلم أو تتخيّل للحظة أن يد زوجها الغادرة ستطالها وتسرق منها حياتها وحياة جنينها وتيتّم أبناءها. اسمها صابرين، ثلاثينية العمر، قُتلت خنقا على يد زوجها خلال خلاف عائلي، وهي آخر ضحايا جرائم قتل النساء في تونس إلى حد كتابة هذه الأسطر.

صابرين، وفاء، رفقة، سعاد، نادين، رشيدة… تلك أسماؤهن، هن، نساء تونسيات جمع بينهنّ الموت بل القتل العمد على يد الجنس الآخر. فهنّ ضحايا جرائم قتل بشعة يعجز العقل البشري الإنساني عن تصورها، بينهنّ من لقيت حتفها بالخنق وأخرى بالحرق وأخرى قُتلت رميا بالرصاص وامرأة أخرى تتعرّض للاغتصاب ثم تُقْتل وأمثلة جرائم القتل الشنيعة ضد النساء في تونس عديدة. لقد سُرقت أرواحهن وبقين هن الضحايا اسما ورقما في قائمة سلسلة جرائم بشعة عادة ما يتم تذكرها كلما تحدث جريمة قتل تتخّذ من البشاعة مشهدا آخر وعادة ما يكون فيها الجاني الزوج. لكن ماذا عن عددهنّ، هنّ النساء الضحايا؟ 

تقول سارة المديني مكلفة بالشؤون القانونية في أصوات نساء لـ”المدنية”: “تم تسجيل 30 جريمة قتل ضد النساء من جانفي 2022 إلى اليوم، ومن بداية السنة الحالية إلى أواخر شهر أفريل الماضي تم تسجيل قتل 12 امرأة أي بمعدّل 3 جرائم قتل في الشهر، وهو رقم مفزع”.

تضيف المديني: “إنه لمن المؤسف والصادم أن الدولة لا تحرّك ساكنا ولا تقوم حتى بإحصاء النساء الضحايا ولم تقدّم أرقاما رسمية محينّة حول هذه الظاهرة، فنحن كنشطاء مجتمع مدني نسمع أخبار جرائم قتل النساء بفضل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي”.

من جهتها، أعلنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة تسجيل 15 جريمة قتل للزوجات خلال سنة 2022 مؤكدة “أن تواتر حدوث حالات قتل الزوجات من قبل أزواجهنّ بمعدّل يزيد عن حالة قتل شهريّا تقريبا هو أمر مفزع ويستدعي من كلّ القوى المناهضة للعنف ضدّ المرأة دقّ ناقوس الخطر، وذلك وفقا لما جاء في بلاغ لها صادر على صفحتها الرسمية على الفايسبوك بتاريخ 13 أفريل الماضي على خلفية مقتل أم لطفلين خنقا على يد زوجها، قبل أن يبادر بتسليم نفسه إلى الوحدات الأمنية.

“النساء في القبر والقانون في القجر”

“يا وزيرة التدشينات كفانا بلاغات، نحبوا سياسات”.. “النساء في القبر والقانون في القجر”… “عار عليك يا دولة عار وفاء تحرقت بالنار”…”النساء في التابوت والدولة غارقة في سكوت”، هي تبقى من أبرز شعارات الغضب التي تم رفعها خلال “الجنازة الرمزية لضحايا جرائم قتل النساء” التي انتظمت يوم الجمعة 28 أفريل الماضي انطلاقا من ساحة الحكومة بالقصبة وصولا إلى وزارة العدل. وكانت “الديناميكية النسوية” دعت إلى تنظيم هذه الجنازة بالشراكة مع الحركات النسوية المستقلة تنديدا بتخلي الدولة عموما ووزراة العدل خصوصا عن القيام بمسؤولياتها في مكافحة العنف المسلط على النساء وظاهرة قتل النساء المسكوت عنها.

تقول سارة المديني:”قررنا تنظيم هذه الجنازة الرمزية لإدانة صمت الدولة تجاه العنف ضد النساء والذي وصل إلى درجة القتل، فخلال شهر رمضان فقط، تم تسجيل قتل 3 نساء والدولة لم تحرك ساكنا ولم تتخذ إجراءات، ووزارتي المرأة والعدل اختارتا الصمت”. وأشارت ممثلة “أصوات نساء” أن معظم النساء اللاتي قتلن سبق وقدّمن مطالب في الحماية بقضايا في العنف لكن لم يتم النظر فيها إلى أن لقين حتفهنّ وخسرن حياتهن”.

من جهتها، أشارت أحلام بوسروال الكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إلى دراسة قامت بها عضوة الجمعية الدكتورة الفقيدة أحلام بلحاج والتي تقول إن “أقل معدل لوصول النساء الى العدالة هو عامين و8 أشهر وقد يصل إلى 68 شهرا أي حوالي أكثر من 7 سنوات من التقاضي”. وتعتبر بوسروال أن “مدة التقاضي تعكس الإفلات من العقاب الذي يعطي دفعة للرجال والمعتدين الذين يصلون إلى مرحلة قتل النساء بدم بارد، فالجاني يعرف ويعي أنه لن يتعرض إلى عقوبة وكأن تعنيف المرأة أصبح من حقه في وقت أنه من واجب الدولة حماية النساء وليس من حق أي شخص أن يعتدي على الآخر بالعنف”، وفقا لتصريحها.

وكانت رئيسة جمعية المرأة والمواطنة بالكاف كريمة بريني أكدت خلال ندوة صحفية سابقة نظمتها الديناميكية النسوية أن الضحية وفاء السبيعي التي قتلت أواخر السنة الماضية حرقا على يد زوجها، كانت قد تقدمّت بمطلب حماية من زوجها إلا أن مطلبها جوبه بالرفض من السلط المعنية، وكانت هناك قضية طلاق منشورة في الغرض”.

وأضافت بريني”بعد جريمة قتل رفقة الشارني ، اعتقدنا أن الدولة ستقرّ إجراءات لوضع حد للعنف الزوجي،  لكن ذلك لم يحصل”.

من جهتها، أكدت ممثلة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن النساء ضحايا العنف الذي وصل إلى درجة القتل “قتلن فقط لأنهن نساء وولدن نساء ولا يجب المواصلة في وهم لكونه سبب اخر”، حسب قولها.

ووفقا لمختلف الهيئات الدولية التي تعمل على موضوع “قتل النساء”، فإن “القتل المتعمّد للنساء هو فقط لأنهن نساء”. وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن قتل النساء يختلف عن قتل الذكور على اعتبار أن معظم الحالات “تنطوي على إساءة مستمرة في المنزل، أو تهديدات أو تخويف، أو عنف جنسي، أو الحالات التي تكون فيها سلطة المرأة ومواردها أقل من شريكها”

“منظومة تشريعية تكرّس التمييز ضد المرأة”

اعتبرت الحقوقية وأستاذة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والسياسية سناء بن عاشور في حديثها لـ “المدنية” أن القانون عدد 58 للقضاء على العنف ضد المرأة ليس كافيا في بيئة تشريعية كلها تمييز ضد النساء من ذلك مجلة الأحوال الشخصية التي تكرس مفهوم رئيس العائلة داخل الأسرة وتعطيه امتيازات عن المرأة وتكرّس كذلك تبعية اقتصادية للمرأة، ما يجعل القانون 58 غير قادر أن ينصف بمفرده النساء ، فهو لا يجد الحاضنة التشريعية الملائمة للتطبيق السليم له”

وأكدت بن عاشور على ضرورة أن تكون هناك نظرة شاملة للعنف، “فمن غير الممكن أن نستند إلى قانون بمفرده فهناك العديد من التشريعات والتراتيب التي لم يتم اتخاذها إلى اليوم والقليل منها التي تم إصدارها من ذلك المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي يعتبر مهما جدا في هذه القضايا لأنه سيحسّس بخطورة الوضع وخطورة الظاهرة ولكنه “موجود وغير موجود وغير حي”، وفقا لقولها.

وفسرت الحقوقية بن عاشور ذلك بغياب الإرادة السياسية التي لا تكون في تطبيق القانون فقط وإنما في إعادة هيكلة العلاقات بين النساء والرجال، قائلة: ” ما دام هناك قوانين تكرّس التمييز وتفوّق الذكورية وتبعية المرأة من مجلة الأحول الشخصية للمجلة الجزائية لمجلة الشغل وغيرها من التشريعات التي لا تكرس سوى التمييز، لا يمكن ضمان حماية ناجعة للنساء.. حتى القضاء نفسه لا يجد الحاضنة القانونية والتشريعية التي تمنحه الجرأة في كسر المنظومة القديمة وهي منظومة الذكورية”.

وأظهرت دراسة استطلاعية أنجزها كل من صندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس وكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس وتم تقديمها للعموم أواخر ديسمبر الماضي، أن “جرائم قتل النساء في تونس هي نتيجة علاقات قوى اجتماعية وهيمنة ذكورية ولا يمكن تنسيبها دائما إلى أسباب مرضية أو حالات إدمان”.

فقد أظهرت الدراسة المصنفّة الأولى من نوعها والممولة من الاتحاد الأوروبي في إطار ” برنامج آمنة : من أجل إجابة شاملة”، للعنف المبني على النوع الإجتماعي، أن 28.12 بالمائة من النساء ضحايا جرائم القتل، طلبن سابقا الطلاق أو قدّمن شكاية ضد الزوج المُعنف أو أنهين علاقتهن مع الزوج، وهي نتيجة تم التوصل إليها بعد تجميع قرابة 46 ملفا عن جرائم قتل النساء من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وقسم الطب الشرعي بمستشفى “الشارنيكول”.

وتستهدف أغلب هذه الجرائم النساء اللاتي ليس لديهن دخل مادي، حيث أظهرت النتائج أن 46 بالمائة من الضحايا لا يشتغلن.
واعتبر أغلب المشاركين/ات حسب استبيان نشره القائمون على هذه الدراسة على منصات التواصل الاجتماعي، أن أسباب قتل النساء في تونس يعود إلى سلطة النظام الأبوي والذكورة السامة، داعين إلى ضرورة التجند من أجل تقييد هذه الظاهرة. وتضع هذه الدراسة اصبعها على مكمن الداء متسائلة عن الأرقام الرسمية المسجلة من قبل الدولة عن جرائم قتل النساء وما يقتضيه الوضع الاجتماعي من تدخل عاجل وتضافر للجهود لوقف هذا النزيف، خاصة أن هناك جرائم قتل نساء لا يكون لها صدى في وسائل الإعلام ولا نسمع عنها أخبارا.

فمتى تمارس الدولة عبر مؤسساتها الرسمية ضغطا فعليا مباشرا وناجعا لإيقاف نزيف قتل النساء اللاتي يقتلن فقط لنهن نساء أنهنّ نساء؟ ومتى يقع القطع الرسمي مع تأجيل إنصاف النساء اللاتي سلبت أرواحهن وسرقت حياتهن؟ فهنّ نساء، هنّ حياة.. ولسن مجردّ أسماء أو أرقام.

Skip to content