الذاكرة النقابية

مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

هيبة الدولة في اعترافها بالجريمة

يعمل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ 2012 بالتنسيق مع الهياكل النقابية الجهوية والوطنية بالاتحاد العام التونسي للشغل على متابعة ملفّ الرش وخاصة في إطار هيئة الدفاع.

«الشعب» تنشر تصريحا أفادنا به السيد مسعود الرمضاني رئيس المنتدى قدّم من خلاله موقفه من مسار القضيّة ورؤية جمعيته بمناسبة ذكرى «الرش».

للحديث عن أحداث الرش أعتقد أنه كانت هنالك أحداث كثيرة مترابطة ويمكن أن نرجع الأمر إلى أحداث 9 أفريل 2012 مع «أول حكومة منتخبة» وكان التونسيون حينها يحتفلون بذكرى هامة منذ فترة الاستعمار.

وقد كنا يومها في اجتماع في مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واستغربنا أن تمنع السلطة تظاهرة ليست حتى موجهة ضدها بل هي لإحياء ذكرى.

مسعود الرمضاني

وتوجهنا إلى الشارع فاستقبلنا بالقنابل المسيلة للدموع وتم الاعتداء على بعضنا وخاصة عضو الهيئة التنفيذية محمد عطية وكذلك الشهيد محمد البراهمي وعدد من البرلمانيين والسياسيين. ولاحظت أن اعتداءات كانت من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالأمن وحاولنا التدخل لدى الأمن دون جدوى.

وعندما بدأت احتجاجات سليانة لاحظنا خطابا ضدها فيه حيف يقابله سلوك متوازن من الاتحاد الجهوي للشغل بالجهة الذي لم يكن له أهداف سياسية وأهم أسباب انخراطه ردة فعل على الانتدابات التي كانت في تلك الفترة. ففي التعليم ورغم الادعاء بالتمييز الايجابي للجهات الداخلية إلا أن جهة سليانة لم يكن نصيبها أكثر من 0.59 بالمائة. كما لاحظنا أن للوالي انحياز سياسي، وأشير أنّ الولاة في عهد بن علي لم يكن يتصرفون مثله فلما كنت رئيسا لفرع الرابطة بالقيروان وكان حسين العباسي كاتبا عاما للاتحاد الجهوي كان كلما تدخل الاتحاد نلاحظ احتراما للاتحاد الجهوي للشغل، لأن من في السلطة كانوا حريصين على الأدنى.

والي سليانة في تلك الفترة كان يتميز بنوع من التكبر من طلبات الاتحاد الجهوي فاتصل النقابيون بالأمين العام قصد التدخل لدى السلط الوطنية حتى يقبل الوالي الحوار، ولكنه تعنت وتمسك به رئيس الحكومة حينها حمادي الجبالي فخرج المواطنون وتركوا له المدينة فكان تصرّفا حضاريا بامتياز.

وبمناسبة التحقيق فيما حدث كانت رواية السلطة ومن معها تقول بأن دوافع التحرك سياسية وأن أموالا أنفقت وحجارة تم جلبها، وهذا يندرج في إطار نظرية المؤامرة. وبالمقابل يؤكّد المتظاهرون أنّ تحركّهم سلمي للمطالبة في الحق بالتنمية.

وقد شكلنا لجنة كنت أحد أعضائها وفيها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ممثلا بالسيد رمضان بن عمر ونقابة الصحافيين ممثلة بالنقيب الحالي ناجي البغوري إضافة إلى المحامية الأستاذة إيمان البجاوي والمحامي الأستاذ شرف الدين القليل.

كان على اللجنة أن تخرج بنتيجة وقد استمعنا إلى المواطنين والأحزاب السياسية والسلطة ممثلة في وزارة الداخلية والسلطة السياسية ممثلة في الوالي.

وقبل لقاءاتنا في سليانة التقينا كاتب الدولة في وزارة الداخلية ومحمد على العروي الناطق الرسمي وبعض الشخصيات النافذة، وقد قدموا شهادات وأعداد الأمنيين الذين وقع الاعتداء عليهم.

وبقينا أياما في سليانة وقدم إلينا الاتحاد الجهوي الرسائل التي وجهها إلى الوالي وإلى الأمين العام حسين العباسي من أجل التدخل لدى السلط. كما اتصلنا بالأحزاب بما فيها ممثل حركة النهضة وقدموا مواقفهم وتصوراتهم.

وتوصلنا إلى الاستخلاصات التالية:

– كانت  المسيرات بغاية المطالببة بالتنمية ورفض الحيف بخصوص الانتدابات.

– كمية الرش وحجم الاعتداءات على المواطنين والتي اعتبر علي لعريّض أنّها بسبب الظروف المناخية ولم يحترم في ذلك ذكاء التونسيين، والرش لا يستعمل إلا ضدّ الحيوانات السائبة أو الخطيرة.

– القنابل المسيلة للدموع المستعملة منتهية الصلوحية.

– لم يقع اعتماد التدرّج في استعمال القوّة، ومن ذلك أنهم قالوا أنّه ليس لديهم الماء الساخن.

لقد سجلنا خروقات عديدة من بينها أنّه لم يتم التوثيق أو أن المعلومة لم تقدّم عمّن أطلق وعدد الطلقات مثلا.

قد يكون ثمة اعتداءات على الأمنيين ولكن هذا لا يبرر الاستعمال المفرط للقوّة خاصّة أنّ العمليات تمّت بعيدا عن مقرات السيادة.

وبعد توثيق الشهادات قدّمنا قضية لتحديد المسؤوليّة في إعطاء الأوامر باستعمال الرش. وبحكم تنقلي للمحكمة العسكرية بالكاف ثبت أن التقرير الذي أعددناه يقع اعتماد الكثير من نقاطه. وأشير إلى أنّ عديد الوثائق تم الحصول عليها بطرق خاصّة وهي تثبت ما ادعاه وزير الداخلية، حينها، علي لعريض الذي قام تقديمه كشاهد وادعى أنّ الرش وقع استعماله كبديل عن الذخيرة الحية وقد أستعمل في الهواء ولكن نظرا لكثرة المتظاهرين مع هبوب الرياح وقعت الإصابات.

الملف الآن في مفترق طرق وفريق الدفاع حريص على المتابعة ونحن سنواصل العمل على الملف فقضايا التعذيب لا تسقط بالتقادم. وتعلمون أنّ المصابين من الشباب الذين فقدوا البصر ومنهم من أجرى عمليات جراحية فشلت. ورغم حجم الجريمة تمّ فقط إدانة بعض الأشخاص، فحتى خلال الثورة تم توجيه الاتهام إلى وزارة الداخلية ورئيس الجمهورية.

يجب إنهاء الإفلات من العقاب ويكفي من التعنّت، كما أنّ الأمر حينها كان يتجاوز سليانة، حيث كان بعد تلك الأحداث اعتداء 4 ديسمبر على مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل وهذه الأحداث فيها ترابط حيث تمّ تجنيد قوى لجعل الاتحاد عدوّا ومن ذلك خطابات كثيرة محرضة ضدّ الاتحاد خلال سنة 2012.

فخلفية هذه الاعتداءات تتمثل في أن الماسكين بالحكم حينها أرادوا ممارسة سلطتهم حتى بخلط الرسمي بغير الرسمي والعمل على القضاء على التظاهرات وتمّ اعتبار من يطالب بالحقوق عدّوا. كما أنّهم أرادوا المحافظة على السلطة مهما كانت الأمور، وذهبوا في هذا إلى خلط المنظمات المستقلّة بالأحزاب السياسيّة، وقضية سليانة مثالا.

لقد ذهبت السلطة إلى تهويل الأمور وصناعة عدوّ. ولا يمكن بهذا أن نتحدّث عن دولة القانون، ويجب أن نعتبر اليوم أن كلا مسؤول عن أخطائه وخاصّة من كان في مركز خطير كوزارة الداخليّة.

لقد اتخذنا المبادرة ولا يجب أن يفلت مذنب من العقاب. ونعتبر أن الدفاع يقوم بمهامه وثمّة تجاوب من القضاء، رغم غياب إرادة سياسيّة. وينسق المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية مع الاتحاد الجهوي بسليانة الذي يعتبر الطرف الأهمّ وهو الذي يقوم بعمليّة الربط مع الضحايا.

ونشير أنه تمّ التعامل مع القضاء العسكري باستخفاف من قبل وزارة الداخلية، لهذا يجب أن تأخذ القضيّة مجرى جديد وأن تكون ثمّة جديّة أكبر في التعامل مع الملف ويجب جبر الضرر للضحايا وأن يحاسب الجاني دون انتقام.

ويمكن أن يكون جبر الضرر المادي بتقديم المساعدات والتشغيل والعلاج في جرائم تكون الدولة مسؤولة عنها. كما انّ هيبة الدولة في أن تملك وسائل العنف ولا تطبقها إلا بالقانون وتعترف بمسؤوليتها احتراما للقانون.

[dflip id="408"][/dflip]
Skip to content