مقالات

مشروع الرئيس السياسي : أسلمة ناعمة للدولة والمجتمع

حسان العيادي
صحفي

دقائق فقط بعد إعلان الرئيس قيس سعيد في 25 جويلية 2021 عن تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 التف جزء واسع من النخب التونسية حوله ودافعوا عن الخيار آملين في أن يغلق الرئيس بشكل نهائي الباب أمام اسلمة الدولة والمجتمع التونسي.

خيار كان منذ البداية معلن كما أعلنت أسبابه وهو أن حركة النهضة التي هيمنت منذ 2012 على مفاصل الدولة التونسية اتبعت نهج أسلمة الدولة بشكل صريح ومقنع واستمرت في الأمر وفق الانطباع العام طوال السنوات العشر في ظل تحالفات وتوافقات لم تنجح في وضع حد لتغير النمط المجتمعي للتونسيين الذي ان تقوده النهضة بأسماء وأشكال عدة.

حجة تساق كلما انتقدت النخب السياسية والفكرية لدفاعها عن الانحراف بالديمقراطية أو لتحذيرها من خطر دعم رئيس الجمهورية فقط من أجل القضاء على “غول” النهضة والاسلام السياسي وكان رد النخبة أن الرئيس وإن كان “محافظا” فإن خلفيته كأستاذ قانون دستوري ستحول بينه وبين الانحراف إلى مربع أسلمة الدولة والمجتمع وهذا كاف بالنسبة لها ومقابل التخلى عن ديمقراطية معيبة.

كان هذا الأمل هو ما يحدو جزء واسعا من أنصار الرئيس الذين تغافلوا عن موقفه الصريح من مسألة المساواة في الميراث ومن مواقفه المعلنة من قضايا المرأة واقتصارها على قضايا اقتصادية واجتماعية تختزل نساء تونس في العاملات والكادحات وتسحب من تحت أقدام النخب النسوية البساط وحق الدفاع عن المرأة باعتبارهم لا يتقاسمون وجزء واسع من التونسيات ذات الأولويات. أمل لم يتبخر دفعة واحدة بل على مراحل كشف فيها الرئيس بشكل مبطن عن تصوراته بخصوص دور الدين في الدولة والمجتمع، وباتت اعلانا صريحا في دستور 2022 الذي تضمن فصله الخامس إقرار بأن الدولة تعمل على تطبيق مقاصد الشريعة.

دستور أعاد احياء الأمة بمفهوم ديني حينما حملت توطئة الدستور مصطلح الأمة وجعله محوره وكرر استعمال الاصطلاح في الفصل السادس الذين جعل تونس جزء من الأمة العربية ومن الأمة الاسلامية كخطوة إلى انكار كل الأبعاد غير العربية وغير الإسلامية في هويتنا الوطنية التي باتت اليوم عربية اسلامية فقط لا غير.

والانتقال من الأمة التونسية إلى الانتساب إلى الأمة العربية والأمة الاسلامية هو شرط أساسي في مشروع الرئيس القائم على اعادة تشكيل الدولة والمجتمع من منطلق “اخلاقي/ديني” كشف في الفصل الخامس الذي ينص على أن “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية”.

تكليف الدولة وحدها بالعمل على تحقيق مقاصد الشريعية كان كافيا ليكشف أن الاختلاف بين الرئيس والاسلام السياسي لم يكن اختلافا جوهريا يتعلق بدور الدين واعتماده كمصدر للتشريع والايديولوجية التي تعتنقها الدولة بل في احتكار الأحزاب سياسيا له.

فمقاصد الإسلام في هذا المشروع بين الاسلام السياسي والرئيس التونسي هي «مقاصد الشريعة» كما عرفها الشاطبي في كتابه «الموافقات في أصول الشريعة» والذي يستند إليه الرئيس لتفصيل مفهوم مقاصد الاسلام مع إضافة مساهمة المدرسة التونسية التي تعوض حفظ العقل بحفظ الحرية بتعريفها الفقهي التقليدي للحرية وهي استقلال الإرادة في الحدود التي تضبطها الشريعة.

فصل وحيد كان كاف لتمرير مشروع أسلمة الدولة والمجتمع أمام صمت أنصار الرئيس الذين لازال بعضهم يتشبث بأن الفصل ومقصده لا يعنيان احياء التراث الفقهي الإسلامي التقليدي ولا توجه المشرع إلى سن قوانين محافظة تمس من الحريات الفردية بذريعة “العمل على تحقيق مقاصد الإسلام”.

Skip to content