لم ندّع يوما امتلاك الحقيقة. فقط قلنا أننا على حق، وأنّ إيماننا بالعدالة الاجتماعية ودفاعنا عن القطاع العام دفاعٌ عن كرامة عموم التونسيات والتونسيين، وأن العدالة الجبائية تحمي الدولة وتمكّن من توزيع أكثر عدلا للثورة وتكون أحد المداخل الرئيسية لدولة ديمقراطية يُحترم فيها القانون.
لم نكن نتمنى وباء كهذا يشلّ العالم ويزيد من فقر الفقراء وعذابات المستضعفين. ونتمنى أن يذهب عن الإنسانية. إنّما نحن بصدد التنبيه أنّ هذه الأزمة كشفت ما كنّا ننبه إليه في كل حين، زمن الاستعمار ومع دولة الاستقلالية وضد الدكتاتورية وضدّ الحكومات المتعاقبة التي لم تستوعب الدرس الثوري للتونسيات والتونسيين ولم تستجب لمطالبهن/م في العدالة والكرامة.
كان على رأس المال، والسلطة التي تحميه (أو يحميها)، أن يتمثلوا الدرس الوبائي القاسي ويعدِلوا عن الجشع والاستخفاف بحقوق الشغالين وعموم التونسيين. لكن خطاب رأس المال كان متعاليا وفجّا، وفعله كان «جُرما» بمحاولات تجويع العمال حين لم يدفع أجورهم من مالٍ هم صنعوه بعرقهم وبحرمانهم.
يتحمل القائمون على الدولة هذا المآل لأنهم لا يتخذون القرارات الصائبة ولا يُجبرون رأس المال على الالتزام تجاه العمال. وكان على أصحاب القرار أن يكونوا أكثر حزما، وعدم الإيهام بتهديدٍ لتهدئة الخواطر دون إجراءات حازمة تمنع عن الملايين الحاجة والجوع.
وإذ يُعلن الاتحاد العام التونسي للشغل أنّه مستعد «للمعركة» فليس لأنّه يريدُها ولكن لأنّه يستطيع النصر فيها مُنتصِرًا لمنظوريه وعموم المفقرين والمحرومين. وهل كنّا تسرعنا نحو إعلانها؟! لقد قدمنا الحلول التي تحقق سلما اجتماعية وتضمن للسلطة تسيير الأمور حسب القدرات الحقيقية للدولة بكلّ مسؤوليّة. ولم نكن نتهجم على أحد أو نستفزّ أحدا. ذهبنا إلى التفاوض الهادئ رغم ضغوطات زمن الوباء. بل إنّنا بادرنا بالتضحية قبل أن تكون شرطا «فاحشا» ممن ينهب مال البلاد والعباد سنينا ثمّ يذهب إلى المنابر واعظا دون خجل ولا مُروءة.
هل سيعود المنادون بالتفويت في القطاع العام إلى عبثهم؟ لا نستغرب طبعا، ولكنّ الدرس واضح. واليوم يتبيّن أننا لم نكن ندافع عن القطاع العام بمنطق «نقابويّ» بل بمنطق وطني مسؤول. وتبيّن أنّ مطالباتنا ومقترحاتنا للإصلاح كانت صائبة. ولننظر إلى المنظومة التربوية (مثلا)، وقد وضعنا كل خبراتنا من أجل مشروع إصلاحيّ وصبرنا على استعمال الملف في السياسة، ثم ماذا؟ نعجز الآن على تعليم عن بعد والحال أنّه منذ نوفمباريات «بن علي» إلى آخر حزب في الحكم يُستعمل المشروع شعارا للمزايدة.
نحن الآن أمام خيارات واضحة. وسيلتف عدد أكبر من التونسيات والتونسيين حول هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل الدفاع عن مشروع بناء الدولة القوية على أساس العدالة الاجتماعيّة. ولن نقبل المزايدات السياسية والصراعات التي حرمت شعبنا فرصا، ولن نسمح بحرمان الأجيال القادمة من مستقبل تكون فيه تونس العادلة بلدا تُحترم فيه حقوقهن/م.