أخبار مدنية

في زيارة ” الساعة الواحدة ” لميلوني 

تبدو إيطاليا الأقصى يمينية حريصة على تكريس مفهومها الاستراتيجي في منطقة المتوسط ب” تصدير الحدود” وجعل الضفة الجنوبية المقابلة لسواحلها وخصوصا تونس جدار صد مائي وحدودي أمام مد الأدفاق البشرية القادمة من وراء صحراء دول الساحل الإفريقي نهاية بوسط القارة وغربها .

ويتوسع طموح ميلوني وحكومتها نحو مطالب تضرب في عمق الخطاب السيادي الرسمي كإنشاء مراكز استخباراتية في الموانئ التونسية لرصد الهجرة غير الشرعية وتسيير دوريات ساحلية مشتركة للمراقبة بمياه المتوسط لقاء امتيازات مادية وعينية ولوجيستية وحصة صغيرة من الهجرة النظامية أو ما يعرف بسياسة المال مقابل البحر وهو ما يضع المفاوض التونسي أو بالأحرى صاحب السلطات الكاملة رئيس الجمهورية أمام فكي الكماشة : إما القبول بعكس ما يكرره أو رفض العرض الإيطالي ما يلغي عنه ورقة ” حليف ” مهم فلا منطقة رمادية مع روما ومن وراءها الكتلة الأوروبية .

إن تحقيق ” صفر هجرة ” من الضفة الجنوبية نحو الشمالية وفق طموح وزير الداخلية الفرنسي السابق شارل باسكوا يبدو أمرا صفريا مستحيلا بل أن منحنى التدفقات يتخذ منحى النزول والصعود وفق العوامل المناخية و” زر ” الدول المجاورة لتونس وما بعدها .

على الحدود الشرقية ” الرخوة ” في ظل اللااستقرار في ليبيا يدخل البلاد يوميا ما بين 100 إلى 150 مهاجر من الأراضي المنبسطة لبنقردان نحو خط الارتكاز بصفاقس حيث تكون نقاط ” التجمع ” للهجرة نحو السواحل الإيطالية حيث ساهمت ” مطاردة ” هؤلاء المهاجرين في هروبهم نحو المساحات الغابية لولاية صفاقس ( غابات الزيتون بالعامرة وجبنيانة واللوزة وحزق والعوابد …. ) وعيش الآلاف منهم في ظروف أقل ما يقال أنها مأساوية ولولا

” العطف الشعبي والمدني” التلقائي والبسيط من المارين بجوارهم ومدهم يوميا بالمياه والخبز والحليب لهلك أغلبهم جوعا أما وحدات الحرس البحري والأمن فإنهما تكافح على ” جبهتين ” أولاها تتعلق بضمان عدم حصول المحظور الأمني والانفلات التام وثانيها بالملاحقة البحرية لعشرات المراكب العائمة في البحر وعلى متنها مئات المهاجرين غير النظاميين يوميا بل أن القيادات الأمنية العليا نفسها تستشعر وتوصي بأشد العبارات في دراساتها المنشورة أن المقاربة الأمنية ليست الحل أمام زحف الهجرة .

أما على الحدود الغربية الممتدة لما يقرب من 1000 كيلومتر فإن مفترق الطرق في البوابة الصحراوية لتمنراست الجزائرية يؤدي إلى وجهتين هما :

الحدود التونسية بهدف الوصول إلى إيطاليا أو المغربية بغية النفاذ نحو إسبانيا حيث تميل الكفة لصالح تونس بالنظر إلى عوامل القرب أكثر وسهولة الطريق البري و البحري مقارنة بالجهة المغربية ما يجعل الجزائر أكبر بلد في الشمال الإفريقي الأقل تضررا مما تصفه بعض التقارير ب”صداع الأمواج البشرية” و المنطقة الأسرع عبورا باتجاه الهرب الكبير نحو أوروبا .

زيارة ميلوني الرابعة إلى تونس في أقل من عام عنوانها الكبير أمني بغطاء سياسي اقتصادي لبلد أصبح الشريك التجاري الأول لتونس منذ العام 2023 فالحكومة الإيطالية ستبقى تختبر سياسة ” الردع ” التونسية لملف المهاجرين مع تزايد الدعوات الحقوقية الداخلية لأجل إطلاق تسوية إدارية لملفات المئات منهم ممن تقطعت بهم السبل أو ممن هم دون جنسية أو فروا من جحيم الحروب والنزاعات وما أكثرها في إفريقيا واعتماد منهج جديد في التعاطي مع هذا الملف المعقد .

فطين حفصية 

Skip to content