احتضنت مدينة طبرقة يومي 26 و27 أفريل 2025، دورة تكوينية بعنوان “التغيرات المناخية والعمل اللائق للنساء في المناطق الريفية”، نظّمها قسم العلاقات العربية والدولية بالاتحاد العام التونسي للشغل بدعم من النقابات الإسبانية. استهدفت الدورة العاملات الفلاحيات في جهات الشمال الغربي، وشهدت حضورًا لافتًا من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحادات الجهوية للشغل بالكاف وجندوبة وباجة وسليانة، بالإضافة إلى ممثلين عن الجامعة العامة للفلاحة.
افتتحت الدورة بكلمة للأخ جلول بلايلي، الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة، الذي رحب بالعاملات الفلاحيات وأشاد بدورهن الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني رغم الظروف القاسية التي يواجهنها في العمل مؤكدا أن المرأة الريفية تمثل أحد أركان الاقتصاد الفلاحي، مشيرًا إلى ضرورة تحسين وضعها المهني والاجتماعي.
من جهتها، أكدت الأخت هادية العرفاوي، الأمينة العامة المساعدة المكلفة بالعلاقات العربية والدولية في مداخلتها الافتتاحية على أهمية القطاع الفلاحي في ضمان الأمن الغذائي للاقتصاد الوطني، مشددة على أن النساء يشكلن نحو 80% من القوة العاملة في هذا القطاع، أي حوالي 600 ألف امرأة. كما أبرزت التحديات الكبيرة التي تواجههن، مثل الإرهاق البدني، العمل لساعات طويلة، تدني الأجور، وغياب المساواة في الأجر مقارنة بالرجال، إضافة إلى المخاطر المرتبطة بوسائل النقل غير الآمنة.
وفي ختام كلمتها، تطرقت العرفاوي إلى القضية الفلسطينية، حيث ذكّرت الحضور بالحملة الدولية التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل لدعم قبول دولة فلسطين كعضو كامل الحقوق في منظمة العمل الدولية، داعية الجميع إلى دعم هذه المبادرة تحت شعار “نحو تثبيت الحق ورفع الصوت”.
التغيرات المناخية والتشريعات القانونية
تناولت الدورة عدة محاور علمية هامة، حيث قدّم الأستاذ نعمان السلايمي مداخلة حول تأثيرات التغيرات المناخية على النساء الفلاحيات، مشيرًا إلى أن التغيرات البيئية مثل الجفاف والفيضانات تؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي وتزيد من أعباء النساء العاملات في هذا القطاع. كما تم تنظيم ورشات تفاعلية بإشراف الأستاذة حنان المناعي، لتطوير التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تسهم في تحسين ظروف العمل للنساء في المناطق الريفية.
وفي اليوم الثاني، قدم الأستاذ عبد السلام النصيري مداخلة حول الجوانب القانونية للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات، موضحًا حقوقهن الأساسية وآليات تفعيل التشريعات المتعلقة بالتغطية الاجتماعية.
أرقام صادمة ومشاكل مزمنة
استعرض الاستاذ النصيري، في مداخلته، الوضع الصعب الذي تعيشه النساء العاملات في الفلاحة، مشيرًا إلى أن 500 ألف عاملة تعمل دون عقود قانونية أو تغطية اجتماعية، في حين لا يتجاوز عدد العاملات الأجيرات 120 ألفًا. وبين أن 90% من العاملات في القطاع لا يتمتعن بأي نوع من الحماية الاجتماعية، ولا يستفيدن من التقاعد أو التغطية الصحية.
كما حلل مشكلة الأجور، حيث أكّد أن أغلب العاملات يتقاضين ما بين 10 و15 دينارًا يوميًا، وهي أجور أقل بكثير من الحد الأدنى المقرر قانونًا. وأضاف أن تكاليف النقل تشكل عبئًا إضافيًا على الأجور، حيث يتم خصم ما بين 4 إلى 5 دنانير من الأجر لصالح أصحاب وسائل النقل غير الآمنة، مما يزيد من خطر الحوادث.
وأشار النصيري إلى أن 90% من العاملات يستخدمن وسائل نقل غير آمنة، مما يعرضهن للحوادث والإصابات، فضلاً عن العمل لساعات طويلة تتجاوز 9 ساعات يوميًا. وذكر أن هذه الظروف تؤدي إلى تعرضهن للإرهاق الشديد والأمراض المزمنة.
إشكالية تطبيق والنصوص الترتيبية
تناول النصيري أيضًا غياب الإجراءات التنفيذية التي تضمن حماية حقوق العاملات، مشيرًا إلى غياب السجلات المهنية والبطاقات الخاصة بالعاملات، وهو ما يعمّق تهميشهن. وأكد أن المرسوم عدد 4 لسنة 2024، الذي أقرّ نظامًا خاصًا لحماية النساء الفلاحيات، لا يزال غير مفعل على أرض الواقع، رغم دخوله حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي.
كما لفت إلى أن هناك نقصًا في آليات الرقابة الفلاحية والمراقبة الفعلية لتطبيق القوانين، وهو ما يعكس ضعف التزام الدولة بتطبيق الحقوق الاجتماعية للعاملات الفلاحيات.
في ختام مداخلته، شدّد النصيري على ضرورة تنظيم النساء في نقابات للمطالبة بحقوقهن، مؤكدًا أن النضال الجماعي هو السبيل الأساسي لتحسين أوضاع العاملات الفلاحيات. وقال: “الحقوق لا تُمنح بل تُنتزع بالوعي والعمل النقابي المنظم.”
معاناة يومية
خلال أشغال الدورة، شكّلت شهادات النساء الفلاحيات لحظة مؤثرة كشفت عمق المعاناة اليومية التي يعشنها في صمت. تحدثن عن ساعات العمل الطويلة تحت ظروف مناخية قاسية، وعن مشقة التنقل في وسائل نقل غير آمنة تهدد سلامتهن الجسدية. كما أشرن إلى تدني الأجور مقارنة بجهودهن، وغياب المساواة مع الرجال رغم أداء نفس المهام. تطرّقن أيضًا إلى تراجع فرص العمل الموسمي وتدهور الإنتاج بسبب التغيرات المناخية، ما زاد من هشاشة أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية. هذه الشهادات لم تكن مجرد قصص شخصية، بل عكست واقعًا جماعيًا يتطلب تدخلاً عاجلاً وإنصافًا حقيقيًا.
في ختام الدورة، كانت أصوات العاملات الفلاحيات وشهاداتهن تعبيرًا عن صرخات من قلب الأرض، تطالب بتدخل فعلي وعاجل لحماية حقوقهن، وتحقيق ظروف عمل لائقة تحترم كرامتهن وتوفر لهن حياة أفضل.