مقالات

إصلاحات الحكومة لصندوق الدعم: الدولة تتخلى عن دورها الاجتماعي في زمن الأزمة العالمية

حسان العيادي
صحفي

يتواصل صمت حكومة نجلاء بودن إن تعلق الأمر بإصلاحاتها الهيكلية التي التزمت بها لصندوق النقد الدولي، صمت لم يحل دون أن تتسرب بعض من بنود خطة الاصلاحات سواء من طرف مسؤولين بارزين في الصندوق أو عبر تصريحات حكومية بحثت عن تجميل الاصلاحات وتسويقها بالاستعانة بمفاهيم مبهمة وغامضة من قبيل “توجيه الدعم لمستحقيه” أو عدم التفريط في المؤسسات والمنشات العمومية.

بعيدا عن خطاب الطمأنة الذي لا يعدو أن يكون “كلمات” تلقى على مسامع الحائرين لتزيل عنهم الريبة فإن ما تقدمت به حكومة نجلاء بودن لصندوق النقد من اصلاحات يتضمن بالأساس مخططها لرفع الدعم التدريجي عن المواد الأساسية.

من ذلك اقتراحها بالرفع التدريجي للدعم عن المحروقات والكهرباء على مراحل تمتد لأربع سنوات، هذا قبل أن تتغير المعادلة بضغط من ممثلي الدول الكبرى في صندوق النقد اللذين طالبوا من الصندوق أن يلزم كل دولة تلجئ إليه برفع الدعم عن المحروقات بصفة آلية.

طلب إن أردنا وصفه بدقة فإنه شرط لما لهذه الدول من وزن في مجلس إدارة صندوق النقد وهو ما أدى إلى أن تقبل حكومة نجلاء بود ن به وتلتزم بأن تحرر أسعار المحروقات بنهاية سنة 2023 عبر اتباع سياسة التعديل الآلي للأسعار. وهو ما يعنى أن أسعار المحروقات ومواد الطاقة سترتفع ب40 %.

كل هذا يتزامن مع صدمة أسعار المواد الأولوية والطاقية نتيجة للرحب الروسية الأوكرانية، والتي يتوقع وفق البنك المركزي أن تؤدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة أكثر من 50% في 2022 فيما تتراجع قليلاً في 2023 و2024، وكما سترتفع أسعار السلع الأولية غير المتصلة بالطاقة، بما في ذلك السلع الزراعية والمعادن، بنسبة 20% تقريباً في عام 2022.

ارتفاع سيؤثر بشكل مباشر وعنيف على المقدرة الشرائية للتونسيين، نتيجة ارتفاع كلفة كل البضائع والخدمات هذا دون احتساب الضغوط التضخمية الإضافية أو التداعيات المحتملة لأية خيار يسلكه البنك المركزي للتحكم في التضخم الذي بلغ في شهر أكتوبر 9.2، كما شهدت الأسعار عند الاستهلاك ارتفاعا بنقطة في ذات الشهر.

فارتفاع أسعار المحروقات بأكثر من الثلث وحده كفيل بأن ينسف ما تبقى من المقدرة الشرائية للتونسيين دون حاجة للإشارة إلى تأثيرات الرفع التدريجي للدعم عن المواد الأساسية انطلاقا من السنة القادمة والذي سيولد دوامة تضخمية.

والمفارقة أن الحكومة تقلل من درجة الخطر المهدد للأسر التونسية وتتجنب الكشف الصريح عن خطتها الاصلاحية أو تهيئة الشارع التونسي لها، خاصة أن تعلق الأمر بالدعم، إذ يتقدم خطابا عناصره أن الدعم لن يرفع بل سيعاد توجهه ليكون حقا مكتسبا لثلث التونسيين وحقا يكتسب لثلث الاخر المطالب شرط أن يثبت أحقيته أما الثلث الباقي فهو محروم منه.

توزيع للتونسيين إلى ثلاث فئات هو عنصر من عناصر خطة إعادة توجيه الدعم الباحثة بالأساس عن تحكم في نفقاته في إطار خطة تقشفية هدفها التحكم في توازنات المالية العمومية عبر تقليص نفقات الدولة في الجانب الاجتماعي.

Skip to content