مقالات

مؤشرات تغير المناخ بلغت مستويات قياسية

يُظهر تقرير جديد صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الأرقام القياسية قد تحطمت مجدداً، وفي بعض الحالات جرى تجاوزها بدرجة كبيرة، وذلك فيما يخص مستويات غازات الاحتباس الحراري، ودرجات حرارة السطح، وحرارة المحيطات وتحمضها، وارتفاع مستوى سطح البحر، والغطاء الجليدي البحري في المنطقة القطبية الجنوبية، وتقلص مساحات الأنهار الجليدية.

وقد تسببت موجات الحر والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والأعاصير المدارية المكثفة بسرعة في البؤس والفوضى، وهو ما أدى إلى قلب الحياة اليومية للملايين وإلحاق خسائر اقتصادية تُقدر بمليارات الدولارات، وذلك وفقاً لتقرير حالة المناخ العالمي لعام 2023 الصادر عن المنظمة.

وأكد تقرير المنظمة أن عام 2023 كان العام الأكثر دفئاً منذ بدء التسجيل، إذ بلغ المتوسط العالمي لدرجة الحرارة القريبة من السطح 1.45 درجة مئوية (بهامش من عدم اليقين يقل أو يزيد على 0.12 درجة مئوية) فوق خط الأساس في فترة ما قبل الثورة الصناعية. وكانت آخر عشر سنوات هي أحر فترة مسجلة.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «إن جميع المؤشرات الرئيسية تدق نواقيس الخطر … فبعض المعدلات لم تحقق أرقاماً قياسية فحسب، بل فاقتها بكثير، والتغيرات تحدث بوتيرة متسارعة».

وقالت الأمينة العامة للمنظمة سيليستى ساولو: «لم نكن أبداً قريبين إلى هذا الحد – وإن كان ذلك على أساس مؤقت في الوقت الحالي – من الحد الأدنى البالغ 1.5 درجة مئوية لاتفاقية باريس بشأن تغير المناخ. ومجتمع المنظمة يعلن حالة الإنذار القصوى للعالم».

وأضافت: «إن تغير المناخ ينطوي على ما هو أكثر بكثير من درجات الحرارة. فما شهدناه في عام 2023، خاصة مع دفء المحيطات غير المسبوق وتقلص مساحات الأنهار الجليدية وفقدان الجليد البحري في القطب الجنوبي، أمر يثير القلق بشكل خاص».

وفي يوم عادي في عام 2023، اجتاحت موجة حر بحرية ما يقرب من ثلث المحيطات العالمية، وهو ما أضر بالنظم الإيكولوجية والنظم الغذائية الحيوية. وقرب نهاية عام 2023، شهد أكثر من 90 في المائة من المحيطات ظروف موجة حر في مرحلة ما خلال العام.

وشهدت المجموعة العالمية من الأنهار الجليدية المرجعية أكبر خسارة للجليد على الإطلاق (منذ عام 1950)، مدفوعة بالذوبان الشديد في كل من غرب أمريكا الشمالية وأوروبا، وفقاً للبيانات الأولية.

وكانت رقعة الجليد البحري في المنطقة القطبية الجنوبية هي الأدنى على الإطلاق، إذ وصل الحد الأقصى للرقعة في نهاية الشتاء إلى أقل من العام القياسي السابق بمليون كيلومتر مربع   أي ما يعادل حجم فرنسا وألمانيا مجتمعتين.

وقالت سيليستى ساولو: «إن أزمة المناخ هي التحدي الحاسم الذي تواجهه البشرية وترتبط ارتباطاً وثيقاً بأزمة عدم المساواة – كما يشهد على ذلك تزايد انعدام الأمن الغذائي ونزوح السكان وفقدان التنوع البيولوجي».

الشذوذ السنوي في متوسط درجات الحرارة العالمية (بالنسبة إلى الفترة 1850 – 1900) بدءاً من عام 1850 إلى 2023. البيانات مأخوذة من ست مجموعات بيانات.

وزاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء العالم بأكثر من الضعف، من 149 مليون شخص قبل جائحة كوفيد-19 إلى 333 مليون شخص في عام 2023 (في 78 بلداً رصدها برنامج الأغذية العالمي). وقد لا يكون الطقس والمناخ المتطرفين هما السبب الجذري في ذلك، لكنهما وفقاً للتقرير عاملان معززان.

واستمرت أخطار الطقس في التسبب في النزوح في عام 2023، وهو ما يوضح إلى أي مدى تقوض الصدمات المناخية القدرة على الصمود وتولد مخاطر حماية جديدة بين السكان الأكثر ضعفاً.

ومع ذلك، هناك بصيص من الأمل.

فقد ارتقى توليد الطاقة المتجددة، مدفوعاً في المقام الأول بالقوى الدينامية للإشعاع الشمسي والرياح ودورة المياه، إلى طليعة العمل المناخي لقدرته على تحقيق أهداف إزالة الكربون. ففي عام 2023، زادت إضافات الطاقة المتجددة بنسبة 50 في المائة تقريباً عن عام 2022، ليصبح المجموع 510 جيغا واط – وهو أعلى معدل مرصود في العقدين الماضيين.

وهذا الأسبوع، في اجتماع كوبنهاغن الوزاري للمناخ في يومَي 21 و22 مارس، سيجتمع قادة المناخ والوزراء من جميع أنحاء العالم لأول مرة منذ الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في دبي للضغط من أجل تسريع العمل المناخي. وسيكون تعزيز المساهمات المحددة وطنياً للبلدان قبل الموعد النهائي المحدد فيفري 2025 على رأس جدول الأعمال، وكذلك تقديم اتفاق طموح بشأن التمويل في الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لتحويل الخطط الوطنية إلى عمل.

وقالت الأمينة العامة سيليستى ساولو:»إن العمل المناخي مُقوَّض حالياً بسبب نقص القدرة على تقديم واستخدام الخدمات المناخية لإبلاغ الخطط الوطنية للتخفيف والتكيف، لا سيما في البلدان النامية. ونحن بحاجة إلى زيادة الدعم للمرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا لتمكينها من تقديم خدمات المعلومات لضمان أن الجيل القادم من المساهمات المحددة وطنياً يستند إلى العلم».

وقد صدر تقرير حالة المناخ العالمي في الوقت المناسب لليوم العالمي للأرصاد الجوية في 23 مارس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التقرير يمهد الطريق لحملة جديدة للعمل المناخي من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ستُطلق في 21 مارس. وسيُسترشد بهذا التقرير في المناقشات في اجتماع وزاري للمناخ في كوبنهاغن يومَي 21 و22 مارس.

ويساهم في التقرير عشرات من الخبراء والجهات الشريكة، بمن فيهم منظمات الأمم المتحدة والمرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والمراكز العالمية للبيانات والتحليل، بالإضافة إلى المراكز المناخية الإقليمية، والبرنامج العالمي للبحوث المناخية، والمراقبة العالمية للغلاف الجوي، والمراقبة العالمية للغلاف الجليدي، وخدمة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ التي يتولى تشغيلها المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسط المدى.

غازات الاحتباس الحراري

وصلت التركيزات المرصودة لغازات الاحتباس الحراري الرئيسية الثلاثة – ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز – إلى مستويات قياسية في عام 2022. وتظهر البيانات في الوقت الفعلي من مواقع محددة زيادة مستمرة في عام 2023.

ومستويات ثاني أكسيد الكربون أعلى بنسبة 50 في المائة عنها في عصر ما قبل الثورة الصناعية، وهو ما يؤدي إلى حبس الحرارة في الغلاف الجوي. وطول فترة بقاء ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يعني أن درجات الحرارة ستستمر في الارتفاع لسنوات عديدة قادمة.

درجة الحرارة

بلغ المتوسط العالمي لدرجة الحرارة بالقرب من السطح في عام 2023 نحو 1.45 ± 0.12 درجة مئوية أعلى من متوسط فترة ما قبل الثورة الصناعية 1850-1900. وبذلك أصبح عام 2023 هو العام الأكثر دفئاً في سجل الرصد البالغ 174 عاماً، مما جعله يحطم الرقم القياسي للسنوات السابقة الأكثر دفئاً، إذ تجاوز المتوسط العالمي لدرجة الحرارة في عام 2016 متوسط الفترة 1850-1900بمقدار 1.29 ± 0.12 درجة مئوية، وعام 2020 بمقدار 1.27 ± 0.13 درجة مئوية.

وتجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية للسنوات العشر 2014-2023 متوسط الفترة 1850-1900 بمقدار 1.20 ± 0.12 درجة مئوية.

وعلى الصعيد العالمي، كان كل شهر من الأشهر بين جوان وديسمبر دافئاً بشكل قياسي. وكان سبتمبر 2023 جديراً بالملاحظة بشكل خاص، إذ تجاوز الرقم القياسي العالمي السابق لشهر سبتمبر بهامش واسع (من 0.46 إلى 0.54 درجة مئوية).

وترجع الزيادة الطويلة الأمد في درجة الحرارة العالمية إلى زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. وقد ساهم التحول من ظروف النينيا إلى النينيو في منتصف عام 2023 في الارتفاع السريع في درجات الحرارة من عام 2022 إلى عام 2023.

وبلغ المتوسط العالمي لدرجات حرارة سطح البحر مستوى قياسياً مرتفعاً منذ أفريل فصاعداً، مع كسر الأرقام القياسية في جويلية وسبتمبر بهامش واسع بشكل خاص. وسُجِّل ارتفاع استثنائي في درجات الحرارة في شمال شرق المحيط الأطلسي وخليج المكسيك ومنطقة الكاريبي وشمال المحيط الهادئ ومناطق واسعة من المحيط الجنوبي، مع موجات حرارة بحرية واسعة النطاق.

ولا تتوافق بعض المناطق ذات الاحترار غير العادي، مثل شمال شرق المحيط الأطلسي، مع الأنماط النموذجية للاحترار المرتبطة بظاهرة النينيو، والتي كانت حاضرة بقوة في المحيط الهادئ الاستوائي.

درجة حرارة المحيطات

(أ) خريطة عالمية توضح أعلى فئة من موجات الحر البحرية في كل بِكسل خلال عام 2023 (الفترة المرجعية 1982-2011). ويبيّن اللون الرمادي الفاتح عدم حدوث أي موجات حر بحرية في أي بِكسل خلال العام بأكمله؛ (ب) رسم بياني ذو أعمدة متراصة يبيّن النسبة المئوية لأسطح المحيطات التي شهدت موجة حرارية بحرية في أي يوم معيّن من أيام السنة؛ (ج) رسم بياني ذو أعمدة متراصة يبين متوسط العدد التراكمي لموجات الحر البحرية على سطح المحيط؛ (د) رسم بياني ذو أعمدة متراصة يبيّن إجمالي النسبة المئوية لأسطح المحيطات التي شهدت موجة حر بحرية في الفترة من 1982 إلى الآن. البيانات مأخوذة من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي؛ الاستيفاء الأمثل لدرجة حرارة سطح البحر.

وصل محتوى حرارة المحيطات إلى أعلى مستوى له في عام 2023، وفقاً لتحليل موحد للبيانات. وتظهر معدلات الاحترار زيادة كبيرة جداً بشكل خاص خلال العقدين الماضيين.

ومن المتوقع أن يستمر الاحترار – وهذا تغيير لا سبيل إلى تداركه في نطاقات زمنية تتراوح بين مئات إلى آلاف السنين.

ولموجات الحر البحرية الأكثر تواتراً وشدة انعكاسات سلبية عميقة على النظم الإيكولوجية البحرية والشعاب المرجانية.

وقد شهدت المحيطات العالمية متوسط تغطية يومية لموجة الحر البحرية نسبته 32 في المائة، وهو أعلى بكثير من الرقم القياسي السابق البالغ 23 في المائة في عام 2016. وفي نهاية عام 2023، كانت معظم المحيطات العالمية بين 20 درجة جنوباً و20 درجة شمالاً في ظروف موجة حر منذ أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر.

وتجدر الإشارة بوجه خاص إلى موجات الحر البحرية الواسعة النطاق في شمال المحيط الأطلسي التي بدأت في ربيع نصف الكرة الشمالي، وبلغت ذروتها في سبتمبر واستمرت حتى نهاية العام. وشهدت نهاية عام 2023 نطاقاً واسعاً من موجة حر بحرية شديدة ومتطرفة عبر شمال المحيط الأطلسي، مع درجات حرارة أعلى من المتوسط بمقدار 3 درجات مئوية.

وشهد البحر الأبيض المتوسط تغطية شبه كاملة لموجات الحر البحرية القوية والشديدة للعام الثاني عشر على التوالي.

وزاد تحمض المحيطات نتيجة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون.

ارتفاع مستوى سطح البحر

في عام 2023، وصل المتوسط العالمي لارتفاع مستوى سطح البحر إلى مستوى قياسي في التسجيل عن طريق السواتل (الذي بدأ منذ عام 1993)، الأمر الذي يعكس استمرار ارتفاع درجة حرارة المحيطات (التمدد الحراري) وكذلك ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.

وزاد معدل ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر العالمي في السنوات العشر الماضية (2014-2023) بأكثر من ضعفي معدله في العقد الأول من التسجيل عن طريق السواتل (1993-2002).

الغلاف الجليدي

رقعة الجليد البحري اليومي في المنطقة القطبية الجنوبية في الفترة من جانفي حتى ديسمبر، وتظهر ظروف عام 2023 (المنحنى الأحمر) مقابل المناخ الطبيعي للفترة 1991-2020 (المنحنى الأزرق القاتم) وأعلى وأدنى رقعتين قياسيتين لكل يوم (المنحنى الأزرق المتوسط القتامة). تَظهر السنوات الفردية باللون الأزرق الفاتح. المركز الوطني لبيانات الثلج والجليد، الولايات المتحدة الأمريكية.

وصلت رقعة الجليد البحري في المنطقة القطبية الجنوبية إلى مستوى قياسي مطلق لعصر السواتل (منذ عام 1979) في فيفري 2023 وظل عند مستوى قياسي منخفض لهذا الوقت من العام من جوان حتى أوائل نوفمبر. وبلغ الحد الأقصى السنوي في أيلول/ سبتمبر 16.96 مليون كيلومتر مربع، أي أقل من متوسط الفترة 1991-2020 بما يقرب من 1.5 مليون كيلومتر مربع، وأقل بمليون كيلومتر مربع من الحد الأقصى القياسي المنخفض السابق.

وظلت رقعة الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية دون المستويات الطبيعية؛ إذ سجَّل الحد الأقصى السنوي لمساحة الجليد البحري خامس أقل معدلاته، في حين سجَّل الحد الأدنى السنوي سادس أدنى مستوى له على الإطلاق.

الصفائح الجليدية: هناك نوعان من الصفائح الجليدية الرئيسية، الصفيحة الجليدية في غرينلاند والصفيحة الجليدية في المنطقة القطبية الجنوبية. وبالجمع بين الصفيحتين الجليديتين، فإن أعلى سبع سنوات ذوبان مسجلة كانت كلها منذ عام 2010، وارتفع متوسط معدلات فقدان الكتلة من 105 جيغا طن سنوياً في الفترة 1992-1996 إلى 372 جيغا طن سنوياً في الفترة 2016-2020. وهذا يعادل حوالي 1 ملم في السنة من ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي الذي يُعزى إلى الصفائح الجليدية في الفترة 2016-2020.

واستمرت الصفيحة الجليدية في غرينلاند في فقدان الكتلة في السنة الهيدرولوجية 2022-2023. وكان صيف هذه السنة هو الأدفأ منذ بدء التسجيل في محطة قمة غرينلاند، إذ كان أدفأ من الرقم القياسي السابق بدرجة مئوية. وتشير بيانات مدى الذوبان المُقاس بالسواتل إلى أن الصفيحة الجليدية كانت لها أعلى مدى تراكمي في يوم ذوبان (1978-2023) في السجلات، بعد موسم الذوبان الشديد في عامي 2012 و2010.

الأنهار الجليدية: تشير البيانات الأولية للسنة الهيدرولوجية 2022-2023 إلى أن المجموعة العالمية من الأنهار الجليدية المرجعية شهدت أكبر خسارة للجليد على الإطلاق (1950-2023)، وكانت هذه الخسارة مدفوعة بتوازن سلبي للغاية للكتلة في كل من غرب أمريكا الشمالية وأوروبا.

وشهدت الأنهار الجليدية في جبال الألب الأوروبية موسم ذوبان شديد. ففي سويسرا، فقدت الأنهار الجليدية في العامين الماضيين ما يقرب من 10 في المائة من حجمها المتبقي. وشهدت منطقة غرب أمريكا الشمالية خسارة قياسية في كتلة الأنهار الجليدية في عام 2023   بمعدل كان أعلى بخمس مرات من المعدلات المقاسة للفترة 2000-2019. وخلال الفترة 2020-2023، فقدت الأنهار الجليدية في غرب أمريكا الشمالية ما يقدر بنحو 9 في المائة من حجمها الذي كان في عام 2020.

ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة

كان لظواهر الطقس والمناخ المتطرفة آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة على جميع القارات المأهولة. وشملت هذه الآثار الفيضانات الكبرى، والأعاصير المدارية، والحر والجفاف الشديدين، وحرائق الغابات المرتبطة بها.

فقد تأثرت اليونان وبلغاريا وتركيا وليبيا بالفيضانات التي نجمت عن هطول الأمطار الغزيرة بسبب إعصار دانيال في البحر الأبيض المتوسط، مع وقوع خسائر فادحة في الأرواح بشكل خاص في ليبيا في سبتمبر.

وكان الإعصار المداري فريدي، الذي تشكل في فيفري ومارس، أحد أطول الأعاصير المدارية عمراً في العالم، وخلَّف آثاراً كبيرة على مدغشقر وموزمبيق وملاوي.

وكان الإعصار المداري موكا، في ماي، أحد أشد الأعاصير التي شوهدت على الإطلاق في خليج البنغال، وتسبب في نزوح 1.7 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة الفرعية من سري لانكا إلى ميانمار وعبر الهند وبنغلاديش، وأدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد.

واشتد إعصار أوتيس ليصل إلى الحد الأقصى لنظام الفئة 5 في غضون ساعات   وهو أحد أسرع معدلات التكثيف في عصر السواتل. وضرب هذا الإعصار منتجع أكابولكو الساحلي المكسيكي في 24 أكتوبر، وهو ما تسبب في خسائر اقتصادية تُقدر بنحو 15 مليار دولار أمريكي، وأسفر عن مقتل 47 شخصاً على الأقل.

وأثرت الحرارة الشديدة على أجزاء كثيرة من العالم، لعل من أبرزها جنوب أوروبا وشمال أفريقيا، خاصة في النصف الثاني من شهر جويلية. وبلغت درجات الحرارة في إيطاليا 48.2 درجة مئوية، في حين أُبلِغ عن مستويات قياسية لدرجات الحرارة في مدينة تونس (الجمهورية التونسية) 49.0 درجة مئوية، وأغادير (المغرب) 50.4 درجة مئوية، ومدينة الجزائر (الجزائر) 49.2 درجة مئوية.

وكان موسم حرائق الغابات في كندا هو الأسوأ على الإطلاق. إذ بلغ إجمالي المساحة المحروقة على المستوى الوطني خلال العام 14.9 مليون هكتار، وهي مساحة تزيد أكثر من سبع مرات على المساحات المحروقة في المتوسط الطويل الأجل. وبالإضافة إلى ذلك، أدت الحرائق إلى تلوث شديد بالدخان، لا سيما في المناطق المكتظة بالسكان في شرق كندا وشمال شرق الولايات المتحدة. وقد تعرضت هاواي لحريق الغابات الأكثر فتكاً هذا العام، الذي أودي بحياة 100 شخص على الأقل   ويُعّد أكثر حرائق الغابات إهلاكاً في الولايات المتحدة منذ أكثر من 100 عام   وقُدرت الخسائر الاقتصادية بمبلغ 5.6 مليار دولار أمريكي.

وشهدت منطقة القرن الأفريقي الكبرى، التي كانت تعاني من جفاف طويل الأجل، فيضانات كبيرة في عام 2023، وخاصة في الشهور الأخيرة من العام. وأدت الفيضانات إلى نزوح 1.8 مليون شخص عبر إثيوبيا وبوروندي وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا والصومال وكينيا، بالإضافة إلى 3 ملايين شخص نزحوا داخلياً أو عبر الحدود بسبب مواسم الجفاف الخمسة المتتالية في إثيوبيا وكينيا وجيبوتي والصومال.

واستمر الجفاف الطويل الأجل في شمال غرب أفريقيا وأجزاء من شبه الجزيرة الأيبيرية، فضلاً عن أجزاء من وسط وجنوب غرب آسيا. واشتد الجفاف في أجزاء كثيرة من أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية. ففي شمال الأرجنتين وأوروغواي، كان هطول الأمطار في الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى آب/ أغسطس أقل من المتوسط بنسبة تراوحت بين 20 و50 في المائة، وهو ما أدى إلى خسائر في المحاصيل وانخفاض مستويات تخزين المياه.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية

الانتشار العالمي لنقص التغذية (كنسبة مئوية) وعدد من يعانون من نقص التغذية (بالملايين) منذ عام 2005. حُدثت السلسلة بأكملها لتضم المعلومات الجديدة التي صدرت في المنشور حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم (2023)

أدت أخطار الطقس والمناخ إلى تفاقم التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي ونزوح السكان والآثار على الفئات السكانية الضعيفة. وما فتئت هذه الأخطار تتسبب في موجات نزوح جديدة وطويلة الأمد وثانوية، وزادت من ضعف العديد ممن اقتُلعوا بالفعل من ديارهم بسبب حالات معقدة متعددة الأسباب من الصراع والعنف.

ووجود نظم فعالة للإنذار المبكر بالأخطار المتعددة هو أحد المكونات الأساسية للحد من أثر الكوارث. وتسعى مبادرة الإنذار المبكر للجميع إلى ضمان حماية الجميع من خلال نظم الإنذار المبكر بحلول نهاية عام 2027. وقد زادت الاستراتيجيات المحلية الموضوعة للحد من أخطار الكوارث وارتفعت وتيرة تنفيذها منذ اعتماد إطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث.

ويستشهد التقرير بالأرقام التي تفيد بأن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء العالم قد زاد بأكثر من الضعف، من 149 مليون شخص قبل جائحة كوفيد-19 إلى 333 مليون شخص في عام 2023 (في 78 بلداً رصدها برنامج الأغذية العالمي). وظلت مستويات الجوع العالمية لدى برنامج الأغذية العالمي دون تغيير من عام 2021 إلى عام 2022. ومع ذلك، لا تزال هذه المستويات أعلى بكثير من مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19: ففي عام 2022، كان 9.2 في المائة من سكان العالم (735.1 مليون شخص) يعانون من نقص التغذية. وتعد النزاعات التي طال أمدها، والانكماش الاقتصادي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي تفاقمت بسبب ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية الناجمة عن الصراع المستمر والواسع النطاق في جميع أنحاء العالم، هي السبب الجذري لارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي العالمي. ويتفاقم هذا الوضع بسبب آثار المناخ وظواهر الطقس المتطرفة. ففي جنوب أفريقيا مثلاً، أثر مرور إعصار فريدي في فيفري 2023 على مدغشقر وموزمبيق وجنوب ملاوي وزيمبابوي. وغمرت الفيضانات مناطق زراعية واسعة وألحقت أضراراً جسيمة بالمحاصيل والاقتصاد.

وقد ارتقى توليد الطاقة المتجددة، مدفوعاً في المقام الأول بالقوى الدينامية للإشعاع الشمسي والرياح ودورة المياه، إلى طليعة العمل المناخي لقدرته على تحقيق أهداف إزالة الكربون.

وفي جميع أنحاء العالم، هناك بالفعل تحول كبير في مجال الطاقة. ففي عام 2023، زادت إضافات الطاقة المتجددة بنسبة 50 في المائة تقريباً عن عام 2022، ليصبح المجموع 510 جيغا واط. ويمثل هذا النمو أعلى معدل مرصود في العقدين الماضيين ويشير إلى إمكانية تحقيق هدف الطاقة النظيفة المحدد في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف لزيادة قدرة الطاقة المتجددة بمقدار ثلاث مرات على مستوى العالم لتصل إلى 11000 جيغا واط بحلول عام 2030.

تمويل المناخ

في عامي 2022/2021، بلغت تدفقات التمويل العالمية المتعلقة بالمناخ ما يقرب من 1.3 تريليون دولار أمريكي، أي ما يقرب من الضعف مقارنة بمستويات عامي 2020/2019. ومع ذلك، فإن تدفقات تمويل المناخ المتعقبة لا تمثل سوى حوالي 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقاً لمبادرة السياسات المناخية.

وهناك فجوة تمويلية كبيرة. ففي سيناريو متوسط/ بالنسبة لمسار 1.5 درجة مئوية، يجب أن تنمو الاستثمارات السنوية لتمويل المناخ بأكثر من ستة أضعاف، لتصل إلى ما يقرب من 9 تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2030 و10 تريليونات دولار أخرى حتى عام 2050.

وتكلفة التقاعس عن اتخاذ تدابير بهذا الشأن أعلى بكثير. وإجمالاً خلال الفترة 2025-2100، تُقدر التكلفة الإجمالية للتقاعس عن العمل بمبلغ 1266 تريليون دولار أمريكي؛ أي الفرق في الخسائر في ظل سيناريو العمل كالمعتاد والخسائر المتكبدة ضمن مسار 1.5 درجة مئوية. ومع ذلك، من المرجح أن يكون هذا الرقم أقل من الواقع بشكل كبير.

ولا يزال تمويل التكيف غير كاف. فبالرغم من أن تمويل التكيف وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، إذ بلغ 63 مليار دولار أمريكي في عامي 2022/2021، فإن الفجوة العالمية في تمويل التكيف آخذة في الاتساع، فهذا المبلغ أقل بكثير من المبلغ المطلوب سنوياً حتى عام 2030 في البلدان النامية وحدها، والمقدر بـ 212 مليار دولار أمريكي.

Skip to content