مقالات

بعد 13 عاما من تحرّره: قطاع الإعلام يعود إلى نقطة الصفر

مجدي الورفلي
صحفي

خلال الـ13 سنة التي عقبت 14 جانفي 2011، شهد قطاع الاعلام عديد الأحداث والمحطات التي أثرت في مساره وتطوره لتمكين الجمهور من حقه في المعلومة، لينتهي اليوم إلى ما يُشبه النقطة التي كان عليها قبيل سقوط نظام زين العابدين بن علي.

في البداية إعتقد الجميع أن تاريخ 14 جانفي 2011، الذي تمر عليه اليوم 13 سنة، مثل نقطة مفصلية لقطاع الاعلام، واعتبار أن حرية التعبير هي المكسب الأهم أو من أهم المكاسب التي أفرزها سقوط نظام زين العابدين بن علي، وما تبعه من رفع القيود على العدد القليل من وسائل الاعلام العمومي والخاص، سواء المرئي أو المسموع أو المكتوب، وتحرر المبادرة في إنشاء القنوات التلفزية والاذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية.

ليتحول ذلك العدد القليل من وسائل الإعلام قبل الثورة إلى أكثر من 25 قناة تلفزيونية وحوالي 50 إذاعة موزعة على الاذاعات الوطنية والجهوية، فيما تجاوز عدد الصحف 150 صحيفة يومية وأسبوعية وشهرية ونصف شهرية في تكريس لمبدأ التعددية الاعلامية رغم ان عديد وسائل الإعلام كانت دون ترخيص، إلا أن ذلك المشهد الاعلامي واجه منذ 14 جانفي 2011، تحديات وضغوطات وهجمات ومحاولات تركيع وسيطرة من طرف السلطة السياسية والأحزاب بشتى الطرق، لا تزال متواصلة إلى اليوم.

فالانتخابات التي شهدتها البلاد في أكتوبر 2011، وما أفرزته من صعود حركة النهضة صاحبه محاولات لضرب قطاع الإعلام والسيطرة عليه، حيث شهدت بداية عام 2012 تنفيذ إعتصام أمام مقر التلفزة الوطنية إستمر حوالي شهرين، أسماه منظموه  «اعتصام الأحرار لتطهير إعلام العار»، للمطالبة بـ «تطهير الإعلام من بقايا نظام بن علي ومن اليساريين»، وفق المعتصمين المحسوبين على حركة النهضة.

وقد وجهت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين آنذاك أصابع الاتهام للطفي زيتون، عضو حركة النهضة الاسلامية الحاكمة والمستشار السياسي لرئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، المكلف بقطاع الاعلام، بقيادة «حملة تحريض» ضد الصحافيين في تونس خاصة بعد تهديده بنشر «قائمات سوداء» للصحافيين الذين خدموا نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أو تورطوا في قضايا فساد خلال حكمه.

إضرابان عامان من أجل حرية الصحافة

كما عاش الصحفيون في تونس خلال تلك الفترة مضايقات تمظهرت أساسا في منع تغطية بعض الأحداث أو احتكار التمكين من المعلومة لمؤسسة دون أخرى وكذلك رفض التصريح لعدد منها، مما كان بمثابة بداية الحد من حرية التعبير، خاصة خلال سنة 2013 عندما بلغ مستوى الحد من الحريات درجة السجن، حيث تم سجن الصحفي زياد الهاني على خلفية التهمة الموجهة إليه، وهي نسب أمور غير قانونية لموظف عمومي متعلقة بوظيفته دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك، وكذلك التضييقات ضد الطاهر بن حسين مالك قناة الحوار التونسي في تلك الفترة.

وقد أدت كل تلك التضييقات على قطاع الإعلام في تونس، بطرق مختلفة، من طرف حركة النهضة بدرجة أساسية إلى تنفيذ إضرابين عامين خلال تولي نجيبة الحمروني رئاسة النقابة التونسية للصحفيين التونسيين، تم تنفيذ الأول في 17 أكتوبر 2012، فيما تم شن الاضراب العام الثاني في 17 سبتمبر 2013، سبقها بيوم تنفيذ مسيرة شارك فيها إعلاميون ومحامون ونقابيون انطلقت من أمام وزارة العدل التونسية في اتجاه قصر الحكومة بالقصبة آنذاك.

المرسومان 115 و116، مكسب حرية الصحافة

قبل تولي حكومة النهضة الحكم عقب انتخابات أكتوبر 2011، شهد قطاع الإعلام حدثا مفصليا آنذاك بإصدار الرئيس المؤقت فؤاد المبزع المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، وكذلك المرسوم عدد 116 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وتركيز الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في ماي 2013، التي كانت أهم إفرازاتها صياغة كراسات شروط، بتاريخ 5 مارس 2014، تتعلق بشروط الحصول على الإجازات بالنسبة الى الإذاعات والقنوات التلفزية الخاصة والجمعياتية.

كما صاحب تلك الفترة المصادقة على دستور البلاد الجديد من طرف المجلس الوطني التأسيسي في 26 جانفي 2014 الذي تضمن دسترة لحرية الرأي والتفكير والتعبير والصحافة والنشر والطباعة في الفصل 31، مانعا خضوعها لأيّ رقابة مسبقة.

تضييقات وتهديدات أمنية

إلا أن الشد والجذب بين الاحزاب السياسية تواصل، ليبقى قطاع الإعلام رهين محاولات التركيع من طرف تلك الاحزاب وجعل مؤسساته أبواقا لها، مما جعل القطاع يواصل العمل على الدفاع عن استقلاليته بكل الطرق المتاحة منها إقرار النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ليوم غضب وطني في 2 فيفري 2018.

حيث تم اللجوء إلى ذلك الإحتجاج المرفوق بحمل الشارة الحمراء والتجمع أمام نقابة الصحفيين، بعد سلسلة إيقافات وتضييقات أمنية على صحفيين تونسيين وأجانب بالإضافة إلى تهديدات بالإغتصاب نشرها عبر فيسبوك عضو نقابة أمنية اضافة الى تصريحات لوزير الداخلية آنذاك لطفي براهم أثارت مخاوف من وجود عمليات تنصت على هواتف الصحفيين.

مبادرة تنقيح المرسوم 116، محاولة للالتفاف على المكاسب

أحد أهم الاحداث التي عاشها الإعلام كذلك، هي محاولة تنقيح المرسوم 116 المنظم للقطاع السمعي البصري في اكتوبر 2020 من طرف أحزاب حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة صاحب المبادرة التي تنصّ على تعديلات تتعلّق بتركيبة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري الحالية وتجديدها وحذف صلاحية إسناد الإجازات التي تمنحها الهيئة لإحداث القنوات التلفزية، بالإضافة إلى إقرار مبدأ مجّرد التصريح بالوجود للوسيلة الإعلامية.

إلا انه، ورغم إدراج مقترح القانون لتنقيح المرسوم 116 لسنة 2011 في جدول أعمال جلسة عامة في 20 أكتوبر 2020 ودعمه من طرف كتل الائتلاف الحكومي آنذاك، لم يقع تمرير مقترح التنقيح بعد المعارضة الكبيرة التي جُوبه بها من طرف النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وبقية النقابات ومنظمات المجتمع المدني المعنية بقطاع الإعلام، وحتى غير المعنية به بصفة مباشرة، ليقع قبر مبادرة إئتلاف الكرامة بعد وقفة إحتجاجية نفذها الصحفيون أمام مجلس المستشارين آنذاك.

دفاعا عن استقلالية الإعلام العمومي

في 2 أفريل 2022، شنت وسائل الإعلام العمومية في تونس إضرابا عاما احتجاجا على طريقة إدارة الدولة لهذه المؤسسات، وقد شمل الإضراب التلفزة الوطنية والإذاعة الوطنية والإذاعات الجهوية العمومية ووكالة تونس أفريقيا للأنباء وصحيفتي لابراس والصحافة. ويأتي الإضراب احتجاجا على تعثر المفاوضات مع الحكومة بشأن تطبيق اتفاقات ممضاة تخص حل الأوضاع المهنية والاجتماعية للصحفيين وخلافات تشمل تسيير المؤسسات والخط التحريري للتلفزة الوطنية ومختلف وسائل الإعلام العمومي، وفق ما أكدته نقابة الصحفيين التونسيين التي دعت لتنفيذ الاضراب العام في قطاع الإعلام العمومي.

المرسوم 54، سيف مسلط على حرية التعبير

بعد إعلان الرئيس قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021، وإلغاء المؤسّسات الدستورية، وسن الحكم بالمراسيم، تراجعت مكتسبات تونس في مجال الحرّيات الصحافية والتعبير، بعد المحاكمات القضائية للصحافيين وكل من ينتقد السلطة وخاصة التنفيذية وما تأتيه، وكان آخرهم الصحفي زياد الهاني الذي صدر حكم قضائي يقضي بسجنه 6 أشهر مع تأجيل التنفيذ، بموجب المرسوم 54 الذي يُرى كسيف مسلّط على حرية الفكر والتعبير، وهو المتعلّق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال في سبتمبر 2022 الذي يتضمّن أحكاما زجرية وفضفاضة وعقوبات سالبة للحرية.

عودة إلى نقطة البداية

اليوم بعد 13 سنة على تاريخ الثورة،  اعتقد الجميع أنها نقطة بداية تحرر الإعلام والكلمة في تونس، يبدو أن المشهد يعود الى نقطة الصفر حيث تقلص عدد وسائل الاعلام بشكل كبير مما ألغى بصفة كبيرة مكسب التعددية الاعلامية الذي يعتبر من أهم مكاسب 14 جانفي 2011،

وخاصة في قطاع الصحافة المكتوبة كجرائد الصريح والتونسية والإعلان والحدث وأخبار الجمهورية والفجر والضمير وحقائق والصباح الأسبوعي، بالإضافة إلى عدد من وسائل الاعلام السمعي البصري مثل راديو «شمس أف أم» والذي تم غلقه نهائيا خلال الأيام التي سبقت مرور 13 سنة على تاريخ 14 جانفي.

كما لا يزال الصحفيان خليفة القاسمي وشذى حاج مبارك يقبعان في السجن، بالتوازي مع مواصلة تلقي عديد الصحفيين دعوات للتحقيق معهم في قضايا مختلفة التسمية لكنها تتمحور حول هدف واحد يتمثل في ترهيب الإعلام وتهديد كل من تسوّل له نفسه إنتقاد السلطة السياسية، مما دفع نقابة الصحفيين إلى الدخول في سلسلة من التحركات الإحتجاجية بالتزامن مع مرور 13 سنة على إعتقاد الجميع أن الاعلام قد تحرّر من كل قيود.

Skip to content