مقالات

الحرب على غزة، متى اليوم التالي؟

فطين حفصية
صحفي

دخل العدوان الصهيوني المفتوح على قطاع غزة منعرج المائة يوم الثانية، بعد أن خلف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ومئات الآلاف من النازحين وحول أحياء وشوارع ومؤسسات خدمية وصحية وتربوية وإدارية في القطاع إلى ركام، ولا جديد تحت شمس ما نقله كبار المسؤولين الصهاينة منذ تاريخ 7 أكتوبر 2023 من أن الرد الردعي الجارف سينهي حركة حماس ويقضي على بنيتها التحتية التنظيمية والعسكرية ويعيد الأسرى ويحول القطاع إلى مساحة آمنة بمشهد سياسي جديد سيتم طبخه تحت “نيران” نتيجة الحرب المحسومة مسبقا في العقل العسكري الصهيوني.

فالمشهد على الأرض هو نفسه بقصف جوي وبحري وبري متكرر وتجند إعلامي كامل لصالح “الحرب العادلة” وفق التوصيفات الصهيو-غربية وانتشار عسكري يحاول تعقب “أشباح” كتائب القسام الذين بنوا عالما تحت الأرض طيلة سنوات سابقة، مقابل تلقي القوة العسكرية الصهيونية المنتشرة في القطاع لضربات موجعة بشكل شبه يومي من قبل عناصر الفصائل الفلسطينية المقاومة، ووصول صواريخ حماس والجهاد، محلية الصنع، إلى المستوطنات والمدن والتجمعات السكانية ومواصلة صناع القرار السياسي والعسكري الصهيوني سياسة الوعيد والتعهد بتحقيق النصر مرحليا.

كل ذلك وسط حالة اللانجاعة الديبلوماسية للوصول إلى وقف تام لإطلاق النار رغم الجولات المكوكية التي تعقبها تصريحات “متأسفة لحمام الدم” لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن الذي ظل يحذر من انتشار الحرب دون أي ثقل حقيقي للبحث عن حل سياسي وسط ديبلوماسية المقايضة الجارية الآن أمريكيا، بل تحدث في جولته الجديدة عن بدء رسم مسار لإعادة إعمار غزة والتوصل إلى اتفاق إطار حول ذلك مع عدد من الدول العربية والإسلامية فاعلة (السعودية ومصر والأردن وتركيا) قبل أن تنتهي العمليات العسكرية أصلا.

إن هذا السير في خطين متباينين تجسد أساسا في رفض الإدارة الأمريكية مجددا لمشروع قرار دولي في مجلس الأمن يقضي بوقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزة والمضي في تقديم الضوء الأخضر لمتابعة العدوان على القطاع وتوفير الإسناد العسكري والمالي والسياسي إلى ما لانهاية ما يعني قناعتها إلى الآن بإعطاء “مزيد من الحظ ” للحل العسكري مقابل التوجه التفاوضي الذي يفتح باب مستقبل المنطقة.

فالإدارة الأمريكية أخذت موافقة مجلس النواب حول مشروع قانون لتقديم مساعدات تكميلية بمقدار 14 فاصل 3 مليار دولار أمريكي لتنضاف إلى المعونة العسكرية الاستثنائية البالغة 38 مليار دولار المقررة منذ أعوام في انتظار التحدي الأكبر وهو تبني مجلس الشيوخ لحزمة المساعدات الإضافية هذه. لكن الوقت بعد كل هذه الصك الأمريكي يتجه نحو مفعوله العكسي للحليفين وآلة الزمن لن تسمح بدوران رحى الحرب دون توقف وإن رغبا في ذلك، خصوصا للولايات المتحدة التي لا يمكن أن تتحمل إلى ما لانهاية الكارثة الإنسانية التي يعيشها أهل غزة لا سياسيا أو ماديا أو أخلاقيا في ظل ضغوط الشارع الاحتجاجي العالمي على المجازر المروعة في غزة والأوضاع الإنسانية الصعبة هناك.            

لم تأت إلى الآن ساعة وضع الحرب أوزارها بمنطق النضج واكتمال القرار السياسي لكن العقل الديبلوماسي الخلفي الأمريكي بدأ يستشعر ضرورة إنهاء “اللعبة” وأحدثه ما أدلى به الديبلوماسي المخضرم دينيس روس الذي يعرف المنطقة كرقعة الشطرنج وقاد جزء مفصليا مما عرف بمسار السلام أواسط التسعينات حين حذر في تصريح لصحيفة “المجلة” من خلق نموذج حزب الله في قطاع غزة وانفجار الضفة الغربية إن تواصل الحال على ما هو عليه وظلت العملية العسكرية الصهيونية عقيمة في نتائجها وحافظ عدد من صانعي السياسة اليمينيين المتطرفين من أمثال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أو المالية بتسلئيل سموتريش على مقولة أنه لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطين.

تصريح روس المؤثر في دوائر القرار الخارجي الأمريكي منذ حقبة كارتر نهاية بكلينتون ينضاف إلى تململ واضح وسط بعض أعضاء حكومة “الكابينيت” أو المجلس الحربي الصهيوني المصغر مفاده أنه “لا فحوى أو مستقبل لهذه الحرب”، وما تناقلته تقارير صحفية صهيونية من وصول علاقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي جو بايدن إلى القاع، يؤكدان أن الحديث عن اليوم التالي الذي يتهرب منه نتنياهو إلى حد الآن وأسلوب الترحيل الذي يتوخاه لن يستمر باعتبار أن رقعة الخلافات الداخلية والخارجية باتت تتوسع حول طريقة إدارة الحرب في غزة.

إن دخول هذه الحرب مرحلتها الثالثة دون تحقيق حل القوة لما تم تسطيره منذ إعلان الساعة صفر للهجوم الصهيوني سيجعل من الفاعلين الرئيسيين في الصراع على اختلاف موازين قواهم وطبيعة مصالحهم وتحالفاتهم أمام حتمية إيجاد صيغة مناسبة لإنهاء الحرب ولو كانت بإنقاذ الكيان الصهيوني من “أم الهزائم” على أرض غزة وحفظ ماء الوجه بإعادة من تبقى من الأسرى سالمين ولو على مراحل تفاوضية مضنية ليس بحل القوة هذه المرة بل تحت ضرورة قوة الحل.

Skip to content