مقالات

الأموال المنهوبة: التحقق من عدم وجود أي دولة نجحت في استعادة أموالها المصادرة

   المتدربة: روضة حمدي.   

تعتبر سويسرا منذ القدم الملاذ المناسب لأصحاب الأموال المشبوهة للعديد من رؤساء العالم خاصة في الأنظمة الشمولية، حيث أنها تعتبر من أكثر الدول دفاعا عن مبدأ السر البنكي وراعية له. بيد أنه خلال السنوات الأخيرة شهدت بعض الدول تغييرات على مستوى تشريعاتها على غرار الحكومة الكندية التي قامت بسن مشروع قانون في سنة 2011 و2016 يمنحها امتياز تجميد الممتلكات في البنوك التابعة لها بالنسبة للمتهربين أو الأموال المنهوبة. وجاءت هذه المعطيات في تقرير لSwissInfo التي قامت بعرض مقال عن سويسرا والأموال الغير شرعية لرؤساء العالم من الأنظمة الدكتاتورية.

في هذا الإطار، انضمت تونس إلى سلسلة الدول المطالبة بمصادرة الأموال المنهوبة في 2011 ومثل هذا الملف أحد أهم المواضيع السياسية التي لعبت دورا كبيرا في بلورة المشهد السياسي ومثل جزءا من الوعود الانتخابية لبعض المترشحين في الحملات الانتخابات. وقد بقيت تونس على مر 11 سنة في انتظار استعادة هذه الأملاك التي من شأنها حل بعض التعثرات والمشاكل الاقتصادية إلى أن تم رفع التجميد.

في هذا الصدد أيضا، مررت قناة التاسعة في برنامجها rendez-vous 9 مداخلة للكرونيكور خليفة بن سالم، جاء على لسانه فيها “هل تعتقد حقا أن الدول ترجع الأموال المصادرة للشعوب؟ في إشارة إلى أن تونس ليست البلد الوحيد الذي فشل في استرجاع أموال الخزينة المنهوبة”

 وقد تكرر هذا التعليق في مناسبتين الأولى بتاريخ 31 أكتوبر 2022 والثانية بتاريخ 02 نوفمبر 2022، لذلك قمنا بالتدقيق فيما جاء في تعليقه حول عدم وجود أي دولة نجحت في استعادة أموالها المصادرة وقد اتضح أن ما جاء في هذا التصريح زائف.

حاولنا في خطوة أولى التواصل مع صاحب المعلومة “خليفة بن سالم” والذي أصر في البداية على عدم وجود عملية إعادة فعلية للأموال والممتلكات المصادرة، أي أن ما جاء على لسانه خلال الحصة هو محاولة لتمرير رسالة مفادها أن الدول التي تستعيد أموالها المصادرة قليلة ونادرة الحدوث على مر التاريخ، وحتى وإن كانت هناك أمثلة فهي حالات شاذة تحيد على السائد والمألوف.

ولمزيد التدقيق كذلك، قمنا بالبحث في تقرير مجموعة البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الذي جاء فيه دراسة بعنوان “الإدارة الفعالة للأصول المضبوطة والمصادرة والتصرف فيها”. حيث قاموا بعرض تجربة 64 دولة في إدارة الأموال المصادرة وكيفية التصرف فيها منذ 2017 حتى اليوم.

وبحسب ذات التقرير، في عام 2003، بعد تحقيق جنائي أجرته وزارة العدل في الولايات المتحدة، وجه المدعون اتهامات بانتهاك قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة (FCPA) بالاحتيال عبر الإنترنت، وغسيل الأموال ضد المواطنين الأمريكيين لدفعهم رشاوي للمسؤولين الكازاخستانيين مقابل الحصول على حقوق التنقيب عن النفط في كازاخستان. 

فوافقت حكومات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السويسري وجمهورية كازاخستان على إبرام اتفاق فيما يتعلق بالأموال المعنية. كما رفعت الولايات المتحدة الأمريكية دعوى مدنية في المحكمة المحلية للمنطقة الجنوبية لنيويورك، طالبة مصادرة الأموال إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تم فعلا الاتفاق على الإفراج عن الأموال المصادرة واستغلت في إنشاء وتنفيذ ثلاثة برامج من بين «برنامج BOTA».

وقد نشرت أيضا منظمة الشفافية الدولية، تقريرا حول التطورات الإيجابية لمآل الأموال المصادرة بتاريخ 11 أكتوبر 2022، حيث عرضت موضوع التسوية مع بنك Credit Suisse السويسري بشأن قضية «الديون الخفية».

وقد ذكر تقرير المنظمة، أنه بالإضافة إلى هذه التسوية، قام بنك Credit Suisse بتسديد الديون المستحقة على موزمبيق البالغ 200 مليون دولار أمريكي. رغم أن الأضرار التي لحقت بشعب موزامبيق قدرت بمبلغ 11 بليون دولار من دولارات الولايات المتحدة.

وجاء في ذات التقرير أيضا، أن السلطات السويسرية وقعت اتفاقية تعويض مع أوزبكستان لإعادة 130 مليون دولار أمريكي مصادرة في إجراءات جنائية ضد جولنارا كريموفا – ابنة الرئيس السابق. وقد ذكر ذات التقرير أن الأموال المصادرة ستخصص للاستخدام لصالح شعب أوزبكستان مع ضرورة توفر شروط الشفافية وإنشاء آلية للرصد. 

إضافة إلى ما تم عرضه من تقارير، استندنا أيضا على تقرير آخر لمجموعة العمل المالي الصادر في شهر فيفري 2022 بعنوان “مكافحة غسيل الأموال والإرهاب وتدابير التمويل” حول فرنسا. ذكرت فيه تنفذ فرنسا خلال هذه السنة أول طلب للمساعدة المتبادلة (تسليم المعلومات) ورد في عام 2011 بشأن سياسي روسي سابق مطلوب من قبل السلطات الروسية لاختلاس الأموال العامة. كما قامت أيضا بتنفيذ طلبا ثانيا لمصادرة فندقين تم استلامهما في 2013.  

بحسب تقرير مجموعة العمل المالي، تم تنفيذ هذه القرارات أخيرًا في عام 2017، حيث قدم التحقيق الفرنسي (الذي أجراه المكتب الإقليمي لغرب أفريقيا) للسلطات الروسية معلومات عن وجود أملاك جديدة في شأن المطلوب من السلطات. كما تم السماح بمصادرة جميع العقارات وجميع هذه الأصول.

ولكن أيضا لتكون القراءة سليمة في هذا الصدد، بين من تمكنوا من استعادة أموالهم المصادرة فعليا ومن انتهت مهلة الاسترجاع وتمت إعادة الأموال لأصحابها، يمكننا تقديم أمثلة عن الرئيس الأسبق لمصر حسني مبارك سنة 2011 والتي بلغت قيمة الأموال المصادرة 700 مليون دولار وكذلك أملاك رئيس الكونغو Mobutu Sese Seko في 1997 لكنها للأسف عادت للورثة في عام 2009.

وبعد الاطلاع على كافة المعطيات نؤكد أن ما جاء في تصريح خليفة بن سالم زائف لأن التقارير تبين جليا أن هناك دولا تمكنت من استعادة أموالها المصادرة.

أنجز هذا المقال ضمن مشروع الاستفسار الرقمي الذي انجز بين منظمة صحفيون بلا حدود ومعهد الصحافة وعلوم الإخبار وبدعم من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي الذي انطلق من أكتوبر 2022 وإلى غاية ديسمبر من نفس السنة وشمل عددا من دورات التدريب حول التحري من الاخبار عبر الاستفسار الرقمي Digital Enquirer Kit عبر انتاج عدد من المقالات والفقرات الإذاعية من قبل طلبة المعهد المشاركين في هذا المشروع.

Skip to content