مقالات

التعذيب والعنف المؤسساتي في تونس: خطابات الرئيس تغذيها والإفلات من العقاب سبب تواصلها..

مجدي الورفلي
صحفي

بالتزامن مع إحياء اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، كشفت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، عن تقرير أحصت من خلاله حالات التعذيب بمختلف أصنافه في ظل “الصلاحيات الاستثنائية التي منحها الرئيس قيس لنفسه”، خاصة تلك التي تتيح له التدخل في الجهاز القضائي المفترض أن يكون الحائل أمام تحول التعذيب إلى سياسة ممنهجة خارج دائرة المحاسبة، حسب تقرير المنظمة.

وتعتبر المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب أنه رغم مصادقة تونس على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب سنة 1988، ومرور 35 عاما على ذلك التاريخ لا يزال التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان إحدى أهم سمات تعامل السلطات الرسمية في تونس مع مواطنيها خاصة في ظل وضع “سياسي مقلق يتسم بتصاعد العنف المؤسسي والإفلات من العقاب”، وفق ما ورد في التقرير المتعلق بـ “التعذيب وسوء المعاملة في تونس لسنتي 2022 و2023”.

حيث قالت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، في تقريرها، إن التهديدات التي تواجه مكتسبات الشعب التونسي وحقه في التمتع بالحريات الجماعية والفردية تتزايد باستمرار، كما تتصاعد الاحكام بالإعدام بنسق حثيث يعكس موقف رئيس الجمهورية المساند لتفعيل تنفيذ الاعدام، بالإضافة إلى ما يميز الخطابات الرئاسية من دعوات واضحة إلى تقسيم الشعب التونسي بين مؤيدي السلطة بـ “وصفهم أناسا وطنيين وباقي المواطنين الذين لا يشاركون نفس الرأي بوصفهم أعداء للوطن”.

إذ أكدت المنظمة الحقوقية من خلال تقريرها أن اتفاقية مناهضة التعذيب واضحة ومطلقة ولا يمكن التذرع بأي ظروف استثنائية مهما كانت سواء كانت حالة حرب أو تهديد بالحرب، أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أي حالة استثنائية أخرى لتبرير التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة القاسية والمهيئة والمعاملة اللاإنسانية، كما ورد في تقرير “التعذيب وسوء المعاملة في تونس لسنتي 2022 و2023”.

بث الخوف والعنف المؤسساتي

اليوم، في ظل التذرع بالحالة الاستثنائية وفي مقابل وضوح اتفاقية مناهضة التعذيب، يتم استهداف المعارضين السياسيين والصحفيين والقضاة والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمهاجرين وأعضاء “مجتمع الميم ع” وغيرهم من الأقليات من قبل السلطة التنفيذية بصفة عامة والجهاز الأمني بصفة خاصة، وفق ما ورد في تقرير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب حول “التعذيب وسوء المعاملة في تونس لسنتي 2022 و2023”.

لتخلص المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب أن كلمات رئيس الجمهورية قيس سعيد اقترنت بأفعال، ورافقت خطاباته موجات من الاعتقالات والمحاكمات والإدانات غالبًا ما تهدف إلى فرض الرقابة على حرية الفكر والتعبير، واستبعاد مجموعات بأكملها من الفضاء العام، كالمهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، كما ان خطابات الرئيس تغذي القوة المطلقة لقوات الأمن والعنف المؤسساتي الذي يختار أهدافه بدقة إضافة إلى استهداف المواطنين التعذيب وسوء المعاملة الذي أصبح أمرا شائعا بهدف بث الرعب والخوف، وفق ما ورد في التقرير.

القضاء مستهدف

تقرير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب تضمن حديثا عن التهديدات التي تواجه السلطة القضائية، حيث قالت المنظمة أن السلطة القضائية “مستهدفة اليوم بهجمات على غاية من الخطورة وتواجه صعوبات جمة تحول دون القيام بدورها في التصدي لانحرافات السلطة التنفيذية”. 

وما يعزز خطورة التهديدات التي تواجه السلطة القضائية، في تقدير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، هو الاختلال الصارخ في التوازن بين السلط، و”تعزيز الإفلات من العقاب لقوته على حساب دولة القانون التي كابدت من أجل البروز خلال السنوات الأخيرة لتهوي من جديد”، وفق ما أوردته المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تقريرها الذي كشفت عنه بالتزامن مع إحياء اليوم العالمية لمساندة ضحايا التعذيب.

ولم تخفي المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، مخاوفها وتوجسها لما اعتبرته “هجمات متكررة” على السلطة القضائية من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وحله للمجلس الأعلى للقضاء في 12 فيفري 2022، منتقدة “الصلاحيات الاستثنائية” التي قالت إن سعيّد منحها لنفسه، والمتمثلة خصوصا في التدخل في الجهاز القضائي وإعفاء عدد من القضاة.

إحصائيات حالات التعذيب

تقرير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، الذي تضمن كذلك أرقاما وإحصائيات متعلقة بحالات التعذيب في تونس، حيث كشفت المنظمة من نتائج جردها لحوادث التعذيب وسوء المعاملة في تونس لسنتي 2022 و2023، أنها سجلت 187 حالة تعذيب جديدة منذ بداية 2022 الى موفى ماي 2023، طالت 89 بالمائة منها الذكور، فيما تعرضت الإناث ل11 بالمائة من حالات التعذيب التي رصدتها.

كما أظهر التقرير أن 60 بالمائة من ضحايا التعذيب وسوء المعاملة هم من فئة الشباب أساسا، أي من الشريحة العمرية المتراوحة بين 18 و35 سنة، فيما توزعت حالات التعذيب جغرافيا على كل من تونس الكبرى ب27 بالمائة من جملة حالات التعذيب التي تم تسجيلها، تليها ولايات الشمال الغربي ب24 بالمائة، ومن ثم ولاية صفاقس ب18 بالمائة من جملة ال187 حالة تعذيب التي سجلتها المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.

كما ورد في التقرير، أن أنواع التعذيب في تونس تشمل الوفيات المسترابة في مراكز الاحتجاز، والتي تمثل 8 بالمائة من الحالات المسجلة، تليها سوء المعاملة الإدارية والتي تمثل 49 بالمائة، يليها التعذيب والمعاملة السيئة من قبل الأمن والتي تمثل 18 بالمائة من حالات التعذيب وسوء المعاملة خلال الفترة التي شملها التقرير.

“سند” للضحايا

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، وبالإضافة إلى تقريرها، سلطت الضوء خلال ندوة صحفية عقدتها على برنامج لمرافقة ومساندة ضحايا العذيب، والذي أطلقت عليه تسمية “برنامج سند” للمساعدة المباشرة لضحايا التعذيب وسوء المعاملة بتونس.

وكشفت أن 932 شخصا في تونس استفادوا منه منذ إطلاقه في سنة 2013، من بينهم 577 ضحية تعرضت للتعذيب الجسدي وسوء المعاملة في مراكز الإيقاف بمختلف المناطق في البلاد.

وفي تصريح لـ”الجريدة المدنية”، ترى مديرة “برنامج سند” نجلاء الطالبي، أن حالات التعذيب والأرقام المرتفعة تدفع للاعتقاد بضرورة الضغط أكثر والتحرك بوتيرة أقوى للخروج من دائرة الإفلات من العقاب الذي يمثل السبب الرئيسي لتواصل التعذيب وسوء المعاملة في تونس، وأكدت أن إسقاط قضايا التعذيب بالتقادم يجب أن ينتهي.

كما تحدث نجلاء الطالبي في إفادتها لـ “الجريدة المدنية” عن الصعوبات والعراقيل التي يواجهها برنامج “سند”، خاصة في علاقتها مع أجهزة الدولة المتمثلة أساسا في الهيئة العامة للسجون والإصلاح، ووزارة الداخلية ووزارة العدل بعد 25 جويلية 2021، ووسياسة رئيس الجمهورية بقطع كل قنوات الشراكة والحوار مع الجمعيات التي تعني بالدفاع عن حقوق الانسان، وفق قولها.

Skip to content