لم ينفكّ رئيس الجمهورية قيس سعيد، متى أتيحت له الفرصة، عن تكرار عبارة “يتحدثون عن حرية القلم، فهل تم حجب صحيفة واحدة أو منع برنامج واحد أو ملاحقة أي صحفي من أجل عمل يتعلّق بالصحافة، بل أكاذيب وأراجيف يروّجونها.. الحريات مضمونة في تونس وغير مهددة”. تصريحات رسمية مخالفة للواقع دفعتني إلى خيار التوجّه بوقائع إلى رئيس الجمهورية عن “حرية الإعلام المهددة فعلا في تونس” علّه يقرأ هذا المقال هو ومن يقاسمه الفكرة، علّهم يراجعون أفكارهم أو مواقفهم.
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم حوكم صحفي تونسي بالسجن لمدة 5 سنوات بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب لمجردّ أنه قام بنشر خبر صحفي صحيح عن نجاح عملية أمنية في القيروان، وهو الحكم الأقسى في تاريخ الصحافة في تونس والذي بمقتضاه تم تحويل الزميل خليفة القاسمي من “صحفي” إلى “إرهابي” وتم تحويل الصحافة إلى جريمة.
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم تهرسل صحفية تونسية من السلطة وبالتحديد من وزير الشؤون الدينية وتجد نفسها مدعوة للتحقيق أمام فرقة مكافحة الإجرام بالقرجاني لأربع مرات على التوالي تقريبا لمجردّ أنها قامت بكتابة مقال رصدت فيه بالأدلة جملة من الإخلالات والتجاوزات في بعثة الإرشاد إلى البقاع المقدسة،
ليتحولّ التحقيق معها حول تدوينات في صفحتها بالفايسبوك بل وصل الأمر إلى التحقيق معها عن تفاعلها مع تدوينة فايسبوكية لزميلة أخرى. فهل تم مثلا فتح تحقيق في مضمون مقال الزميلة منية العرفاوي أو التفاعل معه رسميا؟ طبعا هذا لم يحدث، بل تم الاكتفاء بالتعامل مع الزميلة كأنها “مجرمة”؟
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم تم التحقيق مع صحفي تونسي لم ينتصر سوى لحقّ مواطن تونسي مقيم بالخارج افتكّت سيارته X6 المحجوزة لدى الديوانة التونسية منه وتم وضعها تحت تصرف وزير الشؤون الدينية، ليتمّ بعد تناول الزميل محمد بوغلاب لهذا الموضوع إعادة السيارة المعنية إلى أحد مستودعات الحجز الديواني بمقتضى قرار قضائي. لكن، هل تمت مساءلة وزير الشؤون الدينية أو من قام بوضع السيارة المحجوزة تحت تصرفه؟ لا نعلم! ولكن ما نعلمه هو أنه تم رفع شكاية ضد الزميل محمد بوغلاب من طرف وزير الشؤون الدينية، وامتدّت الشكاية للزميل أمين الضبايبي بخصوص نفس الموضوع.
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم أحيل صحفي للتحقيق أمام فرقة مكافحة الإجرام بالقرجاني لمجرد كتابته مقالا تحليليا حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وطريقة إدارة رئيسة الحكومة نجلاء بودن للوضع، وذلك على إثر شكاية جزائية تقدمت بها وزيرة العدل ضد كاتب المقال الصحفي نزار بهلول.
السيد رئيس الجمهورية في عهدكم أيضا، مثل صحفيان تونسيان هما الزميلان الياس الغربي وهيثم المكي على التحقيق أمام فرقة مكافحة الإجرام بالقرجاني أيضا، لمجردّ تناولهما في البرنامج الإذاعي “ميدي شو” الأداء الأمني وعودتهما على موضوع الانتدابات في وزارة الداخلية والتي أسالت الكثير من حبر الصحفيين منذ فترة حكم الترويكا.
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم باتت كلمة الصحفيين مكبلّة ومهددة، فاليوم يوجد حوالي 20 صحفيا محالا في قضايا مختلفة استنادا إلى مختلف القوانين الزجرية المعادية لحرية الصحافة، بتأكيد من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والمثير للاهتمام أنه لم يتم الاستناد إلى القانون المنظم للمهنة، فعن أي حرية صحافة مضمونة نتحدّث؟
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم بل من قبلكم صدر المرسوم 54 المعادي لحرية الصحافة والتعبير والذي ينص على عقوبة سالبة للحرية ضد الصحفيين أنفسهم.
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم لم يتحرّر بعد الإعلام المصادر، الذي يخضع تحت إشراف الدولة من القيود التي وضعها من سبقوك، بل على العكس زاد الوضع تدهورا. في عهدكم، توقفت مؤسسة كاكتوس برود عن النشاط وأحيل حوالي 150 عاملا فيها على البطالة القسرية. والخوف كل الخوف من أن يتكرر سيناريو كاكتوس في إذاعة شمس اف ام المصادرة والتي تملك فيها الدولة حوالي 90 بالمائة من الأسهم. إن إذاعة شمس اف ام التي سبق وتعهدتهم، عبر مصدر مأذون من رئاسة الجمهورية لوكالة الأنباء الرسمية،
بتسوية الأوضاع في إطار الاحترام الكامل للقانون سواء بالنسبة إلى المؤسسة أو العاملين فيها لازالت في وضع ضبابي ولازال العاملون فيها للشهر الثالث على التوالي محرومين من أجورهم، هذا دون الحديث عن بقية المستحقات.
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم زادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين التونسيين تدهورا وسط تنصل تام للدولة من مسؤولياتها. فأبناء كاكتوس برود لازالوا ينتظرون إنصاف القضاء لهم ومنحهم مستحقاتهم بعدما وجدوا أنفسهم دون شغل. أحيطكم علما، سيد الرئيس أيضا أن العاملين في مؤسسة دار الصباح المصادرة يعانون كل شهر للحصول على أجورهم هذا إضافة إلى الوضع المتردي في مؤسسة سنيب لابراس العريقة وغيرها من المؤسسات الإعلامية. فعن أية ضمانات للكلمة الحرة يمكن أن نتحدث والبطون خاوية؟ عن أي حرية إعلام نتحدث والحقوق الاقتصادية والاجتماعية منتهكة؟
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم طال أمد أبواب الحوار الموصدة مع هياكل المهنة وعلى رأسها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.
السيد رئيس الجمهورية، وأخاطب فيكم أيضا صفة أستاذ القانون. منذ انتخابكم، علّقت وزملائي الأمل فيكم لتطبيق القانون والحرص على إنصاف الصحفيين خاصة العاملين في القطاع الخاص ونشر الاتفاقية الإطارية المشتركة في الرائد الرسمي، ولكن هذا لم يحدث. علّقنا الأمل خلال نقاشاتنا عليكم علّكم تمتثلون لقرار الدائرة التعقيبية الرابعة بالمحكمة الإدارية القاضي برفض قبول الطعن المقدم من طرف المكلف العام بنزاعات الدولة في حق رئاسة الحكومة والقاضي بتثبيت الحكم الابتدائي والاستئنافي وبالتالي النشر الفوري للنص الكامل للاتفاقية في الرائد الرسمي احتراما للأحكام القضائية وتكريسا لدولة القانون. ولكن خيّبتم آمالنا وللأسف، ولم يحدث ذلك ولازال بعض أرباب العمل يحاجّون الصحفيين بغياب نص قانوني ينظم المهنة وبالتالي أصبحوا يمنحون لأنفسهم أحقية أو مشروعية انتهاك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية بمباركة “غير مباشرة” من قبلكم.
السيد رئيس الجمهورية، مرّة أخرى يؤسفني إعلامكم أو ربما تذكيركم بأن حرية الإعلام فعلا في خطر وحرية الإعلام مهددة. ففي عهدكم أيضا، أغلقت أبواب قرطاج والقصبة في وجه الصحفيين. فمنذ انتخابكم، لم تتسنى لنا كصحفيين فرصة سؤالكم في ندوة صحفية مباشرة منظمة من قبلكم. وفي عهدكم أيضا، صمتت رئاستا الجمهورية والحكومة ولم يحدث في أي دولة ديمقراطية أن لا نجد فيها من يتواصل مع الصحفيين يتحدث باسم مؤسسة سيادية.
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم تم التضييق على المعلومة ولم يصبح متاحا لنا كصحفيين استجواب الوزراء أو المسؤولين. لقد تم انتهاك حقنا وبالتالي حق المواطن في النفاذ إلى المعلومة. السيد رئيس الجمهورية، لكم الحق في ممارسة الاتصال أو الدعاية كما شئتم وتشاؤون ولكن لنا الحق أيضا في ممارسة الصحافة ومن واجبكم توفير الضمانات الكافية لإرساء صحافة حرة.
السيد رئيس الجمهورية، في عهدكم يتم إقصاء كل صوت معارض لكم من التلفزة العمومية وباتت تعكس التوجه الواحد وتم بذلك تحطيم حلم جيل من الصحفيين ناضل من أجل إعلام عمومي ينير الرأي العام ويكون منبرا تعدديا لا اقصائيا يخدم مصلحة الجمهور ولا مصلحة “صاحب السلطة”، وعدنا إلى مرحلة ما قبل الثورة.
السيد رئيس الجمهورية، يهمني التأكيد أن الصحافة التونسية لم تكن في زمن وردي في الحكومات السابقة بل على العكس خضنا معارك متعددة لعل بداياتها كانت في فترة الترويكا عندما خاض صحفيو دار الصباح معركة “تحرير الإعلام” عبر سلسلة من التحركات الاحتجاجية المتنوعة والتي وصلت إلى إضراب جوع لمجموعة من الصحفيين والصحفيات رفضا لتعيين شخص محسوب على حركة النهضة على رأس المؤسسة، وكنت ممن خاضوا إضراب الجوع. ولذلك يؤسفني ومجموعة من زملائي حال الصحافة اليوم رغم وعينا التام بأنها غير مثالية وأنه توجد عديد الخروقات ولكن النهوض بالقطاع وتقديم مضمون إعلامي ذو جودة لا يكون عبر تكميم الأفواه وحجب المعلومة وترهيب الصحفيين وهرسلتهم عبر تشريعات وضعت للغرض وعبر تحويل فرقة القرجاني إلى فرقة “مختصة” في بحث الصحفيين.
السيد رئيس الجمهورية، إن حرية الصحافة والتعبير ليست مجرد شعارات أو خطابات رسمية وإنما فعل وممارسة. لقد باتت الصحافة التونسية تحتضر وأنا كصحفية تونسية امتهنت الصحافة خيارا ومارستها في بلدي تونس قرارا، أقرّ أني لست بصدد الترويج لأكاذيب وأراجيف عن المخاطر التي تواجهها الصحافة التونسية بل رويت إليكم بعض الوقائع التي ربما لم تنتبهوا للبعض منها أو تغافلتم عنها ولكن واقع الصحافة في تونس أصبح لا يطاق وحرية الصحافة غير مضمونة ومهددة. فماذا أنتم فاعلون والصحفيون التونسيون يعانون؟