مقالات

بعد المصادقة على قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هل وَضعُ القطاع في المسار الصحيح !!

عبد الكريم الشابي

صادق مجلس نواب الشعب في 17 جوان 2020 على مشروع قانون يهدف الى تنظيم ودعم قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. هذا القطاع وكما سبق واشرنا لا يمثل فقط مجرد تلوينة جديدة بل هو ضرورة حياتية على أكثر من صعيد من أجل الدفع بفئات هامة من المجتمع إلى الانخراط في منظومة اقتصادية مهيكلة، داعمة للتجديد والابداع ولأولوية القيمة التضامنية والاجتماعية على القيمة النقدية والربحية، حاملة لمبدئ الانسان في مركز العملية الاقتصادية التي تنطلق منه لتعود اليه.

لذلك تعد المصادقة على القانون في حد ذاتها انجازا في ظل هذه الظروف، خاصة وأن القانون مر بمراحل عدة منذ تقديم الاتحاد العام التونسي للشغل للمسودة الأولى لمشروعه مرورا بعديد الندوات وورشات العمل والجدال مع أكثر من وزارة حول أولويات القطاع. وتجدر الاشارة كذلك أنه تمت المصادقة على القانون في ظل حكومة ألغت خطة الوزير المكلف بملف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي أحدثته الحكومة السابقة وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول جدية المضي قدما في تركيز الاطار القانوني الضروري من أجل نجاح القطاع في لعب دوره كاملا. ما هي نوايا الحكومة في استكمال البناء القانوي لتنظيم القطاع؟ هل تدرك الحكومة أن تنظيم هذا القطاع الحيوي يتطلب مزيدا من الالتزام تجاه الفاعلين وأقل ارتجالية وأقل ارتباكا؟

ليس لنا أن نجيب على كل ما سبق لأن الارتباك، ربما هو ناجم عن قصور في استيعاب كل التضحيات والجهد الذي بذل من أجل تحقيق هذه النقلة، وأن المسار الزاخر الذي انطلق مع محمد علي الحامي وتركيز التعاونيات والذي لم ينته بمحاولة الحزب الاشتراكي الدستوري تدجين التعاضديات عبر ضرب مبدئ التسيير الديمقراطي. ربما لم تنتبه الحكومة لأن هذا القطاع مر بسيرورة نضالية مناهضة للاقتصاد الريعي ومدافعة عن العدالة التوزيعية وأن أي أمل للنهوض بالاقتصاد التونسي يمر حتما عبر دعم نموذج اقتصادي اجتماعي وديموقراطي. ربما لم تنتبه الحكومة لكل هذا لما عليها من ضغط ناجم عن الملفات التي تحاول حشرها تحت السجادة وهي ملفات شبهات تضارب مصالح أو كما يحلو للمناوئين القول بأنها قد ترقى إلى شبهات فساد واستغلال للنفوذ في تكريس الريع.

لم يتمثل الارتباك الوحيد في تقديم قانون لا تبدو الحكومة مستعدة له، بل إن القانون بحد ذاته، على جديته، قد يتطلب تعديلات لكي يستجيب لمقتضيات الواقع حسب الخبير القانوني في هذا المجال، الدكتور اكرم بالحاج رحومة، وهو أحد أهم الخبراء في هذا المجال والذي تمت استشارته على حد السواء من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل ومن طرف رئاسة الحكومة والبرلمان والمنظمات الغير حكومية الداعمة لهذا المسار. بالرغم من عديد الاستشارات التي قدمها ابان اعداد القانون وقبل تقديمه، ويرى الدكتور أكرم بالحاج رحومة عددا من الاخلالات لخصها في سبع نقاط يمكن الاطلاع عليها عبر صفحته في احدى وسائل التواصل الاجتماعي. من اخطر هذه الاخلالات ما يتعلق باشتراط الحصول على علامة مؤسسة اقتصاد اجتماعي وتضامني والزام مؤسسات تعتبر اللبنة الأولى لهذا القطاع، نظرا لطبيعتها ولقوانينها الأساسية، مثل التعاضديات والشركات التعاونية ومجامع التنمية في مجال الفلاحة والصيد البحري. الزام هذه المئسسات على حد السواء مع الشركات التجارية ذات الغاية الربحية بالسعي الى الحصول على نفس العلامة يعني مساسا من القطاع وليس دعما له على الاطلاق.

لذلك وجب علينا التذكير بأن هذا المسار الطويل والمتشعب الذي أفضى إلى اقرار القانون إنما هو مسار نضالي شاركت فيه عديد الجهات وطالما مثل الاتحاد العام التونسي للشغل رافعته الأولى والأساسية. فالقانون ليس منة من أحد بهذا المنظور وعلى الفاعلين في هذا المجال والمختصين والخبراء مواصلة العمل على ايجاد الصيغة الأمثل للدفع قدما بمسار تأطير القطاع دون الاضرار به. نحن نعتقد أن الفاعلين الاقتصاديين في هذا المجال وبالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني الحريصة على هذا الانجاز والمنحازة الى المنتجين والمبدعين وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، لن يفرطوا في هذا المكسب ولن يفوتوا فرصة استكمال هذا المسار إلى غاية تحقيق الاطار المناسب لازدهار قطاع اقتصادي قادر على تخفيف تبعات النهج الليبرالي الاستهلاكي الذي حشرت فيه تونس.

Skip to content