مقالات

بوليفيا: انتصار الجنوب العالمي على الاستكبار الامبراطوري

العدالة التوزيعية والتمسك بالديمقراطية كوسيلة للمقاومة الشعبية

عبد الكريم الشابي

عاشت جمهورية بوليفيا على وقع حدثيين على غاية من الأهمية في خلال سنة واحدة، فمنذ نوفمبر 2019 حيث استيقظ البوليفيون على وقع انقلاب ناعم من فصيلة “ربيع بوليفي” تم من خلال اختلاق مظاهرات مناهضة للعملية الانتخابية الجارية واتهام الرئيس ايفو موراليس وحزبه الحركة من أجل الاشتراكية، بالفساد وسوء التصرف في موارد الدولة وتزوير الانتخابات. على إثر هاته المزاعم تحركت جوقة عالمية لمطالبة الرئيس المنتخب بالتخلي عن السلطة فيما يذكرنا بمأساة ليست بعيدة العهد في دول عربية تكاد اليوم تكون دولا فاشلة.

على إثر أعمال الشغب ومحاولة اغتيال الرئيس اضطر الأخير الى الاستقالة واللجوء الى المكسيك ومن ثمة الى الأرجنتين. وفي أكتوبر 2020 تعيد الصناديق تصويب ما اقترف الانقلابيون اليمينيون حلفاء الامبراطورية الذين سارعوا لقطع العلاقات ببلدان مثل فنزويلا وكوبا وإيران واعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني في خطوة دبلوماسية تترجم حقيقة الهدف من الانقلاب.

بعد التمسك الشعبي بتنظيم الانتخابات وافشال مناورات السلطة اليمينية المسقطة لمحاولة التأجيل والتعطيل، اختار البوليفيون اعادة انتخاب الحركة من أجل الاشتراكية بنسبة 55.6 بالمائة عوضا عن 52 بالمائة في نتائج الانتخابات السابقة الملغاة.

 

ما الذي جعل هذه الجمهورية الجنوبية تقارع الامبراطورية وأدواتها في المنطقة وفي العالم؟

الجواب يكمن في ثنائية قوية، ايمان الجماهير بإمكانية التغيير عبر الوسائل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

بالعودة لفترة حكم ايفو موراليس والحركة من أجل الاشتراكية الممتدة الى 13 سنة، يجب التذكير بالقفزة المسجلة في مجال التنمية وادماج المجتمعات المحلية والعدالة التوزيعية. بالإضافة الى ابتكار نموذج تنموي محلي يعتد به حتى من طرف المناوئين مثل البنك الدولي وعلى سبيل الذكر فإن الرئيس المنتخب حديثا لويس أرتشي ليس إلا وزير الاقتصاد في حكومة موراليس ومهندس هذه القفزة التمنوية.

أما العنصر الثاني فنجده في الاسم الكامل لهذه الجمهورية “دولة بوليفا المتعددة القوميات”. هذا الاعتراف بالتعددية الثقافية والقومية جاء به دستور 2009 في دولة كان السكان الأصليون فيها هم الأكثر فقرا من أمثالهم الجنوبيين بالرغم من أنهم يمثلون الأغلبية ب40 بالمائة من نسبة السكان. أن يك

ون موراليس أحد أبناء السكان الاصليين ربما قد ساعده على المضي قدما في الاصلاحات عبر تأميم الثروات والالتزام بالاعتراف بالتنوع الثقافي والتركيز على العدالة التوزيعية وفي مقدمتها الصحة والتعليم. هذا ما دفع هذه الشعوب الى التنظم في نقابات والانخراط في الحياة السياسية. بالرغم من أن بعض المستفيدين أداروا ظهرهم لمسار التغيير في بداية الانقلاب الا أنهم سرعان ما استدركوا بأن لمسوا خطر انهيار النموذج والعودة الى مربع اللبرالية والأزمات المتتالية (2000-2005) والاقتراض من صندوق النقد الدولي بالرغم من بحار الموارد الطبيعية التي تجري تحت الأرض البوليفية.

مثل هذه الموارد النادرة نجد أكبر مخزون في العالم من مادة الليتيوم المعروفة في الاستخدامات التكنولوجية، فهي المادة الأكثر حفاظا على الطاقة وتستخدم في صناعة البطاريات، بطاريات الحواسيب، الهواتف الذكية وخاصة السيارات الكهربائية  « النظيفة » والتي سيبلغ عددها حوالي 260 مليون سيارة ببلوغ 2040 حسب التقديرات. بالفعل يمكن أن نقول بأن هذا المعدن الذي تتمتع بوليفيا بالمخزون الأعلى منه عالميا هو بديل البترول. مما يقودنا للحديث عن ايلون موسك، الملياردير الجنوب افريقي الشهير صاحب شركة تيسلا المنتج الأول لهته السيارات، عندما سجلت أسهم شركته ارتفاعا مفاجئا تزامنا مع الانقلاب في بوليفيا، وعلى اثر انتقادات وجهت لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية على اساس أنها تنفذ انقلابا من أجل مصالح الشركة المتعددة الجنسيات أجاب الرجل الثري “سوف ننقلب على كل من نريد، عليكم التعود على ذلك” في تغريدة من أكثر التغريدات تحديا.

في المحصلة، أردت الحديث عن تجربة بوليفيا، الدولة الفقيرة، دولة التنوع الثقافي، جمهورية من جمهوريات الجنوب العالمي المقارع للنظرة الأحادية الكلبية للامبراطورية تجاه مصائر البشر على الأرض. قلت أنني أردت الاضاءة على هذه الأحداث لسببين الأول أنني شاهدت شبه “احتفال” بإسقاط موراليس في 201 عبر احدى الفضائيات التونسية ولم ار اي تحليل حول تصحيح هذا الوضع في 2020. اما السبب الثاني فهو للتفكر، لسنا أفقر من بوليفيا ولسنا بنفس التعدد العرقي والمذهبي ولسنا أمام معضلة “الحديقة الخلفية للامبراطورية” ما الذي يمنعنا اذا من أن نأمن بالعدالة التوزيعية وأن نأمن للشعب ديمقراطية لا تطيح بها انقلابات.

Skip to content