مقالات

ترحيل المهاجرين التونسيين من الفضاء الأوروبي: صمت رسمي تونسي يقابله تضارب في المصادر الأوروربية

خولة السليتي
صحفية

“إن ظروف ترحيل التونسيين من إيطاليا تعيسة جدا على جميع المستويات، لقد وصل الأمر بالسلطات الإيطالية إلى  تقديم كمية هامة من المواد المخدرة للتونسيين المعنيين بالترحيل بهدف إضعافهم وجعلهم غير قادرين حتى على المقاومة في صورة عدم امتثالهم لقرار الترحيل القسري  من الأراضي الإيطالية ” ، هذا ما أكده لـ”المدنية” الناشط في المجتمع المدني والمتابع لقضايا الهجرة في إيطاليا مجدي الكرباعي .

يحدثنا الكرباعي بمرارة: “إن المهاجرين التونسيين داخل مراكز الاحتجاز والترحيل ممنوعون من مقابلة المحامين بل محرومون حتى من تقديم طلبات الحق في اللجوء والحماية”. ويشير في هذا الصدد إلى وجود مهاجرين غير نظاميين تم إعلامهم بقرار الترحيل في ظرف 24 ساعة على أقصى تقدير، وهي مدة لا تمكّن من التواصل مع محامي وحتى إن وجدت هذه الفرصة فهي تبقى غير كافية لاستكمال الإجراءات القانونية للإنابة، خاصة مع عائق التواصل باللغة الإيطالية، وفق تأكيده.

الناشط في المجتمع المدني والمتابع لقضايا الهجرة مجدي الكرباعي

ويعتبر المهاجرون من حاملي الجنسية التونسية الفئة الأولى المستهدفة والمعنية بالترحيل القسري من إيطاليا. فقد أبرز تقرير الضامن الوطني لحقوق المحتجزين والموقوفين (سنة 2022)  التابع لوزارة العدل الإيطالية أن عدد التونسيين المرحلين بلغ 2308 من مجموع 3916 مهاجرا من مختلف الجنسيات الذين تم ترحيلهم من الأراضي الإيطالية.

في المقابل، سعينا إلى الاتصال بمصادر أوروبية التي مكنتنا من بعض المعطيات. ولكن خلال تحليلنا البيانات والأرقام لاحظنا وجود نوع من التفاوت والاختلاف في الأرقام.

فحسب معطيات إحصائية تحصلنا عليها من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (Frontex فرونتكس)، وكما يبينه الرسم البياني التالي، فإن عدد التونسيين المرحلين من دول الاتحاد الأوروبي شهد ارتفاعا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث ارتفع من 1492 سنة 2020 إلى 2559 سنة 2022.

وقد أكدت لنا مصالح الإعلام والاتصال بالوكالة الأوروبية أن هذه الإحصائيات تتعلق فقط بعمليات الترحيل التي شاركت فيها وكالة فرونتكس، ما يعني أنها لا تشمل عدد المرحلين بمبادرة فردية من الدول الأوروبية دون وساطة الوكالة.

من جهة أخرى، أظهرت إحصائيات تحصلنا عليها من أوروستات Eurostat  وهي المكتب الإحصائي التابع للاتحاد الأوروبي أن عدد التونسيين الذين تم ترحيلهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة مختلف عن العدد المقدم إلينا من طرف وكالة فرونتكس.

 فحسب إحصائيات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والأجانب (فرونتكس)، فإنه تم ترحيل 6113 تونسيا من الدول الأوروبية خلال سنوات 2020،2021 و 2022 في حين أن الإحصائيات المقدمة إلينا من المكتب الإحصائي الأوروبي (أوروستات) تبين أنه خلال نفس الفترة تم ترحيل 5525 تونسيا أي ما يعادل فارقا بـ 588 تونسيا “لفائدة فرونتكس”

وبتوجهنا إلى مصالح الإعلام والاتصال للطرفين، تم التأكيد مرة أخرى من طرف وكالة فرونتكس أن الأرقام المقدمة إلينا لا تشمل عمليات الترحيل التي قامت بها دول الاتحاد الأوروبي بشكل فردي أي دون تدخل من طرفهم. في حين أن مكتب Eurostat أبلغنا أن الإحصائيات المصرح بها من قبلهم تشمل أيضا عمليات الترحيل التي تدخلت فيها فرونتكس على اعتبار أن دورها كوكالة هو تقديم دعم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تطلب المساعدة خلال مراحل مختلفة من الترحيل.

وهنا، وخلال تحليلنا الأرقام واستنادا إلى توضيح المصادر، نتبين مرة أخرى وجود تضارب في الأرقام المقدمة. فكيف يكون عدد التونسيين المرحلين المعلن من قبل وكالة فرونتكس يتجاوز العدد المعلن من قبل مكتب أوروستات والحال أنه تم التأكيد لنا بأن أرقام أوروستات تشمل أيضا عمليات الترحيل التي تدخلت فيها فرونتكس؟

وعن هذا التضارب في الإحصائيات، يقول الناشط في المجتمع المدني والمتابع لقضايا الهجرة في إيطاليا مجدي الكرباعي: “أنا أشكك صراحة في الأرقام المقدمة من المصادر الأوروبية نفسها، فالمؤكد بالنسبة لي أنه بات هناك نوع من التكتم الداخلي والخارجي بخصوص عدد التونسيين الذين تم ترحيلهم من الفضاء الأوروبي، أعتقد أنهم في الواقع لا يريدون إظهار العدد الكبير للتونسيين الذين يتم ترحيلهم”.

وأشار الكرباعي في هذا الصدد إلى التضييقات التي باتت تسلّط عليهم كنشطاء مجتمع مدني على مستوى النفاذ إلى المعلومة من طرف المصادر الإيطالية، قائلا: “في السابق كنا كنشطاء نعمل في مجال الهجرة ، لا نجد صعوبة في الحصول على المعلومة بما فيها الإحصائية من الجهات الإيطالية، ولكن من فترة يتم الامتناع عن تقديم المعلومات إلينا أو التواصل معنا بتعلة أنه إذا أردنا معلومة بإمكاننا التحصل عليها من مصالح الديبلوماسية التونسية بإيطاليا، والأكيد أنه لا يخفاكم أن السلطات التونسية نفسها متكتمة عن هذا الموضوع”.

فرنسا وإيطاليا "تتنافسان" على المرتبة الأولى في ترحيل التونسيين

ورغم التضارب في الأرقام المقدمة من المصادر الأوروبية وتواصل صمت الجهات الرسمية التونسية وعدم تواصلها لا مع الإعلام ولا مع المجتمع المدني بخصوص العدد الحقيقي للتونسيين الذين تم ترحيلهم ، فإنه استنادا دائما إلى مصادر أوروبية، أبلغتنا الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والأجانب (فرونتكس) أنه إلى حدود تاريخ 12 أكتوبر 2023، تم ترحيل 1945 تونسيا من الأراضي الأوروبية.

و تؤكد وكالة أوروستات أنه تم خلال الثلاثيتين الأولى والثانية من السنة الحالية ترحيل 1240 تونسيا من الفضاء الأوروبي. كما يبيّن الرسم البياني التالي أن فرنسا وإيطاليا تحتلان المرتبتين الأولى والثانية على التوالي على مستوى ترحيل التونسيين.

كما أظهرت بيانات مكتب أوروستات بخصوص عدد التونسيين الذين تم ترحيلهم من الفضاء الأوروبي سنة 2022 أن إيطاليا وفرنسا يحتلان أيضا المرتبة الأولى والثانية على التوالي على مستوى التونسيين المرحلين. وتظهر خارطة توزيع ترحيل التونسيين من الفضاء الأوروبي أن إيطاليا قامت بترحيل 875 مواطنا تونسيا مقابل 740 تونسيا تم ترحيله من فرنسا.

هذا و تؤكد بيانات المكتب الإحصائي التابع للاتحاد الأوروبي أن عدد التونسيين المهددين بالترحيل إجباريا أو قسريا من فضاء شنغن خلال النصف الأول من السنة الحالية هو في حدود 9865 تونسيا لم يتم ترحيل سوى نسبة تعادل 12.56% منهم تقريبا.

كما تؤكد نفس البيانات أن عدد التونسيين المهددين بالترحيل ارتفع من 12820 سنة 2020 إلى 22620 سنة 2022، ليكاد يتضاعف في ظرف سنتين.

"الترحيل ملف سري للغاية بالنسبة الى الحكومة التونسية"

يقول عبد الرحمان الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن حصر عدد التونسيين الذين يهاجرون بصفة غير نظامية أسهل بكثير من حصر عدد التونسيين المرحلّين.

ويشير في هذا الصدد إلى تكتم الحكومة التونسية حول هذا الموضوع ولسنوات متتالية أي أن الأمر لا يقتصر على الحكومة الحالية فقط. يضيف الهذيلي: “هم قلقون من الأرقام التي لدينا بخصوص الهجرة غير النظامية والتي نقدمها للإعلام، ما بالكم أن يتم مدنا بالأرقام المتعلقة بالترحيل الذي يبقى ملفا تمارسه الحكومة  أو الدولة التونسية بمفردها”.

عبد الرحمان الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

كما يعتبر رئيس المنتدى أن الدولة التونسية ليست واعية بكونه من مصلحتها كشف المعطيات كما هي سواء بالنسبة للمهاجرين بصفة غير نظامية أو المرحلين، قائلا : “من المفروض أن يتم تقديمها للمجتمع المدني على الأقل.. ولكن وزارتي الداخلية أو الخارجية تتعاملان مع الملف وكأنه خاص وسري للغاية”.

ويستنكر الهذيلي إقصاءه ومنظمات المجتمع المدني المعنية بملف الهجرة من متابعة عملية الترحيل لتونسيين عن قرب وعدم تمكينهم من ملاحظة سير العملية ومواكبة وضعية المرحلين حال وصولهم إلى مطار طبرقة خاصة مع الشهادات التي تصلهم من سوء المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون المرحّلون.

كما يشاطره الرأي الناشط المدني مجدي الكرباعي الذي توجه برسالة للحكومة و الدولة التونسية مفادها أن “الدولة التي تتفاخر بكونها دولة حقوق وحريات عليها أن تسمح للمنظمات الحقوقية وعلى رأسها المنتدى والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية …بالدخول إلى مطار طبرقة ومواكبة عمليات الترحيل، لدي  شهادات تؤكد تعرض المرحلين للتعذيب والاعتداءات خاصة، حتى من طرف الأمن التونسي”.

إن الهجرة غير النظامية والترحيل لازالا يثيران الكثير من الأسئلة وسط صمت متواصل من مؤسسات الدولة التونسية المعنية. فمتى تطل علينا المصادر الرسمية التونسية وتعلمنا بكل شفافية عن عدد التونسيين الذين تم ترحيلهم قسريا من الأراضي الأوروبية؟” ولماذا تتعمد الصمت وعدم التفاعل مع الموضوع رغم أهميته؟ لماذا لا تتم إنارة الرأي العام بالحقيقة؟ ولماذا “تخشى” الحكومة التونسية الحديث في الموضوع مع الإعلام أو مع المجتمع المدني؟ هي بعض من أسئلة عديدة وددنا طرحها مباشرة على الجهات الرسمية التونسية علّنا نظفر بإجابة مقنعة ولكن نظرا ل”استحالة” ذلك خيّرنا طرحها عبر هذا التقرير علّنا نجد تفاعلا رسميا.

Skip to content