مقالات

تنقيح مرسوم الجمعيات قصد إخضاعها !! معركة سعيّد الأصعب

مجدي الورفلي
صحفي

يبدو أن المعركة التي تلوح بين رئيس الجمهورية والمجتمع المدني ستكون الأشدّ على سعيّد، فالمجتمع المدني الذي إليه انتمى الرئيسُ أو إدعى ذلك، مُركّب ومُتشابك ومتعدّد، لكنّه باختلافات ما فيه أعلن أعلن رفضه لتوجه سعيد نحو تنقيح المرسوم 88 بصيغة تجعل السلطة هي المتحكم الفعلي في الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.

منذ تطرق سعيد لموضوع الرقابة على التمويل الأجنبي للجمعيات، انطلقت ردود الفعل الرافضة لتوجّهه، وبرزت المواقف بخصوص صيغ التصدي لتوجهات رئيس الدولة ولمشروع المرسوم الجديد الذي من المنتظر أن يُعتمد كإطار تشريعي لتنظيم عمل الجمعيات عوض المرسوم عدد 88 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011، وقد تضمن تنقيحات تتعلق بصيغ الرقابة على التمويل الأجنبي وحلّ الجمعيات.

يُذكر أن الرئيس قيس سعيد دعا خلال ترأسه لاجتماع مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، إلى إعداد مرسوم جديد يمنع تمويل الجمعيات من الخارج ويتهم بعض الجمعيات بالعمل لصالح دول أجنبية، حيث قال سعيد يومها “في الظاهر هم جمعيات ولكنهم امتداد لقوى خارجية (…)  لن أسمح بدخول هذه الأموال إلى تونس للعبث بالدولة التونسية أو استعمالها في الحملات الانتخابية”.

الردّ سيكون قويّا

اعتبرت نائلة الزغلامي، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، في تصريح لـ”الجريدة المدنية” أن هناك مخاوف حقيقية من توجه السلطة القائمة الى اعتماد مرسوم جديد

لتنظيم عمل الجمعيات بهدف الضغط عليها وتقييد تحركاتها والتضييق على نشاطها، خاصة أن المرسوم الحالي (المرسوم 88) يتيح للسلطة التنفيذية الرقابة على التمويلات وعمل الجمعيات وتسليط عقوبات على المخالفين. واعتبرت الزغلامي أن تعلة الرقابة على التمويل الأجنبي لتنقيح مرسوم الجمعيات واهية نظرا لأن الدولة متخلية عن دورها الرقابي رغم كل الإمكانيات التي لها وفق المرسوم 88 في مراقبة تمويل الجمعيات وتدقيق أنشطتها، مما يجعل إعلان المرسوم الجديد تهديدا لكل المكاسب الحقوقية والجمعياتية بعد الثورة خاصة وأن المرسوم لن يكون قابلا للطعن وسيصاغ بطريقة أحادية، وهو ما لن يسكت عليه المجتمع المدني وسيكون ردّه قويّا ضدّ المسّ بمكتسبات ونتائج نضالات أجيال من التونسيين، وفق تعبيرها.

وأشارت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات من خلال إفادتها لـ”الجريدة المدنية”، الى أن المجتمع المدني وبالإضافة الى توفيره لمواطن شغل بمئات الآلاف، فإن الجمعيات تعاضد مجهود الدولة وتحلّ محلّها في عديد الأحيان فيما يتعلق مثلا بالإحاطة بالفئات الهشة وضحايا العنف والتمييز…، وذكّرت بالدعوة التي أطلقتها النساء الديمقراطيات وعديد الجمعيات الأخرى إلى تشكيل جبهة للتصدي لأي محاولة من السلطة التنفيذية لقمع العمل الجمعوي أو التضييق عليه، وفق تعبيرها.

نقابة الصحفيين تتمسك بالمرسوم 88

واعتبر محمد ياسين الجلاصي، رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في تصريح لـ”الجريدة المدنية أن مشروع تنقيح المرسوم المتعلق بالجمعيات الذي يتمّ تداوله، ورغم انه غير رسمي إلى حد الساعة، خطير ومقيّد للعمل الجمعياتي المدني الذي يُعتبر من أهم مكاسب الثورة، كما أنه في تقدير الجلاصي، يعكس بوضوح رغبة السلطة بالتحكم في الجمعيات باستعمال مصطلحات فضفاضة على غرار العبارة الشهيرة: “وفق ما يضبطه القانون والتراتيب الجاري بها العمل” والتي يعرف التونسيون ما ورائها، وفق تعبيره.

وأكد أن نقابة الصحفيين ترفض قطع التمويل الأجنبي أو منعه خاصة أن الدولة لا تمنح تمويل عمومي للجمعيات، وأوضح أن دخول التمويل الأجنبي إلى تونس قانونيّ ويمر عبر المسالك الرسمية وتحن رقابة هياكل الدولة، كما أنه يندرج في إطار تعاون دولي بين الجمعيات والمنظمات والدول كما الحال بالنسبة للدولة في حدّ ذاتها التي تتلقى هبات وتدخل الوزارات في الحكومة في تنفيذ مشاريع بتمويل منظمات أجنبية. كما أكد نقيب الصحفيين تمسك النقابة بالمرسوم 88 نظرا لتضمّنه كل آليات الرقابة لكن حركة النهضة دمرت كل ما يُمكن ان يؤدي الى تطبيق المرسوم 88 خاصة في الجانب المتعلق بالرقابة عل التمويل الأجنبي كما يعلم الجميع.

وخلص الجلاصي في حديثه لـ”الجريدة المدنية” الى ان الرقابة على تمويل الجمعيات الأجنبي لا يعني تقييدها أو إخضاعها لشروط تجعلها في تبعية للسلطة، حيث أكد ان الرقابة على التمويل الأجنبي على الجمعيات مطلب للمجتمع المدني في حدّ ذاته وهو مُتاح وفق المرسوم 88 ومن حق الدولة معرفة مصادر التمويل الاجنبي عبر البنك المركزي أو أحد هياكل الدولة المختصة بالإضافة الى إمكانية الرقابة البعدية عبر طلب التقارير المالية للجمعيات لتفادي استعمال التمويلات والعمل الجمعياتي لأهداف سياسية كما كان الحال مع حركة النهضة وقلب تونس أو أنشطة إرهابية أو غيرها.

كما اشار رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى دور المجتمع المدني المهمّ جدا خلال السنوات الماضية سواء فيما يتعلق بمكافحة الفساد أو مراقبة الانتخابات وحقوق الإنسان بالإضافة إلى مساهمتها في تحقيق التوازن مع السلط طيلة السنوات الماضية كما أنها كشفت تجاوزات السلطة في كل المجالات، وهو ما يجعل المجتمع المدني مكسبا في تونس لا مجال لتقييده بأي من الطرق.

هذا ويبلغ عدد الجمعيات الناشطة في تونس بصفة قانونية قرابة 25 ألف جمعية ومنظمة تخضع لمرسوم الجمعيات أو ما يُعرف بالمرسوم 88.

أهم المؤاخذات على مشروع المرسوم

مشروع المرسوم الذي يتمّ تداوله كإطار تشريعي سيعتمده قيس سعيد عوض المرسوم 88 قوبل برفض كبير خاصة في عدد من فصوله، بداية من الفصلين 10 و27 اللذان يتيحان للإدارة رفض تكوين جمعية أو شبكة جمعيات وكذلك الفصلين 33 و45 اللذان يتيحان حل الجمعيات من طرف الإدارة، كما يمثل الفصل 35 أحد أكثر الفصول إثارة للريبة نظرا لأنه ينص على وجوب الحصول على ترخيص من لجنة التحاليل المالية لتلقي أي تمويل أجنبي أو قبول المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا من دول أجنبية.

تجدر الإشارة إلى أن اللجنة التونسية للتحاليل المالية التي ينظمها القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الذي اسند لها صلاحيّات ومهام، إلى جانب صلاحياتها العامة في المجال، تتمثل أساسا في تلقي التصاريح حول العمليات والمعاملات المسترابة أو غير الاعتيادية وتحليلها والإعلام بمآلها  وذلك مع إمكانية الإذن مؤقتا للمصرح بتجميد الأموال موضوع التصريح ووضعها بحساب انتظار، وفق ما ورد في الموقع الرسمي لوزارة العدل.

Skip to content