مقالات

تونس الحائرة !!

فطين حفصية
صحفي

قطع رئيس الجمهورية منتصف عهدته الرئاسية المحددة ب 5 سنوات بنهاية شهر أفريل وبدأ في إتمام 10  أشهر من التدابير الاستثنائية التي أعلنها وما تلاها من مراسيم أنهت عمل البرلمان وعدلت تركيبة المجلس الاعلى للقضاء وهيئة الانتخابات في انتظار ما ستسفر عنه اليوميات السياسية القادمة، وينفتح منتصف الطريق الرئاسي الثاني  في وقت وصلت فيه البلاد إلى مفترق طرق يؤدي إلى ممرات استفهامية تتعلق أساسا بالحوار الوطني المطروح وبخارطة الطريق المجدولة زمنيا وسياسيا وبمستقبل البلاد الاقتصادي والاجتماعي في ظل وضع محلي وإقليمي متحول.

حملت الساعات الأخيرة نوعا من إعادة تشكل الخارطة السياسية في تونس وعجن تحالفاتها باختلاف المسوغات إن كانت ظرفية أو مصلحية أو تقاطعية أو جامعة، ويمكن تبويب ذلك إلى 5 ممرات سياسية ومدنية تختلف في ورقات الضغط والقوة والحضور والتأثير وقدرات الفعل والحسابات : 

1- ممر اللاءات الثلاث الذي يحكم خيوطه رئيس الجمهورية قيس سعيد وعدد من المحسوبين على “مشروعه القاعدي” والمؤمنين بحملته التفسيرية والقائمين على تنسيقياته ويتقاطع فيه كليا مع عدد من المكونات الحزبية والمدنية بعد أن حسم وبشكل نهائي في تشكيلة الحوار الوطني” غير المسبوق “الذي سيكون خارج طاولته من لا صلح ولا تفاوض ولا حوار معهم في إشارة واضحة إلى كل المنظومة السياسية التي حكمت أو شاركت قبل 25 جويلية، في حين ترى بعض الأحزاب المحسوبة على التيارين اليساري والقومي ومنها حركة الشعب القومية الناصرية والتيار الشعبي المنشق عنها وحزب تونس إلى الأمام وحركة البعث  أن “الحسم السياسي النهائي” يوم 25 جويلية تم على قاعدة الفرز الجذري وبالتالي لا مجال للعودة إلى الوراء أو تقديم صكوك العفو والنسيان للمسؤولين على  “عشرية التخريب والخراب”.

2- ممر المعارضة الائتلافية التي ذهبت في خيار العمل الجبهوي تحت عنوان جبهة الخلاص الوطني أو ما سمي تنظّما بلقاء  5 زائد 5  ويقودها السياسي أحمد نجيب الشابي بإسناد قيادي نهضوي واضح وما جاور محيطهم السياسي والعقائدي مع مكونات مدنية وعدد من المستقلين واتخذت عناوين “اللقاء من أجل تونس” و”مواطنون ضد الانقلاب” كأذرع  للتحركات الميدانية والإعلامية، وتحاول  هذه الجبهة أن تهندس مع الأحزاب السياسية التي التقاها الشابي التموقع في خط المعارضة الرئيسي وتوسيع دائرة تمثيليتها الاستقطابية وطرح رؤيتها للمرحلة القادمة ومنها التصدي للـ”الديكتاتورية الزاحفة” وإعلان حكومة إنقاذ وطني لاقت حال بسطها تحفظا أوليا مباشرا من بعض مكوناتها السياسية والحزبية رغم  التوجه إلى عرضها رسميا على الرأيين العام والسياسي المحلي والإقليمي والدولي.

3- ممر  الخط الثالث أو الرؤية المزدوجة الرافضة في الوقت نفسه عودة المنظومة القديمة واستمرار الشعارات الجوفاء حسب توصيف الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، وتقود المنظمة الشغيلة هذا الموقف الذي تتقاسمه مع عدد من الأحزاب وفعاليات مدنية أخرى للخروج من نفق الأزمة الطويل والانتهاء من مراحل التمطيط للحوار الذي طال انتظاره ويبدو أنه ولد إما ميتا أو مشوها حسب كثيرين من عناصر هذا الممر،  كما أن الأحداث وسوابق الانتقال الديمقراطي الهش طيلة 10 سنوات  وكل المناكفات الجارية أثبتت حسب الطبوبي أنه لا يمكن أن يتم جمع”الإسلاميين مع الحزب الدستوري الحر أو العائلتين القومية واليسارية مع المنظومة السابقة” وبالتالي لا بد من المحافظة على موازين القوى والتعديل متى استدعت الحاجة بميزان الروح الوطنية والمسؤولية التاريخية.

4- ممر المعارضة الراديكالية “للمنظومتين القديمة والجديدة” ويقودها خطان متوازيان لا يلتقيان وهما أساسا الحزب الدستوري الحر الذي يعود إلى المنظومة الأقدم و يبني أدبياته الجديدة على ضرورة تقويض “مرحلة الضياع السوداء” بالتزامن مع وقف المشروع القيسي ومواصلة الضغط على الزناد شعبيا وسياسيا لإطلاق رصاصة الرحمة على “الوجود الإخواني” في تونس وحزب العمال ذي المرجعية الماركسية اللينينية والذي حافظ على عقيدته الراديكالية في معارضة كل هذه المنظومات مجتمعة وكان من أول الداعين حال إعلان نتائج الانتخابات بضرورة حل البرلمان في تناقض مع رؤيته  الآن لما يسميه بالمأزق الجديد وهو ما أدى إلى تواصل “نزيف” المغادرة لعدد من مناضليه وإن حافظ على “نفسه الاحتجاجي” الأقلي.

5- ممر المعارضة المتربصة بتحركات كل التشكيلات السابقة وتغيرات الأوضاع وتقوده تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي تجمع التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات من جهة والحزب الممثل للواجهة الليبيرالية بقيادة آفاق تونس وما تبقى من شظايا دستورية يمثلها أحد شقوق نداء تونس الحزب الحاكم سابقا من جهة أخرى، ولاتزال هذه المكونات تبحث عن مظلة واضحة لتنسيق مواقفها واتخاذ موقع تحت الشمس في مربعات المشهد السياسي والحزبي المعارض.

الممر الشعبي 

بالتزامن مع هذه الالتقاءات الموضوعية أو المؤقتة، فإن تتبع كل عمل جبهوي مهما كان مثاله يقتضي توفر جملة ظروف ومحددات منها توضيح التعاون المرحلي والتأسيس لغرفة قيادية مشتركة بدل الزعامة الواحدة وتسطير “صورة الصراع السياسي والجماهيري” أو ما يمكن وصفه بالممر الشعبي وتبدو هنا كل الأطراف المتضادة التي ذكرناها سابقا تمتلك جزء من الشارع بتفاوت في العدد والقدرة على التعبئة والتحريك الجماهيري عند العودة المرتقبة إلى “صراع شرعية الشارع”.

إن هذا الممر الشعبي الذي يساير الممر السياسي ستنفخ فيه “الروح” مجددا بعد فترة سبات رمضاني وحالة إنهاك اقتصادي واجتماعي للمواطن وسيكون بقطبين : قطب رئيس الجمهورية وأنصاره ومن يتقاطع مع المسار الذي تلى 25 جويلية وقطب الخصوم الذي يحمع بدوره خصوما و أطرافا يستحيل التقاؤها على سقف وطني واحد ومشترك مع الأخذ بأن هذين القطبين الواسعين لن يعيدا بأية حال دوامة الاستقطاب الثنائي الصرف أو السعي إلى توافق المتضادين.

ومن هذه التحركات الشارعية المرتقبة يوم “الغضب الشعبي” لأنصار سعيد بتاريخ 8 ماي ويوم “الزحف” على قصر قرطاج المنتظر يوم 15 من الشهر نفسه لانصار الحزب الدستوري الحر فضلا عن تعبئة متوقعة لبقية الأطراف متى استدعت الضرورة حيث يدفع كل منهم في كل مرة أنهم سيقدمون” الوصفة الطبية” لما أتى وسيأتي في حين تقف أغلبية صامتة أو مترددة تثبت أرقامها الإحصائيات المنشورة مؤخرا  دون جواب صريح أمام أسئلة تونس الحائرة.

Skip to content