مقالات

حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء مُنتهكة في تونس والدولة تنخرط في المقاربة الأوروبية لمكافحة الهجرة

مجدي الورفلي
صحفي

بعد فض اعتصامهم الذي تواصل لأشهر أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، نهاية الأسبوع الماضي، عاد عدد من المهاجرين وطالبو اللجوء في تونس، من جنسيات مختلفة، تضم السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان، إلى الاعتصام من جديد أمام مقر المنظمة الدولية للهجرة للمطالبة بايجاد حلّ لوضعيتهم المعقدة بعد أن أجبرتهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على إخلاء مراكز الإيواء في بن قردان ومدنين وجرجيس وصفاقس.

وتؤكد عديد المنظمات المحلية التي تُعنى بملف المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس أنهم يعانون من إشكاليات تبلغ حدّ حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية خاصة خلال فترة الكوفيد 19، وطالبت تلك المنظمات وعلى رأسها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الدولة بتحمل مسؤولياتها بموجب معاهدة 1951 مع ضرورة تحيين القوانين الوطنية حتى تسهّل اندماج اللاجئين وطالبي اللجوء وصولا إلى إطار قانوني للجوء وضرورة تحديد استراتيجية وطنية تهم الهجرة وتحترم المقاربات الإنسانية.

تونس مُلزمة باتفاقية جنيف 1951 ولكنها لا تحترمُها

أوضح رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى لـ”الجريدة المدنية”  انه رغم كون تونس مُلزمة بتطبيق اتفاقية جنيف 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، فأنها تحولت إلى رأس حربة في المقاربة الأوروبية لمكافحة الهجرة، حيث انخرطت في سياسات عمقت الأزمة ووضع اللاجئين والمهاجرين عبر اعتراضهم في البحر ومنعهم من بلوغ السواحل الإيطالية دون إيجاد حلّ لوضعيتهم أو توفير ما يلزم لتمكينهم من حقوقهم كلاجئين.

وأكد المتحدث باسم المنتدى  أن صفة لاجئ تسندها مفوضية شؤون اللاجئين وليس الدولة التونسية، باعتبار أنه لا يوجد قانون في تونس ينظم وضعية اللاجئين وطالبي اللجوء من طرف الدولة مما يجعل المفوضية هي الجهة التي تتكفل بهم ووضعيتهم.

عدد اللاجئين في تونس قارب العشرة آلاف

وفق أرقام المنتدى التّونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقد اعترض الحرس البحري التونسي، 25 ألفًا و657 مهاجرًا في عام 2021 فقط أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط، أي ما يقرب من ضعف العدد المسجل في العام 2020، والبالغ 13 ألفًا و466 شخصًا. وحاليّا يوجد في تونس 9 آلاف و547 لاجئًا، 5 آلاف و900 من الذكور، وحوالي 3 آلاف و600 من الإناث، من جنسيات مختلفة أبرزها ساحل العاج وسوريا والسودان والكاميرون.

ووفق نفس المعطيات الاحصائية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن التوزيع الجغرافي للاجئين يتركز أساسا في تونس الكبرى بتواجد 4390 لاجئًا مقابل 2200 بصفاقس، و 1200 آخرين بمدنين فيما يتمتّع 3262 بصفة لاجئ فيما لا يزال أكثر من 6 آلاف و500 آخرين في صنف طالبي اللجوء.

عبد الرسول إبراهيم من دارفور ينتقد المفوضية ويجد أنها لا تكترث لوضعهم

اللاجئ السوداني من إقليم دارفور عبد الرسول إبراهيم أكد في تصريح لـ”الجريدة المدنية” أن أكثر من 100 لاجئ وطالب لجوء من إفريقيا جنوب الصحراء يقيمون في العراء منذ أشهر من ضمنهم 23 طفلا و19 امرأة، بعد أن أجبرتهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على إخلاء مراكز الإيواء في بن قردان ومدنين وجرجيس وصفاقس مقابل منحة بقيمة 250 دينار على 3 أشهر فقط، وطالب بإعادة التوطين في بلدان أخرى قادرة على إعادة إدماجهم وحماية حقوقهم وكرامتهم، خاصة وانه لا خيار آخر لهم سوى إعادة التوطين.

وأوضح عبد الرسول إبراهيم، الذي فر من الحرب الطاحنة في إقليم دارفور باتجاه ليبيا ثم تونس، أن المفوضية طلبت من هؤلاء اللاجئين وطالبي اللجوء الاندماج في المجتمع التونسي دون الاكتراث إلى المصاعب التي سيواجهونها، مشيرا إلى أن شرط الاندماج غير متوفر في تونس في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتوترة، وهو ما اعتبره أمر يعكس عدم اكتراث المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبعض الجمعيات المحلية المعنية بالملفّ بوضعيتهم.

فتحاويت سلالة من أريترايا، من قصص اللاحئين القُصّر

  فتحاويت سلاسة لاجئة أرترية شابة،  تبلغ من العمر 18 عاما فقط، ووفق روايتها لـ”الجريدة المدنية” فقد هربت منذ أن كان سنّها 14 عاما من أهلها في أريتريا بعدما كانوا سيفرضون عليها الزواج غضبا من رجل يكبرها في السن، واتجهت في البداية إلى السودان، ثم قررت الإبحار خلسة إلى إيطاليا بعد وصولها إلى ليبيا أين تعرّضت للتعذيب على يد ميليشيات ليبية طلبوا منها الفدية قبل إخلاء سبيلها.

فبعد قضاء شهرين في سجن في ليبيا تمكنت فتحاويت من إيجاد تسوية مع مختطفيها بعد أن تحصلت على أموال قاما والداها بإرسالها لها بطلب منها تحت تهديد مختطفيها، وبعد ذلك حاولت مع عدد من طالبي اللجوء الإبحار إلى السواحل الإيطالية ولكن باءت محاولتهم بالفشل بعدما أن اعترضهم فريق من الحرس البحري التونسي وتم اقتيادهم إلى مدينة صفاقس أين وضعوا في مبيت مخصص للاجئين، قبل إجبارهم على المغادرة.

وانتقدت في تصريح لـ”الجريدة المدنية” ما أكدته من “تجاهل المفوضية السامية للاجئين والسلطات التونسية أمام الظروف الصعبة التي يعيشها عشرات اللاجئين في العراء بلا مأوى ولا أدنى حقوق تحفظ كرامتهم بعد طردهم من مراكز الإيواء من طرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وطالبت بإعادة توطينها في بلد أخر يحفظ لها حقوقها وكرامتها، خاصة بعد ما تعرضت له في تونس من انتهاكات وميز عنصري على أساس انتمائها للديانة للمسيحية.

المصاعب المخفية

خلصت دراسة بعنوان “المصاعب المخفية للقوى العاملة الغائبة عن الأنظار: الحياة الاقتصادية للاجئين والمهاجرين في تونس” التي أنجزها مركز الهجرة المختلطة في شمال إفريقيا ومؤسسة هاينريش باول خلال الفترة التي تلت أزمة الكوفيد 19، أن اللاجئين والمهاجرين العاملين دون عقد قانوني يتعرّضون إلى الاستغلال الاقتصادي بحسب شهاداتهم، وغالبا ما يمنع بعض اللاجئين وطالبي اللجوء من الحصول على عمل رسمي في ظل عدم وجود قانون تونسي للجوء يضمن حقهم في الوصول إلى سوق العمل وخاصة في ظل عدم تمكنهم في كثير من الأحيان من الوصول إلى عدة وثائق مثل جواز السفر وبطاقة الإقامة.

كما استنتجت الدراسة أن 2 بالمائة فقط من المهاجرين واللاجئين في تونس من الذين تم استجوابهم  أعربوا عن رضاهم التام عن ظروف العمل مقابل 39 بالمائة غير راضين على ظروف عملهم. كما كشفت الدراسة أن غالبيتهم يعملون في القطاع غير المنظم ودون عقود قانونية ما يجعلهم عرضة للاستغلال الاقتصادي وخارج التغطية الاجتماعية وغير قادرين على إرسال تحويلات إلى عائلاتهم بحكم تدني أجورهم أو عدم سداد رواتبهم.

استغلال هشاشة وضع اللاجئين والمهاجرين

الدراسة التي ارتكزت في جانب كبير منها على استبيان خلال الفترة الممتدة من شهر أفريل 2020 إلى فيفري 2021 وشمل أكثر من 30 جنسية من بلدان إفريقيا والشرق الأوسط، ذكرت أن عديد المستجوبين أكدوا أن أرباب العمل يستفيدون من هشاشة وضع اللاجئين والمهاجرين ومن سبل عيشهم غير المستقرة ومن غياب الأطر القانونية المنظمة لعملهم خاصة خلال فترة انتشار فيروس كوفيد 19 في تونس.

المخاطر الرئيسية في مكان العمل والصعوبات التي يواجهونها التي ذكرها اللاجئين والمهاجرين تتمثّل أساسا في تعرضهم إلى العنف اللفظي كخطر يواجهه الأشخاص الذين يعملون بكل من القطاعين الرسمي وغير الرسمي على حد السواء وعدم قيام أرباب العمل بصرف الأجور في التاريخ المحدد مع إمكانية تعرض بعض العاملين من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في تونس إلى خطر عدم سداد أجورهم، لتنتج كل تلك المخاطر انعدام الأمان الوظيفي لديهم.

استحالة الولوج إلى الخدمات المصرفية

المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء في تونس، ممن يعملون في القطاع غير المنظم في تونس، يتحصّلون على دخل مادي لا يكفي عادة لتغطية النفقات الشهرية للمعيشة الأساسية وهو ما يدفع الغالبية منهم إلى اللجوء إلى السكن المشترك مع عدة أشخاص للتوفير في سعر الإيجار إحدى آليات التعامل مع الدخل المادي الضعيف، كما يمثّل الوصول إلى الخدمات المصرفية أهم الصعوبات التي تعترض اللاجئين و المهاجرين وطالبي اللجوء في تونس.

إذ أكد أغلب اللاجئين والمهاجرين الذين شملهم الإستبيان والمقابلات أنهم واجهوا صعوبات وتعقيدات كبيرة منعت الوصول إلى الخدمات المصرفية وفشلت كل محاولتهم فتح حسابات مصرفية في البنوك التونسية أو حتى إرسال تحويلات إلى عائلتهم في الخارج عبر خدمات التحويل المالي بسبب افتقادهم الى الوثائق المطلوبة لفتح حساب مصرفي أو التمكن من تحويل الأموال أو تلقيها كجوازات السفر أو بطاقات الإقامة.

توزيع مجالات العمل والأجور

حوالي 45 بالمائة من جملة 76 لاجئا ومهاجرا من جنس الذكور تم استجوابهم خلال شهري مارس و أفريل 2021 في إطار دراسة “المصاعب المخفية للقوى العاملة الغائبة عن الأنظار: الحياة الاقتصادية للاجئين والمهاجرين في تونس” يعملون في مجال البناء وأكثر من 50 بالمائة منهم يعملون في محلات تجارية و في مطاعم فيما تعمل 50 بالمائة من المهاجرات و اللاجئات اللواتي شملهنّ الإستجواب في الأعمال المنزلية فيما تعمل حوالي 40 بالمائة منهن في المقاهي والمطاعم.

الرواتب والأجور الشهرية التي يتقاضاها المهاجرون واللاجؤون وطالبو اللجوء في تونس غير قارة وموحّدة حتى إن كان العمل هو نفسه حيث تختلف حسب المناطق والولايات، ففي ولايات تونس الكبرى وخاصة في ولاية بن عروس يتحصلّ المهاجرون واللاجؤون وطالبو اللجوء على معدل الأجر الشهري الأعلى في تونس ليبلغ قرابة 783 دينارا تليها ولاية أريانة بأجر شهري يناهز الـ638 دينارا فيما أوردت الدراسة أنه تم تسجيل أدنى معدل الأجر الشهري في ولاية سوسة.

ضرورة تعزيز الوعي بحقوق اللاجئين والمهاجرين

دراسة “المصاعب المخفية للقوى العاملة الغائبة عن الأنظار: الحياة الاقتصادية للاجئين والمهاجرين في تونس” تضمنت عددا من التوصيات، وعلى رأسها ضرورة تحسين ظروف عمل وعيش المهاجرين الذين يعانون من ظروف قاسية في العمل و يضطلعون بأعمال شاقة جدا مقابل أجور زهيدة وبتحفيز إدماجهم في سوق العمل التونسي من خلال تعديل قانون العمل التونسي وتنظيم حملات توعية وتحسيس لفائدة أصحاب العمل و العمال التونسيين.

وشددت الدراسة على ضرورة تعزيز الوعي بحقوق اللاجئين والمهاجرين وتمكينهم من النفاذ إلى كل المعلومات التي تفيدهم وخاصة المتعلقة منها بمطالب الحصول على بطاقات إقامة و التي يجب أن تكون بعدة لغات، وكذلك الحرص على إدماج المهاجرين واللاجئين اجتماعيا واقتصاديا إضافة إلى إجراء مزيد من البحوث حول مساهمة اليد العاملة منهم في قطاعات عمل محددة وسد فجوة البيانات الكمية المتعلقة بعدد اللاجئين و المهاجرين المقيمين في تونس.

Skip to content