مقالات

خارطة الطريق والمسار التشاركي الضروري

عودة على لقاء الحكومة والاتحاد:

طارق السعيدي
صحفي

شهدت بلادنا بداية الأسبوع الحالي لقاء مهما جمع المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل برئاسة الأخ الأمين العام نور الدين الطبوبي من ناحية، والحكومة التونسية برئاسة رئيسة الحكومة نجلاء بودن من ناحية ثانية. ويكتسي اللقاء أهميته من حيث أنه اللقاء الأول من نوعه منذ 25 جويلية وهو ما يعني أن مضمونه سيكون عاملا مهما في رسم العلاقة بين الاتحاد والحكومة من ناحية وفي رسم طبيعة التوازنات الاجتماعية من ناحية أخرى. كما يكتسي اللقاء أهمية بالغة من حيث المخرجات التي انبثقت عنه والتي عبرت بشكل او باخر عن وجود تقارب محتمل للمقاربات المتعلقة بالقضايا الكبرى.أما الأهمية الابرز فتكمن من الظرف العام الذي ينعقد فيه اللقاء ودلالته.

مخرجات مريحة

وقد يكون من المهم في البداية الإشارة إلى أبرز المخرجات التي انبثقت عن اللقاء وهو تمسك الحكومة باستمرارية الدولة عبر الالتزام بتنفيذ مختلف بنود الاتفاقيات غير المفعلة وذلك عبر إصدارها في الرائد الرسمي تباعا. كما تم خلال اللقاء إقرار حل جزء من مشكل عمال الحضائر في أجل لا يتجاوز 15 ديسمبر 2015 وهو ما يعني حل اشكال اجتماعي لأكثر من 6000 عامل. كما تم خلال الاجتماع الاتفاق على أهمية المنهجية التشاركية في حل القضايا الكبرى وخاصة إصلاح المؤسسات العمومية والإصلاح الجبائي، بما يؤمن العدالة الجبائية، وإصلاح منظومتي التربية والتعليم. وتمثل هذه المحاور الكبرى ثقلا كبيرا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وهو ما يعني أن الصيغ التشاركية لمعالجتها يضمن أكبر قدر ممكن من النجاعة.

إن أهم ما يمكن استنتاجه من اللقاء هو أنه إنتظم في وقت وجيز بعد تشكيل الحكومة وهو ما يؤكد توفر الجدية المطلوبة  في معالجة الإشكاليات الاجتماعية بنجاعة وسرعة، وثانيا أنه كان لقاء لفتح الأفق وهو ما يؤسس لعلاقة تشارك متينة، وثالثا أن طرفيه وصفاه بالايجابي وهو ما يعني ارتياحا متبادلا قد يمكن من اريحية في التعامل خلال النقاشات حول مختلف القضايا الكبرى التي قد تلتقي فيها الرؤي او تختلف. 

السياقات والمخاطر

يأتي اللقاء الذي جمع الحكومة والاتحاد في إطار سياق سياسي عام يتسم بوجود سلطة تنفيذية مجسدة ومكثفة في رئيس الجمهورية قيس سعيد، سلطة لديها أعلى نسبة تأييد قد تطمح سلطة ما للحصول عليها. وهي سلطة تنفيذية تتحرك وسط انسجام أجهزة الدولة. ولعل هذا الانسجام هو الدافع وراء عودة إنفاذ سلطة القانون ولو بشكل جزئي. كما تتسم السلطة التنفيذية المذكورة بخطاب سياسي يبشر بأفق جديد مكنها من حزام شعبي شبابي قوي. واضافة الى كل ذلك فان السلطة التنفيذية محاطة أصدقاء وحلفاء محتملين يمثلون رصيدا سياسيا مهما. كما يتسم الواقع بمحاولة جزء من مكونات منظومة الحكم التعبئة والحشد ضد إجراءات 25 جويلية، محاولين ربط الصلة بقوى مدنية أخرى عبر استغلال المطالب الديمقراطية لمكونات المجتمع المدني. ويتسم الواقع أيضا ببداية تشكل الاحتجاجات المطلبية لعدة حركات اجتماعية أغلبها يطالب بالتشغيل وحماية البيئة وما تعنيه من حماية ادنى شروط الحياة. كما يتميز ببوادر صراع بين الفاعلين المحليين والدولة المركزية وما يعنيه ذلك من ضرورة توفر الحد الأدنى من التمويل الذي يمكن الدولة من إيجاد الحلول التوافقية لطلبات الحركات الاجتماعية. في إطار كل ذلك تظهر الكثير من المخاطر التي تتهدد مسار الانتقال الديمقراطي التونسي الذي اعتبره مازال مستمرا وهي العودة الى مربع التجاذب السياسي ليطغى الفعل السياسي وما يرتبط به من تبارز على المسارين الديمقراطي والتنموي. 

الوضوح الضروري

 لخطورة ما تقدم، يطرح الاتحاد العام التونسي للشغل خارطة بناء تصور إصلاحي تشاركي يحول مسار 25 جويلية الى فرصة بناء حقيقية قد تمكن من استكمال الانتقال الديمقراطي والمضي قدما في وضع إصلاحات جوهرية اقتصاديا واجتماعيا تمكن من تغيير ملامح تونس من بلد متخلف الى بلد منتج خالق للثروة وقادر على حسن توزيعها العادل. وفي هذا الإطار تتنزل مطالب الاتحاد بوضع خارطة طريق للمرحلة الاستثنائية. إن المطالبة المتكررة من الاتحاد بالتسقيف الزمي لا تنبع من رغبة خاصة به في أن يرى الأمور بمنظار واضح فهذا امر محسوم، بل من منطلق وعيه بمخاطر عدم الوضوح واستمرار الغموض. وعلى صعيد سياسي يمثل وضع خارطة واضحة ونهائية لمختلف مراحل الفترة الاستثنائية خطوة ضرورية ومحددة في مستقبل المسار السياسي لتونس. وتتمثل خارطة الطريق الأكثر معقولية في تغيير القانون الانتخابي بشكل تشاركي في إطار وطني جامع ثم المرور الى انتخابات مبكرة يشارك فيها الجميع إلا المتورطين في جرائم الفساد والاغتيال والعنف ليتم بعد ذلك استكمال تركيز المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها المحكمة الدستورية. 

قلنا ان هذه الخطوات تمثل خطورة ضرورة وذلك لعدة أسباب، أولا أن حسم الوضع والاتجاه خطوة إلى الأمام وهو ما يمثل السبيل الوحيد لقطع الطريق أمام التجاذب السياسي ومحاولات الرجوع الى الوراء. ثانيا ان تحديد الخطوات بدقة هو في النهاية اعادة الدور للشعب ليمارسه حقه وسلطته بعد تنقية المناخات من المال الفاسد وتحييد مؤسسات الدولة وتحرير المجال الديني من سطوة الفاعلين السياسيين الذين يوظفونه لخدمة مصالحهم. وإذا ما بلغنا مرحلة اليقين في وجود انتخابات قريبة قادرة على أن تمكن الشعب من انتخاب ممثليه بكل حرية فان الجزء الاكبر من التعقيد الذي يطرا على الوضع السياسي قد يزول. اما على صعيد اقتصادي فان وضوح الأفق السياسي عبر خارطة الطريق من شأنه أن ينهي حالة انعدام اليقين وهو ما قد يساهم في استعادة الفاعلين الاقتصاديين الدوليين من مستثمرين ومؤسسات مالية عالمية، للثقة في بلادنا كشريك مستقر. وهذا الأمر قد يؤدي الى ارتفاع وتيرة الاستثمار الذي تحتاج له بلادنا لإنتاج الثروة والانطلاق تدريجيا نحو تحقيق الدولة المدنية الاجتماعية الديمقراطية. لقد مثل لقاء الحكومة والاتحاد بداية الأسبوع الحالي دليلا قويا على أن ما يجمع التونسيين أكثر مما يفرقهم وأن الحوار أقوم السبل نحو بناء تصور مشترك لتونس الجديدة الممكنة وهو لقاء يمكن البناء عليه نحو توسيع دائرة التشاور والتشاركية لتشمل كل المجالات ولتشريك واسع للتونسيين في إطار حوار وطني لا يقصي إلا الفاسدين والمجرمين.

Skip to content