مقالات

خارطة الطريق وترتيب الألويات

طارق السعيدي
صحفي

بعد مرور عشرة أيام على اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن خارطة الطريق السياسية، لا يزال الصمت سيد الموقف فيما يتعلق بالتفاصيل التي تستدعي مزيد الإيضاحات. فما أعلنه السيد رئيس الجمهورية من مواعيد يمثل تواريخ عامة تحدد المحطات الكبرى لمسار سياسي عام مدته سنة بالتمام والكمال. ورغم الأهمية الكبرى لإقرار خارطة الطريق باعتبارها مطلبا وطنيا نادى به الاتحاد العام التونسي للشغل فإن الأكثر أهمية من ذلك هو تحديد تفاصيل العملية السياسية التي تطرح أكثر من تساؤل.

ما يستوجب التوضيح

وللتذكير فان خارطة الطريق تضمنت انطلاق استشارة شعبية بداية من غرة جانفي 2022، على أن تنتهي في 20 مارس 2022 ليتم بعد ذلك تنظيم استفتاء يوم 25 جويلية 2022 على تنقيح الدستور ‏وتختم الخارطة بتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة يوم 17 ديسمبر 2022 وفق الدستور المنقح والقانون الانتخابي الجديد بعد الاستفتاء. إن مكمن الغموض الأول يكمن في كيفية الاستفتاء الذي سيجرى فهل سيجر بنعم أو لا على دستور كامل أو أنه سيتم عبر الإجابة بنعم أو بلا حول سؤال يتعلق بتعديل الدستور. وفي هذا الإطار قال الأخ نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل خلال افتتاحه مؤتمر لجنة المرأة العاملة يوم 22 ديسمبر 2021 إن خارطة الطريق أمر إيجابي غير أن المطلوب هو تفعيلها والالتزام بها. واعتبر الأمين العام أنه لا يمكن تعديل الدستور ورسم الخيارات السياسية دون التشاور لأن الشأن العام شأن مشترك ولا يمكن التفرد فيه بالرأي. وقال إن الاتحاد شريك أساسي وفاعل في البلاد وقال انه لا بديل عن التصورات التشاركية لأن الوضع الصعب يفرض التشارك والتعاون. وقال ان الاتحاد سيواصل الضغط الإيجابي وقال ان النقابيين لا يقبلون أي تصور متفرد ومؤكدا ان الاتحاد في الصفوف الامامية وقال ان الاتحاد مستعد للبناء المشترك وهو غير مستعد لتسليم تونس ومصيرها لأي جهة كانت. أما مكمن الغموض الثاني فيتثمل في كيفية صياغة التعديلات الدستورية والتعديلات على القانون الانتخابي وهل سيتم فقط الاكتفاء بصياغة تأليفية من قبل لجنة الخبراء دون اشراك القوى الوطنية أم أن الصياغة التأليفية ستعرض على المنظمات الوطنية وقال سامي الطاهري الأمين العام المساعد المسؤول عن قسم الاعلام والنشر خلال الهيئة الإدارية للجهوية للشغل بتونس ان الشيطان يكمن في التفاصيل معتبرا ان الإجراءات التي أعلن اعنها الرئيس قيس سعيد تحاج إلى مزيد التوضيح وتفصيلها بكل دقة. فالخارطة الموضوعة من قبل الرئاسة تحتمل كل التأويلات الممكنة وتفترض تفصيلها من أجل فهم موحد لكل التونسيين ومن أجل توزيع الأدوار بين القوى الوطنية في صياغة مسألة تاريخية مهمة ومصيرية. بل إن تفصيلها قد يحتاج الى نقاش واسع من أجل ضمان تنفيذها وضمان أن تكون خارطة للخروج النهائي من الازمة السياسية.

ترتيب الأولويات

ان أبرز ما يميز خارطة الطريق التي وضعها الرئيس قيس سعيد هي التركيز المطلق على تعديل الدستور بما يتجانس من تصوره للحكم في تونس او ربما الغاؤه أصلا من اجل دستور جديد. وإذا كان من الثابت ان حق الرئيس قيس سعيد في تنفيذ برنامجه حق مطلق ومن الثابت أنه الفاعل السياسي الأبرز فان المؤكد ان تعديل الدستور ليس كفيلا بالسير نحو مبتغاه السياسي وهو أمر غير مستعجل. ويعود السبب الرئيسي لكونه غير مستعجل هو انه لا وجود لمعارضة فعلية لتعديل الدستور بما ينسجم مع تصور سياسي جديد للحكم ينهي تفتت السلطة بين الرؤوس الثلاثة ويضمن أكثر وحدة للدولة. فالجميع باستثناء حركة النهضة يرون في توزيع السلطة اضرار بالحكم غير ان المشكل يكمن في ان الطريق الى تعديل النظام السياسي والنظام الانتخابي وفيما إذا كانت هناك حاجة أصلا لتعديل فصول هي محل اجماع التونسيين.

مسار نضالي

لقد مثل دستور 2014 تصحيحا لمسار كامل من الالتفاف تمت صياغته في إطار دستور 2013 الذي لم يرى لنور فالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي تضمنها دستور 2014 لم تكن وليدة إرادة المشرع بقدر ما كانت نتيجة لنضال اجتماعي قاده الاتحاد العام التونسي للشغل. دستور 2014 بما فيه من حقوق مدنية وديمقراطية هو ثمرة النضال الديمقراطي الذي دفع ثمنه الشعب التونسي دم الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهو نتيجة لحراك سياسي نزل خلاله مئات الالاف الى الشارع للتعبير عن رفضهم للترويكا ومنظومته. هي احداث لا يجب ان تنسى في خضم المسار السياسي الحالي خاصة وأنها توجت في الأخير بحوار وطني منح بلادنا جائزة نوبل للسلام. فالمطروح في تونس وفق الاتحاد العام التونسي للشغل ليس الهدم واعادة البناء بما يعنيه ذلك من اهدار للجهد والوقت بل هو المراكمة على ما هو إيجابي من اجل التقدم الى الامام. ان هذا التقدم لا يصبح ممكننا الا في صورة وضع المسالة الاقتصادية في صدارة الأولويات الوطنية لا فقط عبر قانون مالية يجتر مقولات وإجراءات الماضي بل عبر تصور وطني مكتمل الابعاد قائم على التشاركية.

Skip to content