مقالات

رغم الاتفاق على انه أحد الحلول للأزمات السياسية خلافات عميقة حول تنقيح القانون الانتخابي

مجدي الورفلي
صحفي

يبدو أن تنقيح القانون الانتخابي الذي تعمل عليه لجنة النظام الداخلي للبرلمان منذ قرابة شهرين سيكون على رأس أجندة النقاش العام بمجرد بلوغ اللجنة مقترحات التنقيح ذات الطابع السياسي والتي تثير خلافات عميقة بين الاطراف السياسية، وأهمها تغيير العتبة الانتخابية وفقدان النائب المستقيل لعضويّته في البرلمان وسحب صلاحية دعوة الناخبين للاقتراع من رئيس الجمهورية.

يُقدّم تعديل القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كأحد مخارج الأزمات السياسية وعدم الاستقرار الحكومي الذي تعيشه تونس منذ سنوات، حيث يُطرح تعديل القانون الانتخابي في عدة اتجاهات أبرزها تلك التي تُنهي حالة التشرذم والتشتت في مجلس نواب الشعب وتؤدي إلى انتخابات تشريعية تُفرز حزبا أو ائتلافا انتخابيا فائزا بعدد مقاعد تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده وتحمل مسؤوليته في الحكم أو في أقصى تقدير يُضطر للتحالف مع حزب أو ائتلاف آخر.

وبعد تنقيح القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 في ذلك الاتجاه عبر الترفيع في العتبة الانتخابية بدرجة أساسية وما تبعه من رفض الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ختمه ونشره في الرائد الرسمي لتفعليه لما تنتجه بعض التقيحات خاصة تلك المتعلقة بشروط الترشح من إقصاء لمنافسي النهضة ويوسف الشاهد في الانتخابات، عادت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين الانتخابية والبرلمانية بمجلس نواب الشعب في الفترة الأخيرة الى العمل على تنقيح القانون الانتخابي مرة أخرى.

وباعتبار ان تعديل العتبة الانتخابية المُحددة حاليا في القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء بـ3% محل خلاف بين الأطرف السياسية شأنها شأن عدد من النقاط المطروح تنقيحها كإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية وتغيير النظام الانتخابي وغيرها من المسائل التي يُطلق عليها الفصول ذات البُعد السياسي في القانون الانتخابي، فقد اعتمدت لجنة النظام الداخلي منهجية تتلخص في الانطلاق بمناقشة التعديلات المطروحة على ما يُسمى بالفصول التقنية التي لا تُحدث خلافات كبيرة بين مكونات البرلمان وممثليهم في اللجنة ومن ثم المرور الى الفصول السياسية.

وهو ما حصل، حيث صوتت لجنة النظام الداخلي على قرابة 70 فصلا يتعلق بجوانب تقنية من بين 80 فصلا مطروح تعديله في القانون الانتخابي وستنطلق خلال الفترة المقبلة في مناقشة مقترحات تنقيح الفصول ذات الطابع السياسي والتي تشمل تغيير النظام الانتخابي المتمثل في الأغلبية النسبية مع اكبر البقايا المطروح تغييره الى نظام يحافظ على التنوع وتمثيلية للمعارضة داخل البرلمان لكن دون إفراز التشتت الذي تسبب في أزمات سياسية في السنوات الأخيرة.

إلا ان ابرز التنقيحات المنتظر مناقشة إدخالها على القانون الانتخابي، هي الترفيع في العتبة التي يقرها القانون الانتخابي الحالي في نسبة 3 % والمطروح تعدليها باعتماد عتبة بـنسبة 5 % و حتى 7% على مستوى الدوائر الانتخابية و3 % على المستوى الوطني بالاضافة الى اعادة النظر في إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية على قاعدة تحيين معطيات التعداد السكاني وما سيُفرزه من تغيير في عدد النواب.

وباعتبار ان تغيير العتبة الانتخابية اهم نقطة مطروح تعديلها في القانون الانتخابي، فقد قامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعملية محاكاة على الانتخابات  التشريعية لسنة 2019 باعتماد عتبة بـنسبة 5 %على مستوى الدوائر الانتخابية و3 % على المستوى الوطني، ووفق ما اكده رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون لـ”الجريدة المدنية” فقد افرزت عملية المحاكاة عن فقدان عدد كبير من العائلات السياسية المتواجدة حاليا بمجلس نواب الشعب لمقاعدها ليتقلّص من 32 عائلة سياسية حاليا إلى 7 عائلات سياسية كبرى..

كما أفضت عملية المحاكاة على نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2019 التي قامت بها هيئة الانتخابات، وفق ما أفاد به رئيسها نبيل بفون، الى ان الأحزاب الممثلة اليوم في البرلمان بـ 4 مقاعد أو أقل لن تتمكن في حال اعتماد عتبة بـنسبة 5 %على مستوى الدوائر الانتخابية من التحصل على مقاعد برلمانية، كما ذكر ان 88% من القائمات المترشحة في الانتخابات التشريعية لسنة 2019 لم تتحصل على أي مقعد فيما لم تصل 84% من القائمات الى عتبة 3% لكنها تحصلت على مقاعد في البرلمان بأكبر البقايا.

فقدان النائب المستقيل لمقعده وسحب صلاحية الدعوة

بين طيات مقترحات تعديل القانون الانتخابي للخروج من حالة التشتت والمشهد الفسيفسائي الذي تفرزه العتبة والنظام الانتخابي الحالي، تتضمن المبادرات التشريعية لتنقيح القانون الاساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء مقترح تعديل تحت مسمى القضاء على السياحة الحزبية والبرلمانية والذي أثار جدلا كبيرا خلال مناقشة تضمينه في الفصل 45 من مشروع النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب.

حيث ستناقش لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين اخرى مرة أخرى التنصيص في القانون الانتخابي على فقدان النائب المستقيل من كتلة الحزب او الائتلاف الذي ترشح باسمه في الانتخابات التشريعية لعضويّته في البرلمان، إذ تضمنت احدى المبادرات التشريعية التي تناقشها لجنة النظام الداخلي مقترحا لتنقيح الفصل 39 من القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء بالتنصيص على انه “إذا استقال عضو مجلس نواب الشعب من الحزب أو القائمة أو الائتلاف الانتخابي أو الكتلة البرلمانية الذي ترشح تحت اسمه فإنّه يفقد آليا عضويته في المجلس ويؤول الشغور في كل ذلك إلى المترشح الذي يليه في القائمة التي ترشح عليها”.

مقترح تنقيح آخر من المنتظر ان  يُحدث خلافا حادا لما يستبطنه من تحجيم صلاحيات رئيس الجمهورية بتعلّة التخوف من توجه مُشابه للإمتناع عن ختم مشاريع القوانين التي يُصادق عليها البرلمان، إذ تطرح مبادرتين تشريعيتين تنقيح الفصل 101 من القانون الانتخابي لسحب صلاحية دعوة الناخبين للاقتراع من طرف رئيس الجمهورية وإحالتها الى رئاسة الحكومة أو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

ويتمثل مقترح التنقيح الاول للفصل 101 في التنصيص على انه “تتمّ دعوة الناخبين بقرار من الهيئة العليا المُستقلة للانتخابات في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء”، فيما ينص مقترح التنقيح الثاني على انه “تتمّ دعوة الناخبين بأمر حكومي (…)” وينسحب مقترح التنقيح كذلك على الفصل 113 من قانون الانتخابات في إتجاه التنصيص على انه “تتم دعوة الناخبين إلى الاستفتاء بأمر حكومي يُلحق به مشروع النص الذي سيُعرض على الاستفتاء”.

الإشراف على انتخابات المنظمات الوطنية

مقترح آخر تضمنتها إحدى المبادرات التشريعية التي تناقشها لجنة النظام الداخلي بالتنصيص على ان هيئة الانتخابات هي التي تُشرف على انتخابات المنظمات الوطنية بإضافة فصل 3 مكرر ينص على انه “تختصّ الهيئة بالإشراف على الانتخابات الدورية لكل الأحزاب السياسيّة والهيئات المهنية والجمعيّات والمنظمات التي تتحصّل على تمويل عمومي والتي يفوق عدد منخرطيها 1000 منخرط”.

وهو مقترح فصل تحفّظ عليه رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون خلال الاستماع له صلب لجنة النظام الداخلي بخصوص تنقيح القانون الانتخابي، حيث اعتبر بفون أن إسناد صلاحية الإشراف على انتخابات المنظمات الوطنية والاحزاب السياسي في حال تم إقرار تمكينها من التمويل العمومي من شأنه أن يمسّ من حياد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

Skip to content