مقالات

زيارة سامي أبو زهري الى تونس:

بين محاولات الاستثمار السياسي النهضاوية وانحياز القوى والمنظمات الوطنية والتقدميّة للموقف المبدئي من الحق الفلسطيني

خليفة شوشان،
صحفي.

شكلت زيارة الناطق باسم حركة حماس الفلسطينية سامي أبو زهري حدثا وطنيا بامتياز يأتي في سياق حالة المساندة غير مسبوقة والإجماع الشعبي الذي عرفه الشارع التونسي رفضا للعدوان الصهيوني الأخير على الشعب الفلسطيني اثر انتفاضة فلسطيني الداخل رفضا لتهويد «حي الشيخ جرّاح» وصولا إلى الصدامات في الضفّة والقصف الوحشي الذي تعرّض له قطاع غزّة. ولكن هذه الزيارة لم تمرّ دون أن تخلّف جدلا داخل الساحة السياسيّة التونسييّة ومثلت مادة خصبة لمزيد تعميق الأزمة السياسيّة الداخليّة بين المكونات السياسيّة مؤسسات وأحزابا.

أبو زهري يرتب لزيارة هنية

أكّد سامي أبو زهري في أغلب مداخلاته الاذاعية والتلفزية وخلال المؤتمرات الصحفية التي نظمها على أن زيارته الى تونس تأتي تعبيرا عن تقدير المقاومة للموقف التونسي الرسمي والشعبي إلى جانب القضية الفلسطينية والمقاومة وتأكيدا على صمود الشعب الفلسطيني وفي اطار دعوة المكونات السياسية والشعبية في تونس لتوفير حاضنة شعبية لإسناد صمود الشعب الفلسطيني وإعطاء رسالة مفادها أن فلسطين ليست وحدها في مواجهة العدو الصهيوني.

وأوضح أن هذه الزيارة تأتي في اطار الترتيب لجولة من الزيارات من المنتظر أن يقوم بها رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية لشمال إفريقيا وخاصة لمنطقة المغرب العربي وأنهم في انتظار موافقة الجانب التونسي لبدء هذه الزيارة. مع العلم أن اسماعيل هنيّة سبق له وان زار تونس عام 2012.

محاولات توظيف نهضاوية لترميم صورتها الداخليّة

لكن هذه الزيارة شكلت مناسبة لاثارة جدل قديم جديد وتذكية حالة الصراع السياسي الذي تشهده الساحة السياسية ولان اتفق الجميع وتوحدوا على رفض العدوان على الشعب الفلسطيني فقد اختلفوا في قراءة اللحظة التاريخيّة التي تمربها القضية، فمن خلال استقراء مواقف الأحزاب السياسية والتفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي برز منذ الاعلان عن الزيارة توجه من طرف بعض قيادات حركة النهضة وقواعدها ومستنسخاتها السياسية

مثل ائتلاف الكرامة عبرت عنه بكل وضوح عن الرغبة في توظيف هذه الزيارة للاسثمار الايديولوجي المتمثل في التركيز على الانماء الاخواني لحرة حماس واختزال المقاومة الوطنية الفلسطينية في اسلامييها والاستفادة القصوى من حالة الاجماع الشعبي التونسي على دعم المقاومة الفلسطينية لترميم صورتهم السياسية المهترأة والتخفيف من عزلتهم السياسية وتقلص شعبيتهم بالتمسّح على «بنادق المقاومين» والسطو على منجزهم البطولي. ولعلّ تصريحاتهم وما نشرته صفحاتهم حافل بالشواهد على ذلك ومحاولة تلبيس الأمور في أذهان التونسيين بقيامهم بعملية مماهاة مضلللة بين الموقف من المقاومة الفلسطينية والموقف من حركة النهضة ومشتقاتها ومن التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، بل لعلّ بعض الغلاة وظّفوا الزيارة لتصفية الحسابات مع خصومهم السياسيين فاستغلوا تعذّر لقاء رئيس الجمهورية مع ممثل حماس لنسج اشاعات عن رفضه للزيارة وخضوعه لاجندات فرنسية تعتبر حركة حماس» تنظيم ارهابي وشككوا في موقفه من السابق الذي اعتبر «التطبيع خيانة». ولو كان الأمر توقف عند هذه الحدود لاعتبرناه تسرعا في الاستنتاج ولكن حظ القوى والاحزاب والمنظمات الوطنية التي اسقبلت ممثلة حركة حماس ونذكر بالأخص التيار الديمقراطي وحركة الشعب وحزب العمال والاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين لم يكن أفضل فقد اتهمت من الصفحات الاخوانية بالانتهازية والاستثمار السياسي، فكيف لها أن تلتقي ممثل «المقاومة الاسلامية الاخوانيّة» بنظرهم في حين تتخذ مواقف سياسية مناهضة لحركة النهضة الاخوانية؟.

الاحزاب والمنظمات الوطنية ودعم مبدئي للمقاومة الفلسطينية

على الخلاف من هذه النظرة السياسية الساذجة للمقاومة الفلسطينية بقط النظر عن خلفياتها وعن عملية الاستثمار الرخيص للزيارة، كان موقف القوى والمنظمات الوطنية التقدمية والديمقراطية على غير ما ارادت حساباتهم ومثلت فرصة مناسبة للفرز الحقيقي والتأكيد على أنّ بوصلتهم الفكرية والسياسية أرقى من أن تنزل الى مستوى ممارسة الأحقاد الايديولوجية المرضية وتصفية الحسابات السياسية وأن التعاطي مع القضية الفلسطينية يتطلبا تطهرا من أدران الانتهازية والاستثمار في المعارك الداخلية مؤكدة مرّة اخرى موقفها المبدئي الثابت والذي سبق أن عبرت عنه أن فصائل المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية باختلافات مرجعياتها الاسلامية او القومية او اليسارية تبقى عنوانا لحركة التحرر الوطني الفلسطينية مادامت بنادقها موجّهة ضدّ العدوّ الصهيوني وسيدعمها جميع الشرفاء والأحرار في العالم فما بالنا بالوطن العربي، وسيتم التعامل مع الاختلافات والخلافات الايديولوجيّة معها بأقصى درجات الوعي النقدي وسيؤجل الخوض فيها حتّى ينجلي غبار المعارك. مع التأكيد أنّه كلّما انحرفت بوصلة بنادقهم وفرفرت إلى الخلف مستهدفة أبناء الوطن في فلسطين أو لبنان أو وظّفت خدمة لاجندات اقليمية تركيّة او ايرانيّة في سوريا أو في العراق سيتم ادانتها بلا تردد وفضح اصحابها وتعرية أجندات من يقف وراءها. خدمة للقضية الوطنيّة الفلسطينية وللحقّ الفسطيني الذي تتداول على مذبح الكفاح من اجله الفصائل السياسية قوّة وضعفا صعودا ونزولا بحسب السياق الوطني والعربي والاقليمي والعالمي الذي تعيشه ويؤثر في فعالياتها الداخلية. لذلك أعتبر أن التعالي على الخلافات الثانوية الذي تعاملت به القوى والمنظمات الوطنية التونسية والتركيز على الهدف الموحد الاستراتيجي المتمثل في دعم الموقف المقاوم الفلسطيني بقطع النظر عن لونه وارتباطاته واسناده واسناده في وجه الكيان العنصري البغيض لضمان مواصلة الاشتباك مع العدو هو المحدد والجوهري في الموقف وما دونه إسفاف وطفولية سياسية ومراهقة ايديولوجية واسقاطات تضر بالحق الفلسطيني. بل لعلني وبالرغم من غبار الجدل المفتعل الذي أثارته صور لقاءات رموز الأحزاب والمنظمات الوطنية والتقدميّة مع ممثّل حركة حماس، فإنّني على يقين أنّ الرسالة قد وصلت ومثّلت خازوقا غير متوقّع لقطعان الحقد المنظم ومادينات الدعاية الاخوانيّة في تونس، وأنّ خلاصة الدرس التونسي خلال الزيارة ستساهم دون شكّ في مزيد تصحيح مسيرة المقاومين ورصّ صفوفهم وفهمهم لما يعتمل من وعي على الساحة العربيّة والتونسية وتصويب بوصلتهم في اتجاه حسم التناقض الذي يعيشونه بين حقيقة الميدان الذي تؤكد حتميّة الانتصار بالأوطان وللأوطان وبين وهم الانتصار للطائفة والجماعة الذي يصبّ في الحساب الختامي لمصلحة الصهاينة والقوى الطامعة الاقليمية بل ويخدم أخطر استراتيجياتهم في مزيد التفكيك والتجزيء لحاضنة المقاومة الطبيعية واذكاء الصراعات الداخليّة العربية العربية التي تضعف في الحساب الختامي الموقف الفلسطيني.

أبو زهري يكذّب الاشاعات ويؤكد على وطنية القضية

يقيني يأتي بعد الاستماع الى الحوارات التي أجراها ابو زهري خلال زيارته حيث لمست في اجاباته وعيا دقيقا (على الأقل ظاهريا) بحجم المسؤولية الوطنيّة التي تنتظر حركة حماس باعتبارها كبرى حركات المقاومة المسلحة وتنبها لواقع الحصار والعزلة التي يعيشها اخوانه في تونس سياسيا وشعبيا وبرغبتهم في الاستفادة من الرصيد النضالي للحركة وتوظيفه لحساباتهم السياسية، فكان حاسما بلا مجاملة في تكذيب ونفي الاشاعات التي تنشرها الصفحات الاخوانيّة حول رفض رئيس الجمهوريّة استقباله بل والتمس له الأعذار، والأهمّ من ذلك اصراره على تعريفه «المقاومة» بكونها «حركة حرر وطني فلسطينية» لا باعتبارها حركة مقاومة فلسطينية كما يروّج الحمقى وقصيري النظر.

حماس بين التخلص من الثوب الاخواني وطرح نفسها بديلا عن فتح

بكلّ بساطة ما استخلصته من هذه الزيارة أن حركة حماس تحاول أن تتحرّر من ارث الاخوان خلال العشريّة الدمويّة الأخيرة ومن أخطائها في سوريا التي احتضنتها لعقود وحمت قياداتها وتورطها في «أجندا» الاخوان وتركيا (كأخطاء حزب الله في العراق خاصة) وتسعى الى طرح نفسها كطرف مفاوض فلسطيني. لذلك سعى أبو زهري إلى لقاء كل القوى

السياسية والمنظمات الوطنية التونسية دون استثناء وأصرّ في كلّ تصريحاته على التحدث بخطاب جامع فلسطيني وبعبارات منتقاة بعناية ابعد ما يكون عن الخطاب الاسلاموي، بل لعلّ أغلب تصريحات قيادات حماس اثر العدوان أكدت على الاشادة والتنويه بالدور المصري (هنيّة) والسوري والايراني وحزب الله (اسامة حمدان) في سعي منهم للتمايز والخروج عن خندق الاستقطابات الاقليمية والطائفية التي لطالما سعى الاخوان الى تكريسه على مدى عشر سنوات. في فهم دقيق للمتغيرات العربية والاقليمية والدولية ولللمصالحات الأخيرة.

إنهاء الانقسام وتوحيد الموقف الفلسطيني

بقي لا بدّ أيضا من الاشارة على أن حركة حماس تحاول اليوم استثمار الانتصار -على الأقل الرمزي- الذي حققته المقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني في المعركة الأخيرة لتطرح نفسها بديلا سياسيا داخليا عن حركة فتح التي تنخرها الخلافات وطرفا مفاوضا مستقبليا معترف به عربيا واقليميا ودوليا. وهو الامر الذي لم يكن خافيا على الأحزاب والمنظمات الوطنية في تونس والتي كان موقفها واضحا غير مجامل بالتأكيد على حماس بضرورة ترميم الجبهة الداخلية الفلسطينية وانهاء حالة الانقسام والانطلاق في حوار مباشر بين الفصائل لاستعادة الوحدة الفلسطينية وانعاش وتديد منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لعموم الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المهاجر، وأن شراكة الدم التي تجسدت أثناء العدوان في الغرفة العسكرية المشتركة لفصائل المقاومة يجب أن تستكمل بوحدة القيادة ووحدة الموقف والبرنامج لضمان كل ممكنات الانتصار واستعادة الحق الفلسطيني.

Skip to content