مقالات

شجرة التعليم وأسئلة المستقبل

فطين حفصية
صحفي

ينتهي العام الدراسي بعد أيام قليلة بإعلان نتائج كل الاختبارات الوطنية وعلى رأسها الباكالوريا “أم الامتحانات”، بعد الإفصاح عن نتائج الدورة الأولى، حيث مازال للمدرسة التونسية والتعليم العمومي نوع من القداسة المجتمعية وإن تلاشت في جزء منها عدة نواح ترميزية كمفهوم المصعد الاجتماعي وتكافئ الفرص والتعليم الشعبي الذي يصلك حيثما كنت ووقت ما تشاء.

الأهم في هذه الفترة هو إعادة عدد من الفاعلين التربويين زخم النقاش حول المدرسة التونسية ومنظومة التعليم بكل حلقاتها المختلفة وخصوصا البناء المؤسساتي والتفكيري عبر مشروع المجلس الأعلى للتربية والتعليم والتكوين الذي تمت دسترته في الفصل 135 من دستور 25جويلية 2022 وهو نقاش من المفترض أن يكون استراتيجيا لتعلقه بـ”معركة مجتمعية” مشتركة لأجل المستقبل.

ينص الفصل الدستوري المتعلق بهذه المؤسسة على أن “يتولى المجلس الأعلى للتربية والتعليم إبداء الرأي في الخطط الوطنية الكبرى في مجال التربية والتعليم والبحث العلمي والتكوين المهني وآفاق التشغيل. يضبط القانون تركيبة هذا المجلس واختصاصاته وطرق سيره” كما ناقش مجلس وزاري مضيق بتاريخ 16ديسمبر 2022 وبحضور وزارات ومصالح تنفيذية معنية إعداد مشروع المرسوم المنظم لهذا المجلس.

 ومن المهم التذكير في هذا الإطار أن مسار إحداث هذا المجلس موجودة في القرار التربوي التونسي منذ أكتوبر 2011 حين تم الإعداد لوثيقة المخطط الاستراتيجي لإصلاح التعليم العالي والبحث العلمي للعشرية الممتدة من 2015 إلى 2025 والمصادقة عليها في شهر جانفي 2015 مع اختلاف بسيط يتعلق بالتسمية حيث اختار المشاركون وقتها تسمية المجلس الأعلى للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني والتشغيل.

أما إذا أخذنا بـ”تاريخية” فكرة هذا المجلس على اختلاف التسميات فسنجدها استنادا إلى المختصين قد انطلقت منذ فجر الاستقلال وتحديدا في العام 1958 ثم تم تداولها في الأعوام 1971 و1987 وهي محطات مهمة وإن لم يكتب التنفيذ لهذا المجلس في تأكيد قناعة الفاعلين التربويين بضرورة وضع إطار جامع يعمل على تقديم التصورات المتعلقة بالتربية والتعليم والقيام بجملة ” مراجعات ” تفرضها التكنولوجيا والبيداغوجيا.

عودة النقاش هذه حول هذا المجلس الحيوي تستدعي طرح جملة من الأسئلة التوضيحية أهمها : 

– هل لهذا المجلس دور استشاري بحت أم تقريري ومن يحدد تركيبته؟ 

– كيف ستكون علاقته بوزارة أو وزارات الإشراف المتصلة به وبأعماله؟

– ما المأمول منه في ظل المناخ التربوي المتأزم من حيث البنية التحتية ووسائل العمل؟ 

وأخيرا وهذا الأهم كيف سيتم تجميع كل الفاعلين التربويين نحو التعاطي مع أزمة إصلاح مأمولة يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي والثقافي والاقتصادي والبيداغوجي والتربوي والنفسي أي باختصار ماهي آليات التحرك داخل هذه البنية المتشعبة والعنكبوتية لأجل مجلس ممثل للجميع ومراع لكل الخصوصيات؟ 

الآجل والعاجل

تستدعي الرؤية التأسيسية المؤسساتية لهذا المجلس بشكل مستعجل أقصى ما يمكن من “الشراكة” بين جميع المتداخلين في المنظومة التربوية وأساسها التلميذ أو المتلقي والمربي فالمؤسسة التعليمية بما تحمله من تعدد تمثيلي، وعبر هذه الشراكة يمكن مس القضايا التعليمية الجوهرية وطرح الأفكار والبدائل والحلول وذلك بعد الأخذ بعبر عمليات الإصلاح التعليمي الواسعة التي عرفها التاريخ التربوي التونسي الحديث بداية من العام 1958مرورا بنهاية السبعينات  نهاية بـ1991 وصولا إلى  2002  وأخيرا حضيرة الاصلاح المرتقبة في العقد الثاني من القرن الجديد.

سيكون لتركيبة المجلس الدور المفصلي في تحديد “خطه التربوي” الذي يجب أن ينبني على فلسفة تربوية تراعي الحداثة الأصيلة والتنوير من ناحية ومقومات التعليم الفعال من ناحية أخرى فمراجعة البرامج والمحتويات الدراسية في كافة المجالات التربوية والاختصاصات التعليمية باتت مطلبا يتجمع حوله كل الفاعلين وتقييم كل عملية تجديد تربوي بشكل دوري سيمكن من تدارك أي خطإ أو تقويم أي اعوجاج.

ومن الضروري بناء علاقة أفقية بين المجلس ووزارات الإشراف والمصالح المتدخلة ومكونات المجتمع من منظمات وجمعيات وشبكات تعمل في المجال التربوي والتكويني حتى يكون التواصل سلسا والتشاور مرنا وإيجاد احتياجات المنظومة التربوية سهلا، فيكون بذلك القرار تشاركيا جماعيا والنتيجة مأمولة وإن تم عكسها يتسارع التدارك ويسهل تطعيم أي هشاشة بنيوية أو وظيفية.

لابد أيضا من “ثورة” في البنية التحتية التربوية التي تعاني مظاهر إعضال وشيخوخة لا تجد عسرا في ملاحظتها في المدارس والإعداديات والمعاهد ومراكز التكوين. ففي بيئة تربوية مهترئة لا يمكن الحديث عن أي تطوير واصلاح كما تستدعي هذه المنشآت تحديد خارطة تربوية تقدم الأهم على المهم للوصول إلى مؤسسات تعليمية لا فوارق بينها، وعبر ذلك يمكن إعادة “الحياة” لما يعرف بالحياة المدرسية عبر الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية بأنواعها وكشف ما يختزنه الفضاء الدراسي من مواهب ومكنونات.

أما على المدى المتوسط فلا بد من اعتماد مقاربة اجتماعية مادية شبيهة بالتجارب المقارنة الناجحة عبر تعزيز مكانة رجال التعليم والتربية – على اختلاف تصنيفاتهم وأدوارهم – المادية والمعنوية حتى يمكن تقديم كل الضمانات الاجتماعية والبيداغوجية والنفسية لأداء رسالتهم والقيام بأدوارهم بعيدا عن “الضغط المطلبي” الدوري الذي أصبح بدوره مكبلا للمجهود التعليمي باعتبار أن رجل التعليم يجب أن يعمل في بيئة مهنية ملائمة تراعي كل حاجياته وتبعده عما يسمى بالظروف التربوية المأساوية.

إن استقدام البدائل التربوية والتعليمية لا يجب أن يكون محل سرعة بقدر ما هو تسريع فكل “زمن تعليمي” تخسره المجموعة الوطنية سيكون مكلفا عليها وعلى الأجيال القادمة فالتعليم هو جواز السفر للمستقبل، والغد ينتمي لأولئك الذين يعدون له اليوم، فإن فوتنا هذا اليوم فوتنا ما تبقى.

Skip to content