مقالات

طبخة الرئاسة والساعة صفر

فطين حفصية
صحفي

خالفت ندوة أكاديمية فكرية نقاشية لائتلاف صمود بداية الأسبوع الجاري صرامة المحاور المطروحة للتداول عبر شخصيات كانت فاعلة في المحطة السياسية الأبرز في البلاد بعد ثورة 14/17 وهم تباعا العميد الصادق بلعيد وأستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ والمفكر يوسف الصديق والخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق حسين الديماسي حين ” فجر” منسق الائتلاف حسام الحامي مفاجأة في ذروة البهتة السياسية المتراكمة في البلاد منذ أشهر بالقول إن “الائتلاف بصدد إعداد مبادرة سياسية يتمخض عنها مرشح واحد للانتخابات الرئاسية القادمة في تونس المرتقبة في 2024 ليكون ممثلا عن الأحزاب التقدمية الديمقراطية وذلك لتجنب أخطاء انتخابات 2019 وتشتت الأصوات”.

تابع منسق الائتلاف في تصريحه المقتضب أن”المبادرة ستكون جاهزة خلال الأسابيع القادمة ليتم اختيار المرشح وفق شروط موضوعية وعلمية تستخلص من دروس الماضي على أن تقدم بشكل رسمي ومستفيض مع العودة السياسية القادمة”.

ومن هنا يمكن تقديم جملة قراءات لما بين سطور هذا التصريح ” الخطير” واستشراف ما يمكن توصيفه ب “طبخة الرئاسة ” القادمة إن تم ما يقوله منسق الائتلاف وكتب ل”شعب الانتخابات” الذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد أو تجديد الثقة في رئيس الجمهورية قيس سعيد لولاية ثانية.

أولا جاء التصريح في وقت تبدو فيه الأحزاب السياسية التونسية – الفاعلة – في إدارة الشأن العام والتأثير فيه تعيش مأزقا تاريخيا حقيقيا منذ ما قبل 25جويلية لتنضاف إليها متاهة ما بعد الروزنامة السياسية التي مضي رئيس الجمهورية وبأقصى درجات السرعة في ترتيبها كأمر واقع.

ثانيا تبدو هذه “الطبخة الرئاسية” وقد وضعت على نار غير بطيئة لأن عامل الزمن سيحكمها في حال الالتزام بموعد الانتخابات الرئاسية القادمة في خريف العام القادم، فلا بد للأطراف المتبنية لها من مكونات مدنية وأحزاب وشخصيات وطنية وفاعلين في الشأن السياسي أن يتقاطعون سريعا حول “العصفور الرئاسي النادر” الذي من المنتظر أن يكون المنافس رقم 1للرئيس قيس سعيد الذي قرر وبوضوح مواصلة ” تحمل الأمانة” حسب صريح تصريحه.

ثالثا تضع الاصطفاف الحالية والتشرذم المواقعي لجملة أحزاب تحسب على العائلة الديمقراطية مسألة تقريب المسافات وهدم سوابق الاختلاف الانتخابي السابقة في وضع صعب جدا خصوصا وأنها بعد كل التجارب الانتخابية “الصفرية” السابقة مازالت وفية لتقاليدها في البقاء بشكل فردي حزبي ضيق في “سوق عكاظ الأحزاب” دون أن تتعلم إلى الآن ضوابط العمل الائتلافي أو الجبهوي في فترات المآزق السياسية الحقيقية سواء صلبها أو خارجها أو في محيطها .

رابعا يظهر “المسح الحزبي” لانتخابات 2019 أن 12 مرشحا من المحسوبين على العائلة الديمقراطية شتتوا نحو مليون ومائتي ألف صوت وأن لملمة هذا الجسم الانتخابي المشتت لصالح مرشح واحد. يبدو أمرا صعب المنال في ظل انحدار الثقة في الفاعلين السياسيين وحالة العزوف العامة التي سجلتها المحطات الانتخابية الدورية والتي بلغت أقصاها في آخر محطة بما يقل عن 12% من مجموع ال 9 ملايين مسجل.

خامسا من سيحدد الساعة صفر لإطلاقها ومكان إعلانها وحيثيات عرضها ولو أنه تم التصريح بهامشها الزمني المرتقب الخريف القادم.

سادسا وأخيرا وفق أي آليات وضوابط سيتم النقاش لإنجاز مبادرة المرشح الواحد ووضع الشروط الموضوعية والعلمية الدقيقة لتجنب سيناريوهات الولادة الميتة لأي مشروع سياسي بهذا الحجم وهنا تطرح مجموعة أسئلة : 

–  هل بآليات فرز تأخذ بضرورة إبعاد ما يعرف بالوجوه القديمة ولو كانت تتوفر على أعلى درجات العمل الديمقراطي ؟ أم بإعادة تدوير أحد هذه الوجوه الديمقراطية لكن برؤية وفعل جديدين؟ 

– هل يمكن التنازل عن مرض ” الزعاماتية ” الشخصية والسياسية والحزبية والتخندق الإيديولوجي لصالح البراغماتية المطلوبة في مثل هذه الاستحقاقات خصوصا أن تجربة المرشح الراحل الباجي قايد السبسي وما تلاها من التقاء الخطين المتوازيين مازالت ماثلة وعهدها غير بعيد ؟ 

– ماهو الشكل التنظيمي الذي ستتخذه هذه المبادرة مركزيا وجهويا ومحليا وخارجيا إن كتب لها الالتقاء حول مرشح واحد؟

وأخيرا هل تكفي بعض المراجعات التي تمت وإن باحتشام في عدد من الأحزاب المحسوبة على الخط الوسطي والديمقراطي لخروجها سريعا معافاة من أمراض ثقة الشارع المتردد وتآكل رصيدها الانتخابي والوصول إلى تحديد السقف الأدنى للمشترك الوطني؟

إن هذا المرشح المؤجل إلى حين التوافق على المبادرة وخطوطها العريضة قد يخلق نوعا من “التشويش” على مبادرات أخرى أو يسير بالموازاة معها حين يتم الإفصاح عنها في الوقت المناسب وهذا أمر لابد من التفطن إليه قبل الذهاب فيها لأن الفائدة في البدايات فإذا كانت خاطئة فإنها حتما ستقود إلى نهايات أكثر خطأ وذلك الدرس الذي لم تستوعبه تجارب الماضي. 

Skip to content