مقالات

محفظة العلاقات التونسية الليبية… وزن الحمل

فطين حفصية
صحفي

تطفو في كل مرة أجسام كلامية ووقائع على سطح الأحداث التونسية الليبية تخفي في عمقها علاقات متحورة صعودا ونزولا منذ 2011، وتسارع بعدها سلطتا البلدين أو أحداهما عادة حال حدوث طوارئ سياسية أو اقتصادية أو إعلامية إما إلى توضيح “خلاف الإخوة” أو نفيه تماما أو تسييج مساحات التوتر ولملمة الأمور قبل أن تكبر كرة الثلج.

أحدث ما جد مؤخرا هو نفي إدارة الاعلام والاتصال بحكومة الوحدة الوطنية الليبية ما تم تداوله في بعض وسائل الاعلام من أخبار “غير صحيحة تتعلق بتوجيه رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة خطابا غير لائق  إلى السفير التونسي بطرابلس الأسعد العجيلي ومنه إلى تونس”  في لقاء حضره  آمر مكافحة الارهاب بليبيا اللواء محمود الزين وهو أمر يخرج عن العرف الديبلوماسي المتداول.

البيان الحكومي الليبي اعتبر أن ذلك يهدف إلى “التشويش على العلاقات المتميزة بين ليبيا وتونس وهو ما تسعى إلى الترويج إليه بعض الأطراف المغرضة” دون تسمية هذه الأطراف التي هي خارجية بالتأكيد حسب التصريحات المتواترة لجزء من الفاعلين السياسيين في رقعة الحكم الليبية المتباينة  ورغم استعمال الجانب الليبي كل أدوات التلطيف الديبلوماسي مقابل الصمت التونسي الرسمي المتعمد فإن إعادة إنتاج الأزمات ظلت تلاحق تونس مع ديمومة الخلافات الليبية الليبية  رغم محاولاتها الدائمة منذ  نهاية 2011  البقاء فوق شجرة الأحداث في هذا البلد.

عند  تتبع كرونولوجيا الأحداث الأخيرة لا يمكن إغفال الفصل الجديد الذي مرت به العلاقات التونسية الليبية منذ تزكية البرلمان الليبي لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة بداية مارس2021  بعد نيلها تفويض 75 مندوب اجتمعوا بشكل ماراطوني في تونس وجينيف تحت مظلة أممية ويمكن هنا الأخذ ب 4 تصريحات وأحداث “شائكة “.

فبعد 5 أشهر فقط عن تولي مهامها طفحت بقعة زيت سوداء فوق المياه الراكدة أصلا مع حكومة الوفاق الوطني السابقة بقيادة فائز السراج،  إذ  وجه الدبيبة بشكل غير متوقع  تهما مباشرة إلى تونس تتعلق بما سماه “تصدير الإرهاب” نحو بلده  و”استغفال الشعب الليبي” وهي أمور سارع الجانب التونسي إلى الاستغراب منها ورفضها واعتبارها مجانبة للحقيقة، ما دفع به إثر ذلك  إلى الذهاب بشكل سريع نحو تونس ولقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد لـ”وضع النقاط على الحروف”،

وإن وصفت الزيارة  وقتها بالمثمرة فإن غيوم الشك بقيت تحوم بين طرابلس وتونس لتعقد مسالك الأزمة الليبية واختلاط أوراقها الإقليمية والدولية بالتزامن مع اختلاط الأوراق السياسية في تونس منذ 25 جويلية.

لم يدم “الصبر” الحكومي الليبي عن تونس كثيرا ففاجأ الدبيبة مرة أخرى المتابعين بالقول في كلمة له أثناء ورشة عمل حول الشراكة بين القطاع العام والخاص في ليبيا في الثلث الأخير من شهر أكتوبر الماضي إن “تونس من بين الدول التي تحايلت على الليبيين وبنوكها استولت على أموالهم” ومرة أخرى وصفت دوائر ليبية التصريحات بـ”المتهورة”  وذهب  المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء محمد حمودة  إلى التدارك مجددا وجر أقوال رئيسه المباشر نحو مربع سوء الفهم والتشويه باعتبار أن المقصود هو الأموال الليبية المجمدة في تونس وضعف القطاع المصرفي الليبي.

ثالث الأضلاع لتموج العلاقات السياسية منذ مدة هو تقبل الأطراف الليبية الوازنة منعرج الفصل 80 وإعلان التدابير الاستثنائية بتباين جديد بين التأييد المطلق لرجل الشرق خليفة حفتر ومعارضة رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري لدواعي التقاء إيديولوجي وعقائدي معروفة المستجد الآني في تونس مقابل ترك طرف “رسمي” ليبي رئيسي في المطبخ الديبلوماسي الدولي مسافة ووقتا للاستطلاع قبل مسايرة الأمر كفعل واقع يجب العمل معه بدل ما يعتبره حيادا إيجابيا.

رابع المعطيات المهمة الآن في مربع توليد الأزمات بالنسبة إلى تونس هو عودة “صداع” تعدد رؤوس الحكم في البلاد وكيفية مجاراة سباق السلطات هناك، فما إن نالت حكومة رجل مصراطة القوي فتحي باشا آغا ثقة البرلمان مفتتح مارس الماضي حتى أصبحت تونس أمام حتمية التعامل مع حكومة الاستقرار بقيادة آغا وحكومة التصريف بقيادة الدبيبة وما يتطلبه ذلك من ترك مسافة آمان حتى لا تحسب لها أو عليها أي نقاط سياسية في عداد الحاكمين في ليبيا.

ورغم تعويل الديبلوماسية التونسية على تحصين مواقع محافظتها على نفس المسافة من الفرقاء الرئيسيين في الغرب الليبي فإن تقارير ليبية منشورة تتحدث عن “ضغط” الدبيبة على السلطات التونسية باتجاه السيطرة على المنافذ الحدودية المشتركة عبر التنسيق الثنائي الدائم مع حكومته لقطع الطريق أمام غريمه الجديد القديم للعودة إلى طرابلس والحكم من “بوابة” تونس، كما تابعت التقارير نفسها أن رئيس حكومة الوحدة وطنية 1 ينظر إلى وجود آغا بتونس على أنه قيادة غير مباشرة لحكومة منفى رغم رفع هذا الأخير “الحرج” التام  بعد عقد حكومته قبل ثلاثة أيام أول اجتماعاتها الوزارية في مدينة سبها عاصمة إقليم فزان بالجنوب الليبي.

ديبلوماسية اللحظات الأخيرة  

وردت تقارير صحفية غير رسمية من طرابلس عن اعتزام رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة القيام بزيارة “طويلة” إلى تونس على رأس وفد وزاري واستثماري وأمني وعسكري رفيع في أقرب وقت ما عد تكملة في مسار “صراع البقاء” بالنسبة إليه وتأكيد إمساكه بخيوط رئيسية في مسالك الحكم الليبية خصوصا بعد تلقيه ضوء أخضر جزائري بشأن طرحه القائل بعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية يجمع الدول المعنية بالملف الليبي على أرض الجزائر واختيار الفريق الاستشاري لباشا آغا اعتماد سياسة الانتظار قبل دخول طرابلس واعتبارها هدفا غير مستعجل لممارسة النشاط الحكومي السيادي.

لا يستبعد مسؤولون ليبيون  أن يسعى الدبيبة خلال الزيارة المحاطة بالكتمان رغم تسريب وثيقة المشاركين فيها  إلى طلب “وساطة ثنائية” في الصراع السلطوي بينه وبين آغا وكسر العزلة الدولية التي فرضت عليه منذ المصادقة على الحكومة الجديدة وهو الذي لا يغادر طرابلس إلا نادرا منذ صعود هذه الحكومة  وأن يلعب كل أوراق الاستقطابات المحلية والإقليمية الجارية بالتزامن مع استعراضات القوة القائمة في طرابلس، أمر تنظر إليه تونس من زوايا أخرى تتعلق أساسا بضرورة حشد كل القوى المؤثرة لإيجاد زمن للسلم على حدودها  الشرقية والمحافظة على ما تبقى من مصالحها الاقتصادية والتجارية في الاتجاهين بعد أن خسرت الكثير والكثير  من “مغامرات” المراحل الانتقالية الليبية.

Skip to content