ميزانية الدولة لسنة 2021: خارج السياق


تمهيد:
يعيش العالم بأسره ومنذ شهر ديسمبر 2019 على وقع انتشار فيروس كورونا والذي اكتسح جل البلدان. بل إن انتشار الفيروس لم يكتف بالعدوى السريعة فقط وقتل الآلاف، إلا نه أجبر جل دول العالم على التوقف عن النشاط والدخول في حجر صحي شامل لم يسبق للبشرية أن دخلته طيلة تاريخها. لذلك وأمام هذا التحدي الوبائي الكبير والخطير في نفس الوقت لا يمكن قراءة الاقتصاد والسياسة والقضايا الاجتماعية بنفس الأسلوب الكلاسيكي. كما المقارب الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تتجاوز العادي لإبداع طرق وآليات جديدة تكون قادرة على إعادة البناء من جديد. فهل استطاعت السلطة في تونس أن تصوب رؤيتها حول مشروع ميزانية 2021 وفقا للوضع المحلي والإقليمي والدولي الجديد؟
مشروع ميزانية 2021: المحتوى
الميزانية في كل دول العالم آلية من آليات تطبيق وتنفيذ برامج وخطط وحلول للإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية للسكان، إلا في تونس فمهما كانت الظروف والمستجدات والإشكالات الهيكلية التي تمر بها قطاعات واسعة من البلاد فلا تغيير في شكل ومضمون مشاريع الميزانيات منذ أكثر من 60 عاما.
فالواقع الاقتصادي في تونس ومنذ 10 سنوات يمر بأزمة هيكلية حادة زادها انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي تأزما. وفي ظل هذه الظروف، جاءت الكرورنا لتزيد الوضع تأزما وتعمق من جراح هذا الوطن والمواطنين. بل يمكن القول أن انتشار فيروس كورونا قد كشف المستور وقدم صورة سوداوية لمدى التدهور والتدني الشامل وعلى كل المستويات الاقتصادية ولسياسية والاجتماعية والمواطنية والثقافية للبلاد.
الكورونا تسببت، وعلى المستوى العالمي، في دخول كل الاقتصاديات غلاف الإنعاش الاقتصادي من خلال انتشار الكساد والانكماش والركود الاقتصادي الذي لم تعرفه البشرية منذ الأزمة الاقتصادية 1929. والانكماش الاقتصادي لا يمكن معالجته بالزيادة في المعاليم الجبائية ومعاليم الاستهلاك وتطبيق طرق العطرية في الاقتصاد الكلي. بل يتطلب رؤية ومقاربات اقتصادية جديدة لمساعدة كل الفاعلين الاقتصاديين من الخروج بأخف الأضرار من هذا الانكماش. كما أثبتت مرحلة الانكماش الاقتصادي لسنة 1929 وخاص بالولايات المتحدة الأمريكية أن دور الدولة وتدخلها العامل الحاسم في تجاوز هذا الوباء الاقتصادي، وفق برامج وخطط وآليات مدروسة على المدة المتوسط والبعيد. ذلك أن الركود الاقتصادي ليس مجرد فترة عابرة بل هو مرحلة اقتصادية تؤخذ حيزا زمنيا وفق طبيعة الإجراءات والآليات من ناحية، وقوة الدولة وأجهزتها وجرأتها من ناحية أخرى.
في ظل هذه الظروف، وفي إطار مقاربتنا هذه، نتصور كيف يكون مشروع ميزانية الدول لسنة 2021. لكن القراءة المعمقة للمشروع، قد خيبت الآمال ووجدنا أنفسنا أمام مشروع ميزانية عادي رديء الشكل والإخراج وضعيف المضمون.
ذلك أن أهداف الميزانية لم تتغير عن الأهداف السابقة مثل ضمان عودة نسق الحركة الاقتصادية، واستغلال الفرص المتاحة إقليميا ودوليا، والمحافظة على مواطن الشغل (لا خلق مواطن الشغل)، والعمل على ضمان التوازنات المالية العمومية الكبرى والتحكم في المديونية ودعم الشباب في الانتصاب للحساب الخاص والاستفادة من آليات التشغيل الهشة (عقد الكرامة- تربص الحياة المهنية …….)، وغيرها من التعابير الإنشائية التي لا تستقيم مع إعداد ميزانية في ظروف اقتصادية ووبائية صعبة وخطيرة. كما تم بناء أرقام الميزانية على توقعات مغرقة في التفاؤل إلى درجة الحلم، مثل تحديد نسبة نمو لسنة 2021 بحوالي 4 بالمائة مع العلم أن نسبة النمو المتوقعة لسنة 2020 ستكون سلبية بحوالي 7.4 بالمائة (مع العلم أن هذه النسبة غير صحيحة ويمكن أن تتجاوز 14.5 بالمائة وفق العديد من الخبراء ومراكز الدراسات العالمية المتخصصة)، مما يعني أن السلطة في تونس وفي ظل كل هذه الظروف الصعبة قررت أن تحقق نسبة نمو بحوالي 12 بالمائة سنة 2021 أي ستعوض خسارة النمو لسنة 2020 وتحقق فائض نمو بنسبة 4 بالمائة. وإلا فإن من قاموا بإعداد الميزانية مستواهم ضعيف جدا في عمليات الجمع والطرح.
بلغة الأرقام، تم تقدير حجم الميزانية العامة للدولة لسنة 2021 بحوالي 52617 مليون دينار أي بزيادة 1.8 بالمائة عن ميزانية 2020 المحينة. كما أن حجم الاقتراض سيصل إلى حوالي 19518 مليون دينار، أي ما يمثل 37 بالمائة من حجم الميزانية. وهي أول مرة يبلغ فيها التداين هذه النسبة المخيفة. كل ذلك سيجعل المديونية العمومية تصل إلى حوالي 92 بالمائة من الناتج المحلي الخام. كما لم تحدد الحكومة مصادر القروض ولا طبيعة الجهات المانحة وشروطها خاصة إذا كانت هذه الجهات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والدول الغنية التي تتربص بهذه الظروف لمزيد الهيمنة السياسية والاقتصادية على ما تبقى من مقدرات البلاد.
كما تراجعت ميزانية العديد من الوزارات وبقيت ميزانية البعض دون تغيير، إلا ميزانيتي وزارة الدفاع والداخلية واصلتا الارتفاع الدائم، والحجة دوما مقاومة الإرهاب؟ أما وزارة الصحة، والتي تعتبر في هذه المرحلة الحرجة احدى أهم وزارات السيادية باعتبار أنها تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة الكورونا، فإن ميزانيتها ارتفعت بحوالي 20 مليون دينار فقط أي بنفس الزيادة التي حصلت لميزانية وزارة الشؤون الدينية. وطبعا لا يمكن التعليق على هذا ألا بكون الحكومة متوحدة لا تنظر إلى الواقع إلا من خلال الأرقام من ناحية والتحالفات السياسية من ناحية أخرى.
الميزانية تلغي استحقاقات الثورة وتكون بذلك خارج السياق
التشغيل الذي مثل المطلب الرئيسي لانتفاضة 17 ديسمبر، لازال بابه مغلقا وفق التزامات الحكومات المتعاقبة مع صندوق النقد الدولي. ذلك أن ما برمج بالميزانية لا يتجاوز 16 ألف موطن شغل منها 6000 لأعوان البوليس و3344 للجيش و6260 خطة لوزارة التربية، لكنها ليست انتدابات جديدة بل تسوية وضعية الأساتذة والمعلمين النواب فقط وهؤلاء يعتبرون في حالة شغل ونشاط. لذلك فإن العدد الحقيقي للتشغيل بالميزانية لا يتجاوز 9344 التي ستخصص للأمن والجيش.
بالنسبة للإجراءات والآليات التي وجب أن تكون جريئة وناجعة من ناحية، وتعبر بشكل فعلي عن طبيعة المرحلة الاقتصادية الحرجة والخطيرة من ناحية أخرى، فانه يمكن القول أنني قرأت القانون أكثر من مرة لاستخرج إجراءات وآليات ومقاربات تجعلنا نشرع في تجاوز الانكماش الاقتصادي ولكن لم افلح. ذلك أن الميزانية كانت مبنية على قاعدة متخلفة قوامها: نفقاتنا تساوي كذى مليون دينار، يجب علينا تجميعها لصرفها. أي أن الحكومة لم تتجاوز منطق البائع المتجول.
فباستثناء معاليم إضافية على استهلاك الجعة والمشروبات الكحولية والسجائر، إضافة إلى معلوم 100مليم على كلغ من السكر، ليس هنالك أي إجراءات جبائية أو غير جبائية جديدة قادرة على تعبئة موارد جديدة للدولة رغم أن الموارد الذاتية لسنة 2021 ستواصل التراجع باعتبار أن تداعيات الكورونا ستتواصل إلى 2023، وفق توقعات البنك العالمي، إلا في تونس قررنا أن نحقق سنة 2021 نسبة نمو بحوالي 12 بالمائة. وكالعادة تكون الطبقة الوسطى هي التي تتحمل تبعات الأزمات والجوائح وتمويل خزينة الدولة وخاصة الأجراء الذين لم يعودوا قادرين حتى على الإيفاء بأبسط حاجياتهم وأسرهم الأساسية.
كما يبقى السؤال مطروحا عن عائدات هذه المعاليم ومدى قدرتها على سد عجز الميزانية. ذلك أن المعلوم الموظف على السكر لن تجاوز عائداته 20 مليون دينار، ولكن هذه الزيادة ستكون سببا لارتفاع كل المواد الخدمات المستعملة لمادة السكر. فالخزينة تربح 20 مليون دينار والطبقات الشعبية تستنزف منها أضعاف هذا المبلغ جراء زيادة أسعار المواد المرتبطة بالسكر كالمقاهي والمطاعم والحلويات وغيرها.
في مقابل هذه الإجراءات الانتقامية من الطبقات الشعبية، خفضت الميزانية من المعاليم الموظفة على اليخوت والكواد وغيرها من المواد الكمالية الترفيهية المستعملة في المجال السياحي. فهل استرجاع نسق القطاع السياحي مرتبط بهذه الإجراءات؟ أم بإعادة النظر في السياسة السياحية برمتها؟ كما أن الوضع السياحي مرتبط أصلا بالكورونا وهو وضع عالمي ليس خاصا بتونس فقط. وهل أن نشاط اليخوت في السياحة التونسية مهمة جدا إلى درجة نفرده بامتيازات جبائية خصوصية؟ كل هذه الأسئلة تؤكد لنا بأن إعداد الميزانية كان بشكل هزلي ويفتقد الجدية والمسؤولية.
خصص مشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 حوالي 7148 مليون دينار للتنمية. أي ما يمثل حوالي 13 بالمائة من حجم الميزانية العامة. إلا أن هذا الرقم ليس له أي دلالات مثل ما رصد سابقا في كل الميزانيات. إذ أن نسبة انجاز ما يقع إقراره في مجال التنمية لم يتجاوز في أحسن الحالات 35 بالمائة. وتكون كل المشاريع غير منتجة بشكل مباشر للثروة. مما يجعل التنمية في البلاد مرتبطة ببناء مدرس وتعبيد مسلك فلاحي وإعادة تهيئة طريق وغيرها من مشاريع تحسين إطار العيش وليست مشاريعا للتنمية وخلق الثروة وبالتالي خلق مواطن شغل حقيقية.
رغم غياب الإجراءات الحقيقة الموجه للموظفين والعمال والفلاحين والمعطلين وأصحاب المهن الحرة بمختلف شرائحهم ونشاطاتهم، فإن مشروع الميزانية كان سخيا لفائدة الشركات من خلال توحيد الضريبة على المرابيح في مستوى 18 بالمائة عوضا عن 25 و 20 و 18.5 بالمائة المعمول بها سابقا. لكن هل تم حصر الشركات التي تضررت فعلا بجائحة كورونا، وبالتي يمكنها التمتع بهذا السخاء الضريبي. ذلك أن العديد من الشركات و خاصة العاملة في مجالات التجارة وانتاج وتوزيع المواد الاساسية والطبية والشبه الطبية والعديد من مصانع النسيج تخصصت في انتاج الكمامات قد حققت أرباحا طائلة اثناء الجائحة. فهل تتساوى هذه الشركات مع شركات اغلقت وتعطلت محركات انتاجها وفقدت أسواقها المحلية والخارجية.
إن تعميم التخفيض الجبائي وبشكل عشوائي لا يدل الا على أن الأجراء ليس بهدف الحد من مضاعفات انتشار الفيروس، بقدر ما هو تعميم الامتيازات الجبائية على الشركات الممولة للأحزاب السياسية المتحالفة من أجل السلطة، والمتكالبة على المال العام. والا كيف يمكن المغامرة بعائدات مالية هامة متأتية من الضريبة المباشرة على أرباح الشركات دون التفريق بين من استغل فترة الوباء لمراكمة الأرباح ومن تضرر فعلا؟
كما كانت الميزانية “لايت” أكثر من اللازم على المستوى الاجتماعي، فرغم ما تتعرض له العديد من الشرائح والطبقات الاجتماعية من بطالة فنية وصعوبات شغليه، وتراجع في مداخلها الأساسية، فإن الميزانية حافظت على نفس سنفونية العائلات المعوزة بأرقامها القديمة وبمساعداتها المذلة المقدرة بحوالي 180 دينار للعائلة. هذه العائلات التي بقيت خزانا انتخابيا يقع استغلاله بالمال العام. إذ لا وجود لإجراءات اجتماعية عميقة تساعد الشرائح المتضررة من الكورونا، بل غابت عن مشروع الميزانية الاجراءات الهادفة إلى تحسين المقدرة الشرائية والترفيع في الأجر الأدنى، والغاء الضرائب والاتاوات على الأجور التي تم سنها بالميزانية السابقة، مثل الضريبة الاستثنائية على الأجور، والتي لم تعد استثنائية بل قارة. كما لم تتعرض إلى الاجراءات الكفيلة بالتحكم في الأسعار وحماية المواد الأساسية والحياتية من المضاربات والاحتكار.
بعد هذه القراءة السريعة لمضمون مشروع الميزانية، لا بد من التطرق للشكل الجديد لها على مستوى الشكل، إذ تم ابتداع عناوين جديد وتغيير أسماء الوزارات بالمهام. كما تضمنت الميزانية وبالتفصيل الممل كل طلبات واقتراحات الوزارات، مما جعل وثيقة الميزانية سجل لطلبات مصالح الإدارة التونسية، التي تبين أنها هي التي أعدت مشروع الميزانية في شكل باهت وهزيل يعكس هزالة التشكيلة الحكومية التي لم ترتقي إلى مستوى الصف الثالث من موظفي الادارة التونسية البيروقراطية.
فهل يمكن أن ننتظر شيئا من مشروع ميزانية أعدت بشكل المزاد العلني في أروقة البيروقراطية الادارية؟
This paragraph offers clear idea for the new viewers of
blogging, that truly how to do running a blog.
Look at my site: 먹튀검증업체
First off I would like to say great blog! I had a quick question in which I’d like to ask if you don’t mind.
I was interested to find out how you center yourself and clear your head
prior to writing. I’ve had a difficult time clearing my
mind in getting my ideas out there. I truly do take pleasure in writing however it just
seems like the first 10 to 15 minutes are generally wasted just trying to figure
out how to begin. Any recommendations or hints? Appreciate it!
my blog post – 바카라사이트
Greetings from Idaho! I’m bored to tears at work so I decided to check out your site on my iphone during lunch
break. I love the knowledge you provide here and can’t wait to take a look when I get home.
I’m amazed at how quick your blog loaded on my cell phone ..
I’m not even using WIFI, just 3G .. Anyhow, great
blog!
Have a look at my web site :: 구글상위노출대행
Hi! Do you use Twitter? I’d like to follow you if that would
be okay. I’m definitely enjoying your blog and look forward to new posts.
Also visit my blog post 토토검증
I’ve been browsing on-line more than 3 hours as of
late, yet I by no means discovered any attention-grabbing article like yours.
It is lovely price sufficient for me. In my opinion, if all webmasters and bloggers made excellent content as
you probably did, the net will be much more useful
than ever before.
Also visit my page 비트코인마진거래
I every time spent my half an hour to read this webpage’s content everyday along with a mug of coffee.
Check out my web page 메이저사이트
What a data of un-ambiguity and preserveness of valuable experience
concerning unpredicted feelings.
my website :: 토토사이트; Collin,
Greetings! This is my first visit to your blog! We are a collection of volunteers and starting a new initiative in a community in the same niche.
Your blog provided us useful information to work on. You have done a outstanding job!
My site … 카지노사이트
Thanks for sharing your thoughts on 사설바둑이.
Regards
I every time spent my half an hour to read this blog’s content every day along with
a cup of coffee.
Also visit my web site – 사설토토
Great blog here! Also your website loads up very fast!
What web host are you using? Can I get your affiliate link to your host?
I wish my website loaded up as fast as yours lol
my webpage 먹튀검증사이트
You really make it seem so easy with your presentation but I find this topic to be actually something which I think I would never understand.
It seems too complicated and extremely broad for me.
I am looking forward for your next post, I’ll try to get the hang of it!
my site; 먹튀검증
Hmm is anyone else experiencing problems with the pictures
on this blog loading? I’m trying to figure out if its a
problem on my end or if it’s the blog. Any feed-back would be
greatly appreciated.
Here is my site 먹튀사이트
You made some really good points there. I looked
on the internet to find out more about the issue and found most people will
go along with your views on this web site.
My page … 먹튀검증사이트
I always spent my half an hour to read this webpage’s articles or reviews all the time along
with a cup of coffee.
my web blog: 토토사이트
This is very interesting, You are a very skilled blogger.
I have joined your rss feed and look forward to seeking
more of your wonderful post. Also, I have shared your website in my social networks!
my blog post … 사설토토사이트
Someone necessarily assist to make significantly articles I would state.
That is the very first time I frequented your
web page and up to now? I surprised with the analysis
you made to create this actual publish extraordinary. Wonderful
job!
Review my web page :: 메이저사이트
Someone essentially lend a hand to make seriously articles I’d state.
That is the very first time I frequented your web page and up
to now? I amazed with the analysis you made to create this
actual submit incredible. Excellent process!
Feel free to surf to my homepage; 먹튀검증
Hi there to every one, because I am truly eager
of reading this blog’s post to be updated on a regular basis.
It carries pleasant material.
Feel free to visit my web-site: 구글상위노출프로그램