مقالات

هل لدينا تصورات قادرة على صياغة حكم محلي ديمقراطي، ليس بعد !!

عبد الكريم الشابي

لو كان الوضع مختلفا لكان من أهم الاولويات هو الاستكمال الفعلي للمهمة المعلقة الا وهي الحكم المحلي بمعايير ديمقراطية تشاركية، وذلك لما لها من أهمية في ترسيخ الديمقراطية على المستوى الوطني وفي تشجيع الاستثمارت المحلية ودعم التنمية المستدامة والتقليص من حدة التفاوت الاجتماعي والجهوي ونشر مزيد من روح الانتماء الى وطن ينجز ما يعد ولا يترك جزءا من أبنائه على الهامش.

حينما نتحدث عن المسألة الديمقراطية يبدو للبعض أنها مسألة اجراءات شكلية، وعلى اهميتها، لا يمكن لأفضل قانون أبدعه العقل البشري أن يغير من حياة الناس ويدفع بهم نحو تحقيق العدالة فيما بينهم. أما أن تكون الديمقراطية ممارسة وتربية وايمانا جامعا للمواطنين حول أهداف وطنية واضحة المعالم، معلنة مسبقا، قادرة على التحقق بكلفة معقولة لا تتحمل أكثر اعباءها الفئات الأكثر ضعفا، واما فنحن أمام اعادة انتاج ظروف موضوعية لتأبيد الوضع الهش للبلاد الذي قد يأخذنا الى مالات أكثر عنف وأقل استعداد للإصلاح.

نحن نعتقد بأن المسار الذي اخترناه بصدد الحكم المحلي لا يعدو أن يكون مجرد اجراءات شكلية هدفها الأبرز هو استكمال حزمة الاصلاحات من أجل المضي قدما في ملفات الشراكة مع الدول المانحة طبعا وليس مع المواطنين في جهاتهم، ولا حتى المواطنين يبدون مستعدين أو مؤمنين بدورهم في التسيير والمحلي والمتابعة والمحاسبة، ذلك انه بالرغم من انجاز الانتخابات البلدية بصفة حرة لأول مرة في تاريخ تونس في ماي 2018 الا ان هذه الانتخابات لم تعرف اقبالا مهما فلم تتجاوز نسبة المشاركة الأربعين بالمائة عدى ثلاثة استثناءات، يحضرنا كذلك وجه آخر من وجوه الأزمة وهو العدد الهائل من الاستقالات لدوافع حزبية والدفع بالمجالس المنتخبة الى الحل من أجل اعادة الانتخابات بتكاليف خيالية كان يجدر استثمارها لتحسين البنية التحتية للبلديات المعنية بهذا الوضع. وكما هو متوقع طبعا تضعف نسب الاقبال عند اعادة الانتخابات في هذه المجالس المنحلة وتقتصر في الغالب على الزبائن وهذا ما يعمق الازمة ويبعدنا أكثر عن الحوكمة والديمقراطية المحلية ويقربنا أكثر من دولة الزبائن التي يحتكم اقتصادها الى التجارة الموازية وحيث يغيب مبدأ التضامن بين الجهات.

قد يبدوا هذا الوصف قاتما ولكننا نعتقد ان الواقع أكثر قتامة حيث أن لدينا جهات بأكملها انتفضت في 2011 من أجل العدالة والمساواة والعيش الكريم من أجل أن يشعروا بان الوطن الذي ينتمون اليه هو أيضا ينتمي اليهم وعوض التقاط فرص التغيير من أجل دعم هذه الجهات وتكريس التمييز الايجابي تجاهها تجاهلت الطبقة المكلفة بالحكم واعتقدت أنه يكفي ان تضفي صيغة انتخابية على حياتهم حتى تتجنب تجنيد طاقات الدولة من أجل عدالة اجتماعية وجهوية، لأن هذا التمشي لا يرضي أصحاب القرار الدولي ممن دعم حكمهم ومايزال.

نجد اذا انفسنا امام معضلة تتمثل في عدم القدرة على المضي قدما في اللامركزية وتحفيز استقلالية القرار لدى الجهات خوفا من النعرات الانعزالية التي بدى بعضها في عدة مناسبات وجراء اوهام بامتلاك جهات لمقدرات خرافية. أما العنصر الثاني للمعضلة فيتمثل في عدم قدرة الدولة على اعادة الانتشار أمام كل الوعود والتعهدات التي قدمها السياسيون الالمعيون أن لا دولة قوية بعد رحيل النظام القديم وفي كلتا الحالتين فان المسار المعطل والذي سوف يأجج الاحتجاجات الاجتماعية حالما تشهد البلاد استقرارا مركزيا لمؤسساتها السياسية او أن نتأكد من استحالة هذا الاستقرار، في كل الحالات فان تأجيل المسألة الديمقراطية تجاه الجهات والفئات المحرومة لن يمكن البلاد من الاستقرار وفي نفس الوقت يبدوا لنا من الصعب جدا المحافظة على التماسك الوطني في ظل برنامج للحكم المحلي واللامركزية لا يستجيب لمتقتضيات المرحلة ولا يراعي خصوصية البلاد.

في الأخير أود الاشارة الى حدث استوقفني بخصوص الديمقراطية العريقة وذات التجربة المتجذرة في الحكم المحلي الا وهي الجمهورية الفرنسية التي تشهد انتخاباتها البلدية بعد أسابيع هذا البلد الصديق قرر وزير الداخلية بأن لا يحتسب في الحاصل الجملي الوطني، نتائج الانتخابات للبلدات التي يقل عدد سكانها عن الألف ساكن يقول المناوؤون أن هذا الاجراء سيحسن من نتائج حزبه المتمركز أساسا في المدن والتجمعات السكانية الكبرى.

بعد مرور سنة على كتابة هذه السطور قضيناها في شد وجذب حول صلاحيات كل مسؤول في الدولة على حساب الاخرين و دون الاهتمام بملف التنمية المحلية وجبت الاشارة الى ان لا ديمقراطية محلية دون تنمية عادلة وضامنة للحقوق ومتاحة أولا للاقل حظا من أجل ادماجهم وعدم التفريط في مواطنتهم. في الواقع أظهرت لنا أزمة الكوفيد19 أن هذا الطرح ليس على طاولة المسؤولين اليوم بل كل ما نحاول القيام به في خصوص الجهات هو مواصلة لعب دور رجل المطافئ كلما اتيحت الفرصة لذلك.

Skip to content