مقالات

حصاد 2023 …. مجرد اسئلة

فطين حفصية
صحفي

انتهى العام 2023 مثقلا بحصيلة الجرد ودلالات الحاصل والآتي فتونس كسائر بلدان العالم في قلب التحولات الدولية الجارية من أقصى الحرب الروسية الأوكرانية إلى أدنى العدوان الصهيوني المفتوح على كل المآلات في قطاع غزة , ومنذ العام 2021 والجائحة التي لم تترك ركنا ظلت لعبة الوقت في البلاد تحت ضغط السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي  كحال ما عاشته منذ 2011  فنفس المطالب والآمال التي رفعت في ذلك الوقت مازال صداها يتردد إلى الآن دون نتائج واضحة .       

ودعت تونس العام بانتخابات المجالس المحلية التي أتت بها ” تباشير ” نظام البناء الديمقراطي القاعدي الذي دعا إليه رئيس الجمهوري قيس سعيد منذ سنوات عبر سلطة تشريعية بغرفتين واحدة برلمانية وثانية تغطي تمثيلية الأقاليم والجهات التي حددها التقسيم الإقليمي الإداري الجديد بالبلاد .

وكسائر بقية الاختبارات السياسية الانتخابية تم في الموعد الذي يعد الأول في التاريخ السياسي لتونس  نفي” الأحزاب لصالح الأفراد والمشاريع و “استقدام” نسبة مائوية جديدة من العزوف الانتخابي بمؤشر بالكاد تجاوز الأحد عشر بالمائة مثلما كانت نسب الإقبال في الاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية ما عمق مجددا الفجوة بين قطبين : واحد يدفع بأن تونس تؤسس جمهورية جديدة وثان يؤكد أن المرور بقوة مآله الطريق المسدود . 

وكما بدأ العام بانتخابات برلمانية في جولتها الثانية انتهى بانتخابات محلية في دورتها الأولى والسؤال هل السير في طريق بلا عودة يضمن عدم مراجعة “الشرعية ” ؟ 

المعارضة معارضات

تابعت المعارضة التونسية طيلة العام تحركاتها بشكل نسقي متشابه بعد تضائل فعل الشارع الاحتجاجي الذي وإن تواصلت تعبئته حزبيا  في التواريخ الرمزية  ك14  جانفي أو 20 مارس أو 25 جويلية أو 10 ديسمبر فإنه ظل بعيدا عن الشارع الاحتجاجي الشعبي المنشغل بيوميات حياته .                 

ويقر معارضون قبل غيرهم بأن ما تبقى من مشهد حزبي فاعل اختار إدارة “معاركه السياسية” مع رئيس الجمهورية بانتهاج سياسة الكراسي الشاغرة منذ اللحظة الأولى لتدابير 25 جويلية وتغليب جبهة الحقوق والحريات والمسار الديمقراطي على “أم المعارك” وهي الأوضاع الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والتشغيلية خصوصا بعد سلسلة الاعتقالات التي طالت رموزا ” ثقيلة ” في ما يعرف قضائيا بقضية التآمر على أمن الدولة وزعزعة الأوضاع  منذ شهر فيفري 2023 .

وإن تؤكد هذه المعارضة المشتتة في معارضات أن نسبة الإقبال على المواعيد الانتخابية عنوان رفض الشعب لمشروع رئيس الجمهورية فإن هذا العزوف بالمقابل لا يعني أن تسعة أعشار من لم يؤيدوا المسار الانتخابي الجديد هم في صف المعارضة التي بقيت أغلب تشكيلاتها حبيسة منزلق العودة إلى الوراء الذي ترفضه أصلا أطياف منها .

وإن بدأت مكونات سياسية فاعلة الآن في الدعوة إلى ضرورة تجميع الصف السياسي للمنافسة على مرشح في الانتخابات الرئاسية المرتقبة للعام 2024 فإن دوران عجلتها السياسية يبقى رهين ما سيتم من تحالفات وتنازلات محتملة  والسؤال هل أن الحوار الرئاسي حول مرشح توافقي سيكون فوق الطاولة أو تحتها وبأي مظلة ؟     

دوامة المواد الأساسية

بات مشهد الطوابير من يوميات المواطن التونسي بحثا عن مواد أساسية مختلفة أهمها الحليب والخبز والسكر والقهوة والزيت النباتي والدقيق واضطرابات التزود في الوقود وتحول انشغاله من تدهور المقدرة الشرائية ونسبة برقمين من معدل التضخم إلى الحصول على أبسط الضروريات التموينية .

وأن تمسك رئيس الجمهورية في جل إطلالاته واجتماعاته مع الوزراء المعنيين بضرورة محاربة المحتكرين والمتحكمين في مسالك التوزيع ومن يريدون ” تفجير الدولة من الداخل ” فإن تكرار فقدان المواد الأساسية بين بكل أدوات القراءات الاقتصادية العميقة للخبراء  أن كل هذا النقص يعود إلى أزمات بنيوية ومالية واضحة زادتها أزمة الغذاء العالمية وارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية وتراجع احتياطي العملة الصعبة  استمرارا.

وهنا يستقيم التساؤل المستقبلي هل سيعمق الضغط المالي بعد خيار التخلي المؤقت عن المانحين الأزمة أم أن “التطبيع ” قد تم مع الواقع المعيشي اليومي؟ 

الهجرة غير النظامية وجدل الحلول الممكنة

ظل ملف الهجرة غير النظامية  شمال بلدان القارة الإفريقية ” لغما ” بشريا واجتماعيا وأمنيا  قابلا للانفجار منذ سنوات بعد تضاعف أعداد التدفقات بالنظر إلى الأوضاع المتقلبة في عدد من البلدان الإفريقية خصوصا في إفريقيا جنوب الصحراء وليبيا , ومع المد البشري من هذه الدول نحو تونس للعبور إلى الضفة الشمالية فقد حصل المنعرج الأمني في مدينة صفاقس التي مثلت لشهور عديدة ” معقلا ” للهجرة غير النظامية بالنسبة إلى هؤلاء حين سقط قتيل تونسي على أيدي مهاجرين بداية الصيف الماضي .

فتح ما حصل المسكوت عنه بين الدول المعنية بملف الهجرة غير النظامية بعد أزمة العالقين على الحدود بين المثلث التونسي الليبي الجزائري و السياسة الأوروبية لما يعرف بسياسة تصدير الحدود بدل تأمين الحدود .

وإلى الآن لم تحقق المباحثات بين الجانب الأوروبي وتونس تقدما في هذا الملف رغم مذكرة التفاهم بين تونس وإيطاليا ووعود “البحر مقابل المال ” الأوروبية إذ صرح رئيس الجمهورية قيس سعيد بشكل واضح بداية أكتوبر الفارط أن تونس ترفض الصدقة من الاتحاد الأوروبي في حين يعيش بضعة آلاف من المهاجرين وضعا إنسانيا وصحيا وغذائيا صعبا في أطراف مدينة صفاقس بعد قرار السلطات نقلهم إلى غابات الزياتين المحيطة بمدن العامرة وجبنيانة .

فهل تركت تونس وحدها لمواجهة أزمة المهاجرين غير النظاميين أم أن السياسة الأوروبية حجبت كل آفاق الحل ؟   

 يودع التونسيون عاما صعبا وفق توصيفات الحاكمين والمعارضين ويستقبلون سنة كبيسة في العام 2024 بجملة آمال بتغيرات إيجابية طال انتظارها وليوم تال يأتي بالجديد فهناك دوما ما يدعو إلى التفاؤل وإن ببعض التنسيب والواقعية.

Skip to content