مقالات

زيارة الوفد الأمريكي وتجدّد الجدل بين حدود السيادة الوطنيّة، واطلاقيّة منظومة الحقوق والحريات الكونيّة

خليفة شوشان،
صحفي.

لطالما شكّلت قضيّة الاستقواء بالأجنبي نقطة خلاف جوهريّة بين القوى السياسيّة التقدميّة والديمقراطيّة والحقوقيّة في تونس زمن الدكتاتوريّة وبعد الثورة. ودون الغوص عميقا في جذور هذه الظاهرة زمن الاستعمار أو مع ابّان مفاوضات الاستقلال وتفجّر الخلاف البورقيبي اليوسفي وانقسام المجتمع التونسي حول طبيعة العلاقة مع المستعمر الفرنسي. 

* 18 أكتوبر وجدل
 الاستبداد المحلي والتدخل الخارجي
سنكتفي بالعودة إلى مرحلة الاستبداد ومعركة الحريات وخاصة مع تحرّك “18 أكتوبر” من أجل الحقوق والحريّات التي شكلت لحظة فرز حقيقيّة في سياق النضالات التي خاضتها القوى السياسية والمدنية التونسية ملتقية على ما أسمته الحد الأدنى الديمقراطي والمطالبة بحرية التعبير والصحافة وحرية التنظّم الحزبي والجمعياتي واطلاق سراح المساجين السياسيين وسنّ العفو التشريعي العام وكسر جدار الصمت الذي فرضه نظام بن علي. ولعل من بين أهم النقاط الواردة في “بيان 18 أكتوبر” التأسيسي والتي تم الاختلاف حولها وأثارت جدلا بين مكوناتها، الفقرة السادسة التي تمّ التأكيد فيها على علاقة التلازم بين “الاستبداد المحلّي والوصاية والتدخل الخارجي” والتنصيص على أن “المعركة من اجل الحريات والديمقراطية لا تتخذ بعدها الحاسم إلا إذا تحولت إلى معركة للشعب التونسي بأسره، وهي بالأساس معركة ضد كل وصاية، سواء كان مصدرها الاستبداد المحلي أو التدخل الخارجي، يخوضها الشعب بذاته ولذاته لان حرية المواطن من حرية الوطن وحرية الوطن في حرية مواطنيه”.
 
* زيارة الوفد الامريكي وعودة 
تكتيك الاستقواء بالأجنبي
اليوم ومع زيارة الوفد الأمريكي يتجدد النقاش -الذي لم يغادر الحياة السياسية التونسية- مرّة أخرى وبقوّة مع محاولة بعض الأحزاب وفي مقدمتها حركة النهضة وحلفائها وبعض قوى ومنظمات المجتمع المدني الديمقراطية والحقوقيّة خاصة احياء “تكتيك الاستقواء بالأجنبي” وخاصة الأمريكي وفرضه على المعادلة الداخلية وتشريع الأبواب لتدخله في الشأن الداخلي التونسي وتوظيفه في تغيير موازين القوى السياسية لضمان مصالحها الحزبيّة بقطع النظر عن استتباعات هذا التدخل على السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني المنتهك أصلاً بالاتفاقيات الاقتصادية ووصاية الصناديق المانحة الدولية. وهو الأمر الذي لم يكن من السهل تفهمه أو تبريره والتعاطي معه بنفس القدر من التسامح والقبول من عموم التونسيين وقواهم الوطنية بعد عشرة سنوات على ثورة رفعت شعار الحرية والكرامة الوطنيّة وتحرير البلاد من التبعيّة الاقتصادي والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.
 
* انقسام سياسي ومجتمعي
 بين الرفض والقبول
بين الرفض والقبول اختلفت مواقف الأحزاب والمنظمات الوطنيّة من قبول لقاء الوفد الأمريكي. ففي حين أعلن كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وحركة الشعب والحزب الدستوري الحرّ وحزب العمال، الذي نظم مسيرة تنديد بهذه الزيارة، عن رفضهم اللقاء بعد دعوات وجهت إليهم واعتبروه “تدخلا في الشأن الداخلي التونسي، هرولت بعض الأحزاب السياسية مثل “حركة النهضة” وحليفها “حزب قلب تونس” نحو اللقاء وراهنت عليه لانقاذها من عزلتها السياسية وقبل “حزب تحيا تونس” وبعض المكونات البرلمانية دون تحفظ لقاء الوفد تحت عنوان الحرص على”حماية المسار الديمقراطي في البلاد”. 
 
* حاتم المليكي 
يكشف فحوى اللقاء مع الوفد الأمريكي
لكن على خلاف ما أعلنته الأحزاب المرحبة باللقاء من كونه يأتي للتشاور ودعم التجربة الديمقراطية التونسية كشفت تصريحات النائب المستقل حاتم المليكي لموقع “العربي الجديد” أن اللقاء مثل فرصة البعض للتشكي والترافع أمام الوفد خاصة وأن فحوى الحديث حسب ما أفاد المليكي دار حول “الوضع العام في البلاد، وكانت هناك مقاربتان؛ واحدة من جهة حركة النهضة وقلب تونس اعتبرت أن ما حدث في 25 جويلية يعد انقلاباً واعتداء على الدستور والحقوق والحريات، وأن الوضع غير دستوري ووضع انقلابي”. أما المقاربة الثانية فعبر عنها هو والنائب عن حزب “تحيا تونس” مروان فلفال والتي تعتبر أنّه “لقرارات 25 جويلية مبررات موضوعية بالنظر إلى انسداد الآفاق الاقتصادية والاجتماعية، وبأنّ المطروح اليوم هو إيجاد صيغة جديدة للحياة السياسية ومحاربة الفساد، وانتخابات سابقة لأوانها وللخروج من الأزمة التي تعيشها تونس”. كما أفاد المليكي أن فلفال عبّر للوفد “أن حركة النهضة تسببت في الأوضاع التي بلغتها البلاد، وأن الرئيس جنّب البلاد حرباً أهلية ودخول المواطنين للبرلمان”. حول “النقاش حول عودة الحياة الطبيعية ومعنى ذلك”، أوضح المليكي أنه “دافع عن فكرة وضرورة وجود رئيس وبرلمان وحكومة، ولكن ليس بالضرورة البرلمان نفسه” في مقابل دفاع ممثلتي النهضة وقلب تونس “عن عودة البرلمان بتركيبته نفسها”. أما فيما يتعلق بالحكومية فأبرز أنها تنل حيزاً كبيراً من النقاش، وتم الاكتفاء بالإشارة إلى أن تونس “تحتاج إلى حكومة لتسيير شؤونها”. وختم المليكي بالقول أن الوفد الأميركي أكد “أنه صديق للشعب التونسي، وليس صديقاً لأي طرف سياسي بعينه، وأنه حريص على استقرار تونس، وأنه سيبلور موقفه النهائية بعد الاستماع لجميع الأطراف ولقاء رئيس الجمهورية”.
* سعيّد بين الطمأنة ورفع الالتباسات
والحرص على تحقق الارادة الشعبية
ٱخر لقاءات الوفد الأمريكي كانت بقصر قرطاج مع الرئيس قيس سعيد الذي أكد خلال اللقاء وحسب ما جاء في البلاغ الإعلامي المقتضب والكلمة الموجزة التي تم نشرهما على الصفحة الرئيسية لرئاسة الجمهورية على الفايسبوك أن التدابير الاستثنائية التي اتخذها يوم 25 جويلية “تهدف لحماية الدولة من العبث وهي تندرج في إطار احترام الدستور” واعتبر أن الإجراءات المتخذة “تعكس إرادة شعبية واسعة”
كما دعا من وصفهم “بأصدقائه الأميركيين” إلى الاستماع إلى نبض الشارع التونسي وإلى التونسيين الذين خرجوا إلى الشارع للاحتفال بقرارات يوم 25 جويلية. وأضاف سعيّد حسب نفس المصدر أنه “لا بد من رفع بعض الالتباسات المتعلقة بالوضع في تونس”.
 
* حدود السيادة الوطنيّة 
في ظلّ التبعيّة الاقتصاديّة والماليّة
الأمر الإيجابي في الجدل القائم اليوم في تونس وان جنح أحيانا نحو القصووية أنه لم يخرج عن حدود المدنيّة ومقارعة الفكرة بالفكرة والموقف بالموقف وأنّه يجري تحت الشمس بعيدا عن مزاريب السياسة ودهاليزها المظلمة مما يمنح الرأي العام الوطني فرصة للفرز وتبيّن مواقف الأحزاب السياسيّة في قضايا جوهريّة لا تقبل أنصاف المواقف الحزبية والمناورة السياسيّة مثل قضية “السيادة الوطنيّة” و”استقلالية القرار الوطني” ورفض الوصاية والتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية الوطنية. لكن سؤالا ملحا يقفز السطح ويلح في الطرح عن حدود “استقلالية القرار الوطني” السياسي في ظلّ التبعيّة الاقتصادية والماليّة وارتهان مصير البلاد للمساعدات الخارجيّة وصدقات الدول المانحة وصناديق النقد الدوليّة ؟؟
Skip to content