حوارات

الإيقافات والمحاكمات الأخيرة غايتها ترسيخ حكم الرجل الواحد

حسام الحامي، منسق ائتلاف صمود لـ "الجريدة المدنية"..

مفيدة التواتي
صحفية

تشهد تونس منذ فترة جملة من الايقافات والمحاكمات المدنية والعسكرية والإحالات على التحقيق  في حق سياسيين وناشطين مدنيين وسياسيين ورجال أعمال وصحفيين ونقابيين وقضاة معزولين ومحامين في قضايا تتعلق أغلبها التآمر على الدولة، وهو ما  أثار  التساؤلات حول  الهدف الحقيقي من ورائها وهل هي بالفعل حملة لفرض هيبة الدولة ومحاسبة  المتآمرين على الشعب في قوته كما يروج له رئيس الجمهورية أم هي حملة استعراضية الهدف منها كسب التأييد الشعبي لمنظومة 25 جويلية التي تآكلت خاصة بعد عزوف المشاركة في الانتخابات وفشلها في الملفين الاقتصادي والاجتماعي، كما تروج  لذلك الأحزاب المعارضة لرئيس الجمهورية.

وفي ظل هذا التجاذب السياسي بين شق موال لقرار الايقافات وشق معارض لها، تسعي مكونات المجتمع المدني في تونس إلي تشخيص الوضع الحالي من جانب علمي اكاديمي ومن جانب نظرة محايدة موضوعية قائمة على المبادئ الكونية لحقوق الانسان ولأسس النظام الديمقراطي،  وطرح الحلول الممكنة،  كان للجريدة المدنية  هذا الحوار مع حسام الحامي منسق ائتلاف صمود.

كيف تنظرون الى حملة التتبعات القضائية الأخيرة من الناحية الإجرائية؟

أولا لا بد أن نؤكد أن المحاسبة وفتح ملفات الارهاب والاغتيالات والفساد كانت من بين مطالب إئتلاف صمود،  ولكن أن تكون في إطار محاكمات عادلة تحترم فيها قرينة البراءة، وتكون من خلال تتبعات جدية ومبدئية وليس في اطار خصومات سياسية.

لهذا ما نراه اليوم من ناحية المضمون، أن ما يجرى من تتبعات ومن قضايا مثارة مباشرة من رأس السلطة بعيد كل البعد على فكرة المحاسبة، فالهدف منها استهداف أصحاب الرأي ومحاكمة السياسيين المعارضين دون احترام الإجراءات المعمول بها وفي خرق فاضح لقرينة البراءة التي تعد ركنا أساسيا في منظومة العدالة.

اما من الناحية الشكلية، فإن الايقافات الأخيرة لم يتم في جلها  احترام الاجراءات القانونية وشهدت اخلالات عديدة، من ذلك عدم  اعلام النيابة العمومية بالايقافات التي نفذها الجهاز الأمني، وعدم اعلام  أهالي الموقوفين والمحامين  بمكان الايقاف ولا بالتهم  الموجهة اليهم، و حتي بعد  أن تمكن المحامون من الاتصال بهم لم تكن هناك تهم واضحة.

فمن الناحية الشكلية الايقافات جاءت في شكل اركوستر ممنهج  ومتزامن،  وكان واضحا أن الهدف منها هو اعطاء نوع من الفرجوية بأسلوب اتصالي انتهجته السلطة الحاكمة  يوحي بأنها تقوم بعملية واسعة في إطار محاكمة الفساد ضد من جوعوا الشعب بالتسبب في الترفيع في الأسعار وفي تعطيل سير العمل وتكبيد خسائر مالية للدولة  كما هو الحال للنقابيين.

تبين أن التهم لا تمس لا بالفساد المالي ولا السياسي بصلة، فعدد كبير من الموقوفين كان ممكن استدعاؤهم بطريقة عادية، استدعاء قانوني أمام قاضي لتحقيق.

كل المؤشرات تؤكد انها عملية سياسية بامتياز الهدف منها خلق صورة لدى الرأي العام تفيد بأن المنظومة الحالية انطلقت في حملة محاسبة قانونية وشاملة. 

كما أنها حملة انتقائية بامتياز فنحن لم نر إيقافات او ابحاث فتحت ضد أنصار 25 جويلية الذين ينشرون يوميا الأخبار الزائفة، وانما وقع تتبع المعارضين للمنظومة الحالية.

هل ان سلامة الإجراءات مهمة أمام تهم التآمر على الدولة في ظل التمديد في قانون الطوارئ؟

إن قانون الطوارئ الذي تم التمديد فيه  بسنة،  رغم أن  الوضع الامني لا يستدعي  ذلك، هو آلية  استثنائية لا يمكن اللجوء إليها الا في حالات محدودة محددة ولا يمكن أن يتم استخدامها للتضييق على التظاهرات التجمعات وعلى كل الحريات العامة والفردية، كما هو الحال في تونس الي جانب استخدام المرسوم 54 المعادي للحريات.

 فالمسألة أعمق من ذلك، فالسلطة اليوم أصبحت تتمركز في شخص واحد حوّل القضاء الى وظيفة يتحكم فيها بالإضافة إلى مسكه لكل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية ووضع يده على يد هيئة الانتخابات فضلا عن تصربحاته الأخيرة التي أدان فيها الموقوفين قبل أن تدينهم المحكمة. كل هذا يضرب أسس المحاكمة العادلة ويذهب بتونس الي منحي معاكس للديمقراطية.

اذن هل لديكم مخاوف من أن تتحول تونس الي دولة دكتاتورية؟

ان راوية المحامين تشير الي أن الملفات فارغة وهناك حتي من وقع إيقافهم قبل أن يتم تكييف التهمة ضدهم. كما أن مداهمة المنازل وعمليات التفتيش كانت للبحث عن أدلة قد يتم استخدامها في الأبحاث ما يدل على أن الايقافات لم تكن جدية.

جل القضايا تتعلق بالتآمر على الدولة وهي تهم غير هينة تحتاج إلي كثير من الوقت والجهد، وما حصل في تونس شبيه لما يحدث في الدكاتوتوريات، وهنا اتساءل هل أن تبادل حديث سياسي  داخل مقهى هو نوع من التآمر على الدولة؟

هذه الاتهامات تتكاثر في الدكتاتوريات لضرب الخصوم السياسيين والحقوقيين والصحفيين، فالمنحي هو الترهيب عن طريق إيقافات في حقيقة الامر أسبابها تهم غير مبنية على ادلة وقرائن وحجج، وانما هي مبنية على تقارير أمنية.

ان الهدف من التقارير الأمنية هو اطلاق بحث جدي لتتبع الشكوك ولا يعتبر دليل ادانة. واري ان التخوّفات من ان تتجه تونس الي مسار استبدادي في تصاعد مستمر والمؤشرات تتضح يوما بعد يوم.

فقد لاحظنا أن السلطة في بدايتها  لم تكن لها مخالب وكانت الإقامة الجبرية هي الالية الوحيدة المتوفرة لديها، ولكن بالممارسة أصبح للسلطة مناصرون داخل أجهزة  الدولة ونجحت في أن تكون قادرة على تنفيذ الايقافات َونخشي أن تصعد في نسقها الاستبدادي أكثر فأكثر بأن تقوم بإصدار الأحكام القضائية  دون ادلة  او ان تستهدف كامل المنظومة الحقوقية والسياسية في تونس.

ما هو موقفكم من محاكمات النقابيين؟

تستهدف المنظومة الحاكمة، اليوم، ثلاثة أجسام وسيطة وهي المعارضة السياسية والصحفيين والنقابيين، وذلك بشكل يومي من خلال احالات على التحقيق وتضييقات وعدم سداد أجور ومحاكمات مدنية  وعسكرية.

النقابيون أخذوا نصيبهم من التضييقات والاستهدافات، من ذلك إيقاف كاتب عام نقابة الطريق السيارة والتحقيق ضد نقابيين في الجامعة العامة للنقل.

وتصاعد هذا والاستهداف بشكل فاضح عند طرد ضيفة الاتحاد العام التونسي للشغل الأمينة العامة لكنفيدرالية النقابات الأوربية ايستر لينش بشكل مخجل، وذلك بعد مشاركتها في تظاهرة نظمها الاتحاد ضمن احتجاجات ضدالتضييق على العمل النقابي.

إن رئيس الجمهورية يعتبر أن هذه الأجسام الوسيطة هي عوائق أمام تنفيذ مشروعه السياسي القائم على الرجل الواحد، وترك الشأن العام له وحده، فهي أطراف غير مرغوب فيها وسيسعي الي تحجيم دورها في انتظار انهائها على مراحل.

ما هي الحلول الممكنة حتي تعود تونس إلى مسارها الديمقراطي؟

هذا الشعب الذي ازاح بن علي والنهضة قادرعلي إزاحة قيس سعيد الذي يسعى الى ان يتفرد بالحكم. كما أن القوى الديمقراطية والمدنية من أحزاب لم تشارك في  الفساد وشخصيات وطنية واعية بما يحدث من انحرافات بالدولة نحو الاستبداد، لا بد ان تزيد من  التنسيق فيما بينها والتشبيك، فالعمل المشترك مطلوب بشدة لإيقاف الانزلاق نحو الدكاتورية والعودة الي المنحي الديمقراطي.

اذا لم نقم بذلك فنحن نتحمل جزء من المسؤولية في ما يحدث وما قد يحدث.

Skip to content