حوارات

المساعدات الأوروبية لتونس ليست سوى ذر رماد على العيون.. ونثمّن موقف سعيّد بأن تونس ليست حارسة سوى لحدودها

عضو منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رياض بن خليفة:

خولة السليتي
صحفية

تواترت زيارات المسؤولين الأوروبيين على تونس وبنسق سريع خلال الفترة الأخيرة.

فبعد استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بتاريخ الثلاثاء 06 جوان الجاري. عادت ميلوني من جديد إلى تونس في ظرف أقل من أسبوع بالتحديد بتاريخ الأحد 11 جوان، ولكن هذه المرة لم تكن بمفردها بل كانت رفقة كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته. وبتاريخ الأحد 18 جوان، وصل إلى تونس كل من وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان ونظيرته الألمانية نانسي فيسر. زيارات أسالت الكثير من الحبر خاصة في وسائل الإعلام الأوروبية وطرحت ولازلت تطرح جدلا ونقاشا لدى الرأي العام التونسي.

في هذا الإطار، حاورنا المختص في الهجرة واللجوء في المتوسط وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رياض بن خليفة.

بداية، كيف تقرؤون الزيارات المتتالية والمتسارعة لمسؤولين أوروربيين لتونس خلال هذا الشهر؟

لا يمكن أن نفهم هذه الزيارات دون فهم السياق الأوروبي نظرا لتنظيم اجتماع بداية الشهر الجاري في لكسمبورغ بين وزراء الداخلية الأوروبية ويبدو أن هناك توجه نحو تحوير اتفاقية دبلن. فاليوم في إطار سياسة الترحيل، ربما يسعى الاتحاد الأوروبي للزيادة في نسق ترحيل التونسيين إلى تونس وربما سيحاول أن يجد نافذة إلى شيئين أساسيين.

ماذا تقصدون بذلك؟

سيسعى الاتحاد الأوروبي أولا إلى طرد المهاجرين غير المرغوب فيهم من البلاد من ذلك التونسيين. لا ننسى أنه في 2018، تم طرح هذا الموضوع صلب مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي رغبت في بعث منصات إيواء ولكن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في تلك الفترة رفضها، كما أن المقصود بمنصات الإيواء هو إيواء من يتم إنقاذهم في البحر ثم دراسة ملفات اللجوء.

وأعتقد أنه في المنتصف الثاني من شهر جويلية القادم سينعقد على مستوى وزراء الداخلية الأوروبيين اجتماع أخر في بروكسل لإعادة النظر في سياسة الاتحاد الاوروبي خاصة على مستوى التعامل السريع مع ملفات اللجوء والحال أنه يوجد حوالي 4 مليون لاجئ أوكراني في أوروبا هذا بالإضافة إلى وجود اتهامات متبادلة قد تؤثر على العلاقات الدبلوماسية من ذلك أن وزير الداخلية الفرنسي اتهم في الشهر الماضي إيطاليا بأنها لا تقوم بما يكفي لحماية الحدود الأوروبية ما انجر عنه غضب إيطالي خلق أزمة دبلوماسية بين البلدين.

بالتالي تندرج هذه الزيارة ضمن محاولات الاتحاد الأوروبي للضغط على تونس في المراحل القادمة واستغلال وضعيتها الاقتصادية المتردية للحصول على تنازلات.

يعتبر المسؤولون الأوروبيون تونس نقطة عبور أساسية للهجرة غير النظامية وانه لا بد من وضع حد للوفيات الرهيبة الحاصلة في المتوسط، ألا ترون أنهم يحمّلون الدولة التونسية جانبا كبيرا من مسؤولية الوفيات؟

نظرا إلى توفر مراكز دراسات في دولهم ولديهم مسؤولين سامين متحصلين على أعلى الشهائد، فهم يعلمون جيدا أن تونس حلقة من حلقات الهجرة غير النظامية وأن السبب الكبير للهجرة غير النظامية يبين أن عدم الاستقرار في ليبيا هو سبب أساسي في الهجرة غير النظامية.. كما أنهم يدركون جيدا أنه من بين أسباب الهجرة غير النظامية من بعض البلدان كالسودان مثلا أي الدول التي تعيش تغيرات مناخية وعلى وقع ديكتاتوريات وأزمات اقتصادية تدفع إلى الهجرة نحو المتوسط. ولكن أعتقد أن المشكل في الاتحاد الأوروبي أنهم يحاولون وضع مقاربة أمنية أي حراسة الحدود، وهذا اتضح بشكل واضح من خلال مقترحاتهم المقدمة لتونس على غرار تقديم دعم مالي لشراء مراكب ورادارات ومعدات بسيطة لتقوم تونس بحراسة حدودهم.

كيف تقرؤون إذن المساعدات الأوروبية المعلنة لفائدة تونس؟

ما قيل إنها مساعدات ليست سوى ذر رماد على العيون، يكفي هنا الإشارة إلى ما أعلنه الاتحاد الأوروبي من رصد مساعدات لأوكرانيا بـ 50 مليار دولار. في المقابل، تتحدث فرنسا عن رصد حوالي 26 مليون أورو في إطار تعامل مع الدول وهذا يعكس مهزلة حقيقة صراحة، ما هكذا تدار الأمور. ثم لا يجب أن ننسى أن تونس هي حلقة من الحلقات، إذ يجب معالجة الإشكاليات التي تتعلق بنزوح قسري وصعوبات اقتصادية تجعل الناس تهاجر من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

وهنا أشير إلى الخافرات البحرية التي تعترضهم في البحر، ماذا سنفعل؟ لا يمكننا تركهم يموتون في البحر وإنما يجب جلبهم إلى تونس. ولكن أؤكد أنه لا يجب أن يتم بعث مراكز إيواء كي لا تكون تونس منصة إيواء.

ذلك يعني رفضكم تحول تونس إلى منصة إيواء؟

طبعا، نحن نرفض ذلك. بل أكثر من ذلك، المنتدى يدافع بدرجة أولى عن حرية تنقل.

كما أنه كان بإمكان الدول الأوروبية أن تدعم الهجرة النظامية. ففي وقت سابق، كان بإمكان الطلبة السفر إلى أوروبا خلال العطلة الدراسية للعمل ثم العودة إلى بلدهم لمزاولة تعليمهم. ولكن لاحظوا التضييق اليوم على التأشيرات. أصبحنا نتحدث عن مقايضة “أغلق الحدود.. أمنحك التأشيرة”.

هناك من وصف السياسة الأوروبية بكونها سياسة إذلال تجاه التونسيين تمارسها خاصة خلال منح التأشيرة؟

فعلا هذا موقفنا في المنتدى ومسألة التأشيرة محددة في الميثاق الأوروبي للهجرة الذي ينصّ على قاعدة “إذا تقبل المطرودين وتغلق الحدود.. أوفر لك تسهيلات في الحصول عل تأشيرة وفي صورة عدم قبولك بعدد المطرودين المحدد من قبلي سأقوم بمعاقبتك”، وهذا فعلا ما حصل مع المغرب ويحصل مع تونس..

لذلك أؤكد مرة أخرى أن سياسة الاتحاد الأوروبي غير مجدية وهنا أشير إلى أنه يتم منح التأشيرة لباحثين وأساتذة جامعيين يتلقون دعوة للمشاركة في ندوة.. لا يمكن حل ملف الهجرة غير النظامية بالمقايضة ولذلك أعتقد أنه في صورة توفر فرص وإصلاحات اقتصادية في تونس يمكن للشباب الاستقرار في بلدهم.

ولكن في ظل الوضع الاقتصادي الصعب بالبلاد، بتنا نتحدث عن هجرة الكفاءات؟

فعلا، وهذا مؤسف حقيقة! ومع ذلك، بإمكان تونس تدارك هذا الوضع بالانفتاح على كفاءات الطلبة والمتربصين من إفريقيا جنوب الصحراء الذين تحصلوا على ديبلومات تونسية وبإمكانهم تعويض النقص الحاصل في مستشفياتنا وشركاتنا.. فهم كفاءات تلقت تكوينا في تونس.. لماذا تخسرهم الدولة التونسية لفائدة دول أخرى؟؟!! وهنا أدعو إلى ضرورة مراجعة مجلة الشغل بعيدا عن منطق التوطين. ولكن كدولة، أجعل من وضعية غير نظامية يستفيد منها الاقتصاد التونسي والضمان الاجتماعي.

كيف يقيم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية موقف رئيس الجمهورية حين أكد في تصريحات رسمية أنه لن يقبل بأن تكون تونس بلدا للتوطين وأن تونس لن تكون حارسة الا لحدودها؟

نحن نثمّن ردة فعل رئيس الجمهورية وانه ليس بذلك الفتات تقوم كدولة أوروبية بمساعدة تونس. فمساعدتها تكون عبر إصلاح المنظومة التربوية وإدخال إصلاحات اقتصادية وملاحقة مهربي الأموال نحو البنوك الأوروبية ومقاومة الرشوة والفساد.

لقد تابعت خطاب رئيس الجمهورية خلال لقائه بوزيري الداخلية الألماني والإيطالي وما جلب انتباهي وأعجبني انه لم يرتجل خطابه وإنما قرأه من ورقة وهذا أمر مهم جدا، هكذا وجب التعامل في المواقف الحساسة. وأعتقد أن بيانات المجتمع المدني والتصريحات الإعلامية التي نقوم بها كمنتدى لاقت صدى لدى سلطات القرار التونسية.

وموقف رئيس الجمهورية وتصريحاته يتناغمان مع السياسة التونسية التي هي بالأساس سياسة أمنية ترفض أن تتحمل تونس أعباء تتجاوز قدرات البلاد. فتونس تحارب مثلا الاتجار بالبشر وتحرس حدودها وهذا يتوافق مع سياسة الاتحاد الأوروبي لكن أن تتحول تونس إلى حارسة لحدود أوروبا يبقى أمرا مرفوضا رغم أن المسالة مرتبطة بشبكات عالمية تتجاوز قدرات الدولة التونسية.

لقد تحدث النائب السابق بالبرلمان المقيم في إيطاليا مجدي كرباعي في تدوينة له عن محاكم إيطالية ترفض خلال هذه الفترة مطالب لجوء مهاجرين تونسيين سيتم ترحيلهم، ما تعليقكم؟

إن هذا القرار مرتبط باجتماع بروكسل الذي تحدثت عنه والذي تم فيه اعتبار تونس بلدا آمنا وبالتالي يمكن للقضاء أن يصدر أحكاما بإعادة المهاجرين لأن بلدهم لا يمثل خطرا عليهم. وأنا شبه متأكد من أنه سيتم كذلك اعتبار تونس بلدا آمنا في اجتماع بروكسل المقرر في جويلية القادم وهذا سيعقّد فعلا مسألة تسوية وضعية المهاجرين.. وما سيتم خلال هذه الفترة هو السعي إلى تسريع وتيرة التونسيين غير المرغوب فيهم وسيواصلون الضغط على تونس حتى تقبل المواطنين من دول أخرى والذين عبروا عن طريق تونس.

في هذه الوضعية، ما المطلوب إذن القيام به من قبل الحكومة أو الدولة التونسية؟

أنصح الحكومة التونسية بأن تتواصل مع المجتمع المدني الذي يناهض مثل هذه الممارسات وفي مفاوضاتها مع الأوروبيين يجب أن تخرج ورقة أن المجتمع المدني لا يقبل بمثل هذه الممارسات وأن التزامات تونس الدولية لا تسمح لها أيضا بقبول مثل هذه الممارسات. وهنا يمكن أن يحدث تكاملا بين المجتمع المدني والحكومة حتى نتصدى لهذه السياسة الأوروبية عوض أن يقوم بعض المسؤولين بالتضييق على بعض نشطاء المجتمع المدني حتى خلال المشاركة في ندوات.. هناك من يصل إلى مرحلة المقايضة بعدم المشاركة طالما يوجد ممثل من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهذا حدث معي شخصيا رغم أن خطابي معتدل وأدافع على مصالح تونس ونساهم كمنتدى في تقديم حلول.

Skip to content