حوارات

نحتاج الي الإعلان عن حالة طوارئ مناخية وإجراءات الدولة بطيئة وغير فعالة

خبير المناخ حمدي حشاد لـ"الجريدة المدنية":

مفيدة التواتي
صحفية

يعاني التونسيون من تداعيات مخاطر التغيرات المناخية، ولعل أهمها ارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري الذي تتسبب فيه أساسا غازات سامة ينتجها الإنسان.

تحتاج تونس إلى حوالي 20 مليار دولار لتنفيذ التزاماتها الدولية ضمن التحالف العالمي المتعلق بالتغيرات المناخية والمحافظة على البيئة، منها 12 مليار دولار تقدم من شركاء تونس الدوليين خلال المدة الممتدة بين 2021 و2030. ويهدف التحالف العالمي الي المساهمة المحددة، منذ إطلاقه خلال قمّة كوب 22 في 2016 بباريس، على مساعدة الدول على احترام التزاماتها وتحقيق الأهداف الطموحة في مجال المناخ والتنمية المستديمة بشكل أسرع.

ويلزم اتفاق باريس كلّ الأطراف لتسريع انتقالها نحو اقتصاد خال من الكربون وقادر على مواجهة التغيّرات المناخيّة بهدف احتواء الاحترار العالمي في مستوى لا يتجاوز 2 درجة مئوية مقارنة بالمستوى المسجل بحقبة ما قبل الثورة الصناعية. ولكن الدول الفقيرة وخاصة تلك التي ترزح تحت خط خطر التغيرات المناخية، تواجه صعوبات من أجل تنفيذ هذه الالتزامات وانقاذ اقتصادها وحماية مجتمعاتها من الكوارث التي يتسبب فيها الاحتباس الحراري. فقد حذرت التقارير الدولية ومنذ فترة من عمق تداعيات تغيرات المناخ على الأفراد واقتصاديات الدول لا سيما الضعيفة منها والأشد عرضة لوطأة تغير المناخ. وتعد تونس من بين البلدان التي صنفتها التقارير الدولية بأنها من البلدان الأكثر تهديدا بالتعرض المبكر لتداعيات التغيرات المناخية. وحذرت هذه التقارير من التكلفة الاقتصادية الباهظة التي ستتكبدها تونس من جراء تسارع نسق التغيرات المناخية مقابل بطء إجراءات التأقلم للحد من الانعكاسات السلبية.

فقد بينت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن “التغيرات المناخية يمكن أن تعيق بشكل كبير النمو الاقتصادي في تونس، فالمناطق الساحلية التي تؤمن80% من الإنتاج الجملي معظمها معرض لارتفاع سطح البحر، حيث اعتبرت الوكالة أن تونس من بين 32 دولة الأكثر عرضة لهذا التغير وأن ارتفاع مستوى سطح البحر يمثل تهديدًا ائتمانيًا طويل الأجل. 

وصنفت وكالة فيتش رايتنغ للتصنيف الائتماني “تونس من بين 10 بلدان الأكثر عرضة لخطر الإجهاد المائي والجفاف في العقد القادم. وقد جاءت تونس في المركز الثامن. وقالت فيتش أن المخاطر المرتبطة بالمياه ستؤثر في المالية العمومية من خلال ارتفاع الضغوط على الإنفاق وتوليد أزمات طارئة للحكومات. كما كشف التقرير عن أن المخاطر بدأت تتوضح أكثر منذ العام 2012″.

كما رجح مراقبون أن تظهر الآثار السلبية للظاهرة بشكل أوسع وأسرع في السنوات القادمة، من خلال أزمة الغذاء والزراعة. واعتبروا أنه بالرغم من التزامات تونس الدولية في مسألة تغير المناخ على غرار اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو، إلا أنه لم يتم الاهتمام بمسألة تغير المناخ بالشكل المطلوب، وإدراجها في السياسات الوطنية، أو عبر وضع استراتيجية واضحة الأهداف للحد من تأثيرات الظاهرة.

وللوقوف على أبرز المستجدات في مجال مكافحة مخاطر التغيرات المناخية وموقع تونس من الخارطة الدولية، كان للجريدة المدنية الحوار التالي مع الخبير في المناخ المهندس حمدي حشاد.

تزايد الاهتمام في المجتمعات بمشكل التغيرات المناخية خاصة بعد بروز عدة مخاطر أهمها الجفاف واضطراب التساقطات والتلوث، فماهي المستجدات الحالية على مستوى العالم فيما يتعلق بهذا الملف؟

من أهم المستجدات حاليا، أن الأمم المتحدة تنظم اتفاقية اطارية للتغيرات المناخية، من خلال منظمة خاصة تقوم بعقد قمم سنويا للمناخ وذلك لمتابعة الإجراءات المتخذة للحد من تأثيرات التغيرات المناخية، ولكن في الحقيقة هي قمم دبلوماسية جعلت للمماطلة ولإطالة أمد المفاوضات حتى لا تخسر اللوبيات الصناعية في وقت قياسي وجعلت بطريقة أو بأخرى لمنحهم فرصا.

ما هو موقع تونس ضمن مؤشر خطر التغيرات المناخية؟ وكيف تقيم تعامل الدولة مع ذلك؟ سواء من خلال مقاومة الغازات السامة في الهواء أو معالجة الإشكاليات المطروحة على غرار الجفاف.

موقع تونس حرج نوعا ما لأن التغيرات المناخية بصدد تغيير تركيبة المجتمع والتماسك الاقتصادي التونسي وهو يعني أن حجم التغيرات المناخية كبير جدا، وهو مصدر تهديد للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في تونس على الأمد الطويل.

الإجراءات التي تتخذها الدولة بطيئة وغير ناجعة بالشكل المطلوب، لان التعاطي مع هذا الملف مازال بيروقراطيا وينقصه الدعم التقني والعلمي، ويمكن وصف تدخلات الدولة بالمتخبطة وغير المتماسكة.

وصحيح أن تونس تتابع الاتفاقيات الدولية ولكن هذا غير كافي بالمرة.

هل تلعب تونس دورا هاما، على مستوى التعاون الدولي، لتعزيز هذا التعاون ومعاضدة الجهود الدولية لمكافحة الانحباس الحراري؟ وهل تقوم بتجسيد التوصيات الدولة على أرض الواقع؟ 

تونس ليس لها تأثير على الجهود الدولية ولكن تتابع التزاماتها بدرجات غير مستقرة ولا يمكن اعتبارها دولة ناجحة في سياسات مكافحة التغيرات المناخية، فهي بعيدة كل البعد عن ذلك.

 فالمشكل الأساسي بيروقراطي إداري متشابك والمسؤوليات غير واضحة بين الأطراف المعنية وهنا اتحدث عن الوزارات تحديدا، وهو ما يفسر التخبط في مجال السياسات المناخية في تونس. 

سنت بعض الدول، وآخرها سويسرا، قوانين حماية المناخ للتصدي لانبعاثات الاحتباس الحراري، فهل لتونس منظومة تشريعية تساعد على حماية المناخ؟ 

لا يوجد منظومة تشريعية في تونس تتعلق بحماية المناخ، وإنما هناك قوانين متناثرة في مجالات متعددة على غرار الطاقة والماء، ولا ترتقي إلى مستوى سياسة تشريعية كاملة. وممكن أن توجد في المستقبل، نظرا لوجود ردود فعل من عديد الأطراف قد تؤدي إلى إرساء التزام تونسي تجاه التغيرات المناخية.

ما هو تأثير التغيرات المناخية على طبيعة المجتمع وعلى الاقتصاد؟

التغيرات المناخية ستفرز جيلا جديدا من المهاجرين، وستسلط ضغوطات على الأمن الغذائي والطاقي،

درجات حرارة مياه البحر اعلى من المعدل بي 14 درجة

ووضعت عديد الدول قوانين صارمة جدا ضدّ الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه رغم أن الوضعية المائية في هذه الدول أفضل بأشواط من الوضعية المائية في تونس التي لا تراقب الزراعات ولا تضع أي قواعد في الغرض.

فالأرقام القياسية المسجلة كل سنة في درجات الحرارة، تزيد في استهلاك الطاقة الكهربائية المنتجة من خلال مواد طاقية أخرى موردة بالعملة الصعبة، وبالتالي فإن هذه التغيرات المناخية تسلط ضغطا إضافيا على الميزان التجاري الطاقي.

إن نقص مياه الأمطار والجفاف الزراعي الذين تعيشانه تونس يفرض بصفة استعجالية مراجعة اعتماد أنموذج بعض الزراعات المستهلكة للمياه الموجهة للتصدير وتعويضها بأخرى أقل استهلاكا للمياه وعائداتها الاقتصادية أفضل.

فالتغيرات المناخية لن تكون فترة عابرة بل ستكون طويلة في الزمن وستغير الخارطة الزراعية في تونس، ويجب التعايش معها مما يجعل الاقتصاد في الماء ضرورة كبيرة جدا، وعصر الرفاهية المائية لم يعد متاحا، وقد يتم خلال صائفة 2023 تسجيل أرقاما قياسية في نسب ارتفاع الحرارة مما يتطلب ترشيدا للطاقة.

تونس كغيرها من بقية دول العالم تعيش على وقع تغيرات مناخية وانحباس الأمطار ويوجد دراسة خلصت لكون احتمال حدوث الجفاف جراء التغيرات المناخية في بعض البلدان ومن بينها تونس تضاعفت في حدود 20 مرة.

ان احتباس الأمطار في تونس سيكون له تأثيرات سلبية نظرا لكونها دولة تعيش تحت الفقر المائي وتعتمد على الفلاحة والموارد المائية وبالتالي ستكون له تداعيات اقتصادية.

كما ستتواصل ما يسمّى “الظواهر المناخية المتطرّفة” في الفترة الأخيرة والمتجسدة في انحباس الأمطار والفيضانات الطوفانية في العديد من المناطق في العالم والعواصف والأعاصير، وهذا الأمر ناتج أساسا عن 250 سنة من الاستهتار التي رافقت الحقبة الصناعية، وما أنتجته من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي التي تسبّبت في ظاهرة الاحترار، ويقصد بها الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة مما يؤدي إلى طول فصل الصيف وتقلّص فترة الشتاء.

ما هي الحلول والمقترحات التي من شأنها أن تساعد تونس على مكافحة التغيرات المناخية وحسن الاستعداد للكوارث الطبيعية المرتبطة بها خاصة على ضوء مذكرات التفاهم الموقعة اليوم بين عدة وزارات؟ 

عدة حلول مطروحة على غرار فتح المجال للاستثمار الخاص خاصة في الطاقات المتجددة، فسيطرة شركة توزيع الكهرباء على سوق الطاقة كبد الدولة خسائر كبرى تصل إلى ملايين الدولارات.

لا بد من صيانة موسعة للمنشآت المائية والعمل من أجل حماية التربة وتثبيتها، وترسيخ سياسة تشجير مكثف بما يراعي الخصوصية الايكولوجية للبلاد.

كما يجب الذهاب إلى سياسة إيكو استهلاكية من شأنها أن تحد من إنتاج النفايات لأن الاستهلاك العشوائي والفوضوي هو مفتاح كل الشرور، لأن ذلك يؤدي إلى إنتاج كميات كبيرة من غازات الاحتباس الحراري وبالتالي التسبب في التغيرات المناخي. والاستهلاك بعقلانية يعني إيجاد حلول للعديد من المشاكل.

على تونس أن تتوجه إلى الإعلان عن حالة طوارئ مناخية بوضع التشريعات والسياسات ووضع معظم الإدارات المتدخلة ضمن جهاز لتطبيق سياسات إنقاذ للاقتصاد التونسي ومختلف القطاعات المتضررة من التغيرات المناخية.

Skip to content