نصر الدين ساسي
صحفي
تجمع 2 مارس الأخير كذب توقعات المنجمين والكهنة الذين أقروا بنهاية مرحلة الاتحاد العام التونسي للشغل وهو إقرار شبيه بعنوان كتاب الفيلسوف الأمريكي فرنسيس فوكوياما “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” نعم كذب تجمع 2 مارس سيل التوقعات بتقليم أظافر منظمة حشاد وبكتابة تاريخ جديد وتصور لجغرافيا تونسية بلا نقابات وبلا أحزاب وبلا أجسام وسيطة وبلا هياكل تعديلية وبلا مجتمع مدني لعمري ذلك هو المعنى الحقيقي للفراغ والخراب.
سنوات طويلة مرت والمنظمة تتحمل الضربات الموجعة لمختلف الأنظمة التي تداولت على البلاد من بعد الثورة، سنوات طويلة ظلت فيها المنظمة مصدر الحلول لإنسداد الآفاق وتأزم الحوار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكانت أيضا أقرب الشماعات التي لجأت لها تلك الأنظمة لتبرير فشلها وضعف خيارات من مقولات العصا في العجلة” إلى “إتحاد الخراب” إلى غيرها من التوصيفات التنمرية لدور المنظمة ومكانتها وشرعيتها التاريخية.
أساليب عديدة وممارسات متعددة ومحاولات بلا هوادة للإختراق من الخارج ومن الداخل عبر الأبواب والنوافذ وعبر الشقوق أو التصدعات التي يعمل البعض على توسيع محيطها وتغذيتها لأمل النفاذ منها. المحاولات المتكررة أعطت سراب النجاح للبعض وألهمتهم بأن المنظمة قد وهنت لاعتقادهم جازمين بوجود موالين أو غاضبين وكارهين داخل الأسوار، وهذا ليس مغلوطا تماما، بل هو واقعي وطبيعي وصحي، نعم هناك غاضبون وغير راضين لكن غاب عنهم أن درجات الغضب لا يمكن أن تدفع بالغاضبين إلى التحالف من أجل نسف مكسب تاريخي وتصديع جدرانه أو العمل بنية حصره في مربعات ومساحات محددة لتجعل منه إما سندا للأنظمة السياسية وبوقا دعائيا لها أو حصر أثره في المرافقة النقابية الاجتماعية مع تجريده من قدراته التفاوضية والتشاركية والتضييق على أدواته ووسائله النضالية.
هذا المسار الطويل الذي مرت به المنظمة من محاولات الإفتكاك بالقوة إلى سياسة التمكين للإفتكاك من الداخل ومن بعده تصعيد الأزمة إلى الداخل وزعزعة الثقة بين مختلف الهياكل النقابية، هذه المحاولات وجدت دوما بعض الحلفاء وعددا من الذرائع لتستمر في إعادة الكرة، لكنها كل مرة وفي نهاية المطاف تصطدم بالجدار الأخير للمنظمة، الجدار الموحد في تنوعه، الجدار الصلب في إختلافه، الجدار العلائقي والوجداني الذي يخشى على منظمته ويهب لها كل ما أحس بالخطر تلك هي نقطة القوة في منظمة حشاد وذلك هو الجدار الذي لا ينكسر ولا يمكن تحطيمه لأنه بني خارج سياقات الولاء للأشخاص وخارج التموقعات الموجهة، جدار بني عبر عقود كانت لمناضلات ومناضلي الإتحاد الشرف في تشييده بعيد عن أعين الواشين والرقباء، وههنا تتنزل أهمية مقولة حشاد بأن “الاتحاد” منظمة ولدت من رحم الشعب” بالفعل هي ليست طفل أنبوب أو شجرة ملقمة أو منتجا مستنسخا إنها علامة مميزة لتاريخ تونس لا يمكن القفز على شرعيتها التاريخية ولا يمكن إستنساخها حتى وإن جيء بمن تدرب وتمرن فيها لأن من يغادرها لا يغدر بها.
ضمن هذا السياق كانت محطة 2 مارس بالفعل فارقة وحمالة معاني ورسائل مباشرة و واضحة الى الداخل والخارج في ذات الوقت، أولى الرسائل تتمثل في اعادة منسوب الثقة بين جميع الهياكل النقابية وخاصة منها القاعدية من خلال إدراكها لضرورة تجديد وتثمين قدراتها التعبوية لصالح المنظمة بعد ان تشظت لفترة من الزمن جراء نقص التنسيق وضبابية بعض الخيارات وطبعا دون ان ننسى تنامي التضييقات والضغوطات الخارجية ثانيا عودة حضور الشخصيات الوطنية التقدمية والنخب وقدماء النقابيين الذين كانوا وما يزالون السند القوي للمنظمة النقابية خاصة في فترات الازمات ثالث الرسائل تتمثل في أنهم وحدهم النقابيون والنقابيات عبر سلطات قرارهم من يقررون راهن المنظمة النقابية ومستقبلها وأيضا هم وحدهم المخول إليهم والمسموح لهم بحكم النظام الداخلي أن يراجعوا قرارات المنظمة ويعدلوا خياراتها ومسؤوليات ممثليهم بمختلف الهياكل النقابية رابع الرسائل يتمحور بلا شك في ترجمة الشعارات المرفوعة إلى مد تضامني قوي مع الموقوفين والمتهمين من النقابيين أما الرسالة الخامسة والراسخة فهي بلا شك حجر الزاوية ونعني ههنا صيانة استقلالية المنظمة وتحصينها ضد كل محاولات الاختراق والتدجين والرد بوضوح على كل ممارسات الترهيب والتخويف والتشكيك.
محطة 2 مارس هي ليست قصة نجاح ظرفية أو ردة فعل مؤقتة إنها كما يقول قدماء النقابيين ” الماكينة” التي لا تصدأ بعزيمة بناتها وأبنائها ” الماكينة” التي خبرتها الازمات فأخبرت عنها كل من لم يعشها ويعهدها لان الزيتون يشيخ ولا يموت .
تم نسخ الرابط