حوارات

في حواره لـ «الجريدة المدنية»، الطبوبي يقيّم المسار الانتخابي

«اليوم لا نعرف من يحكم ومن يعارض والاتحاد لن يكون شاهد زور»

الطبوبي
التقاه سمير بوعزيز

على هامش اجتماع الهيئة الإدارية الوطنية الأخير، التقت «الجريدة المدنية» السيد نور الدين الطبوبي أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل لمزيد التعرّف على تقييم المنظمة الشغيلة للمسار الانتخابي الراهن وتبيّن أهم التخوفات التي قد تهدّده.

الأمين العام يحمّل الأحزاب السياسيّة مسؤولياتها ويحذّر من اليأس. يؤكّد على الالتزام بالتشاركية في الصياغة النهائيّة لمجلة الجماعات المحليّة وتجنّب فرض الأغلبية البرلمانية قرارها. ويدعو إلى أن يكون القرار وطنيا بتجنّب «الهرولة» إلى السفارات رافضا ما يُملى من وراء الحدود.

في حديث السيد نور الدين الطبوبي تأكيدٌ على أن ثقة الاتحاد في التونسيين كبيرة لصيانة مكاسب الديمقراطيّة ومواصلة بناء المؤسسات الدستورية للجمهورية، وتوصيةٌ للوطن الجامع الذي تتحقق فيه العدالة بين الجهات ورد الاعتبار لتلك التي عانت التهميش عقودا.

• كيف لكم أن تقيموا السياق السياسي الحالي وهذه المرحلة من مسار انتخابيّ جديد يعتبر تجربة جديدة في مرحلة الانتقال الديمقراطي؟

– نحن ذهبنا في خيار لا رجعة فيه والديمقراطية آلية من آليات تطور الشعوب و إطار تشاركي لبناء البلاد ومازال استكمال المسار بإحداث المحكمة الدستورية وبقية الهيئات الدستورية. وستكون  المحطة القادمة في 6 ماي، وهي الانتخابات البلدية، هامة خاصة أنها تتعلق بقيمة المواطنة وبالخدمات المباشرة التي تقدم للمواطن.

وبالنظر في الترشحات التي قُدمت، وبقطع النظر عن النتائج، فإن لأحزاب الحكم جاهزية أكبر من خلال إعداد قائماتها. وأرى أنه من الضروري في الانتخابات البلدية وجود وعي مجتمعي حتى يختار الناخب ويصوت للكفاءة ولمن له القدرة على العمل ومن له برامج معقولة تأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المالية للبلاد وظروفها العامة، فالواقعية هي الأهم.

من ناحية أخرى يعرف المسار الديمقراطي شيئا من التعثر الذي قد يسبب اليأس للمجتمع وخاصة لفئة تميزه وهي الشباب الذي تتجاوز نسبته الخمسين بالمائة وهذه ثروة وطنية يجب أن نعرف كيف نحيط بها الإحاطة اللازمة. ولكن للأسف نسجل عزوف نسبة كبيرة منه عن التسجيل للانتخاب.

وفي ظل التجاذبات السياسية لم يقع التقدّم في القضايا الحارقة وهي التشغيل والتنمية والقضاء على الفقر. ولم يجد المسنون والطفولة عناية وحماية من الدولة وهذا من شأنه أن يسرب اليأس.

ومع هذا عندي ثقة في هذا الشعب الذي يصنع المعجزات دائما، وله الكثير من النضج والوعي المجتمعي وهذا ما مكنه من إنقاذ ثورته. واعتقد أنه سيُقدم بأعداد كبيرة ليُعدل ويُصوب البوصلة السياسية وليُفرز كفاءات حقيقية قادرة على أن تقوم بدور بعد الانتخابات البلدية.

أما أزمتنا اليوم فهي سياسية بامتياز ونظام الحكم  يفترض التحالفات السياسية، وهو أمر معمول به في عديد الديمقراطيات في العالم ولكن بعقلية أخرى. أما عندنا فلا وجود لتجانس وتغيب وحدة التصورات والبرامج ووحدة الخطاب والتضامن حكومي الحقيقي، وكأننا إزاء أكثر من حكومة، ولهذا الأمر تداعيات خطيرة على رسم الأهداف وتحديد الأولويات وسبل تجاوز كل المعوقات.

لكل هذا فإن الاتحاد اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يُعلن أن لن يكون شاهد زور.

ونؤكّد أننا مع دعم الاستقرار السياسي الذي يؤثر ايجابيا على المناخات العامة وعلى الاستثمار والقدرة الشرائية. ولتحقيق الاستقرار السياسي يجب أن تتوفر ديناميكية حقيقية وتطور اقتصادي لخلق ثروة ترجع بالفائدة على الشعب التونسي.

كما أنّنا نلاحظ، اليوم، غياب قدرة الحكم على الإلمام بتسيير دواليب الدولة وتعقيداته وصعوباته. وتشق الساحة السياسيّة تجاذبات حادة، حتى بتنا لا نعرف من يحكم ومن يعارض.

نحن لا نعترض عن الكفاءات من داخل الأحزاب إذا كانت قادرة على تقديم القيمة المضافة ولكن لا يجب أن يكون الأمر بالترضيات، أو أن يصدّر طرف مشكلا حزبيا داخليا إلى الحكومة ويفرض تعيينا فهذا ما أثّر سلبا على الأداء الحكومي. وكان من المفترض أن تتعظ الأحزاب بعد تجارب سبع حكومات ولا تقع في هذه الأخطاء.

على صعيد آخر، لا يمكن إرساء بناء ديمقراطي إذا لم تكن ثمة مراقبة لتمويلات أكثر من واحد وعشرين ألف جمعية والبحث في القطاعات التي تستهدفها والتثبت في تنفيذها أنشطة من عدمه؟ كما أنه بالنظر في ملفات التجارة الموازية والتهريب نلاحظ أن للأحزاب الكبرى مصالح لتمويلاتها المالية. وأنا على يقين أنه بوقوف المجتمع المدني والمنظمات الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل ستُعدّل البوصلة.

أما بخصوص خلافنا في المدة الأخيرة مع الحكومة فأؤكد أنه ليس بخلاف ذاتي، أو شخصي أو استهداف لأي كان، فمرده ما لمسناه من تقييمات موضوعية للنتائج السلبية في كل المجالات والقطاعات، وهذا ما سيكون له تداعيات سلبية سواء على المكاسب الاجتماعية أو المناخات العامة التي لا تساهم في جلب الاستثمار وخلق الاستقرار السياسي والاستقرار الاجتماعي.

• لم تصدر مجلة الجماعات المحلية، إلى حد الآن، ما هو المقترح الأساسي للاتحاد بخصوصها؟

– يقول المثل الشعبي «حضّر الحصيرة قبل الجامع»، وكان من الأجدر أن تعد مؤسسات الدولة كل مستلزمات النجاح وأولها وضع الإطار التشريعي والقانوني لانجاز أي محطة من المحطات. وقد تم إعلان تاريخ الانتخابات البلدية ولازالت النقاشات حادة بخصوص مجلة الجماعات المحلية. وفي ظل التجاذبات قد لا نصل إلى اتفاق وتأخذ أغلبية نيابية قرارها دون اعتماد التمشي التوافقي والأخذ بوجهات نظر كل الأطراف وكل الفرقاء السياسيين.

 فهذا لا يمكن أن نعتبره إلا قانون أغلبية وستكون له تداعيات وخيمة على الاستقرار السياسي.

ولنتذكر ما كان مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والفراغ الذي حصل وكثافة الترشحات. وهي في الأصل هيئة مستقلة يطمئن إليها كل الناس ويحتكمون إليها ويقبلون بكل النتائج التي تصدرها. ولكن أصبح كل طرف سياسي يريد شخصا ما على رأس تلك الهيئة فتغيرت المفاهيم وأصبحت عديد الشكوك تحوم حول هذه الهيئة التي كانت من مكاسب الثورة إضافة إلى حرية التعبير ووحرية التظاهر.

فنتمنى أن تقع صياغة مجلة الجماعات المحلية بصيغة تشاركية وبعقلية تأخذ بعين الاعتبار كل النقائص التي سبّبتها التجاذبات والتي كانت في علاقة بعديد المؤسسات التي نحتكم إليها.

• هل هنالك تخوف أن تعدّل المجلة في نسختها الأخيرة بحسب الأغلبية التي ستربح الانتخابات؟

– كل التخوفات والتخمينات مشروعة وأكثر من هذا ليس ثمة مواكبة في كل التطورات التشريعية بسبب تكلس الإدارة وهذه من المساوئ الكبيرة التي نعانيها. ومن المفروض أن كل التشريعات التي يصادق عليها مجلس نواب الشعب تواكبها الإدارة بإصدار الأوامر حتى يكون لتلك القوانين الأثر والصبغة الإلزامية والتطبيقية.

• هل أن عدم تفعيل أحكام الدستور سببه إرادات سياسية أو مرده صعوبة المسار الانتقالي، أو هي مسؤولية مشتركة بين عديد الأطراف؟

– مسؤولية مشتركة بدرجات متفاوتة، وتعلمنا في الاتحاد العام التونسي للشغل أن كل رأي فيه ما يُسمَع ولا بد أن نتنافس ونختلف ونلتقي من أجل صياغة المضامين وتطويرها. أما أن تفرض باسم الأغلبية ما تريد فإن النتائج على الأرض، ومن خلال الممارسة، ستكون عكسية وفي هذا الأمر مضار كبيرة لتونس والشعب التونسي. وهذا خلافنا اليوم مع بعض الأطراف السياسية ومع الحكومة الحالية، كما اختلفا مع الحكومات السابقة حيث كنا نبحث دائما على المردودية والنجاعة.

• أشرت إلى مسألة التمويل، وحيث أن تمويل الحملات مراقب فإن تمويل الأحزاب لا يراقب والمسار الانتخابي ليس الحملة فقط، هل للاتحاد مقترحات في هذا الاتجاه؟

– خلال لقائي بمحافظ البنك المركزي الجديد اقترحت مراقبة التمويلات من الخارج. وأكثر من هذا نلاحظ صفوف زوار السفارات، فعوض البحث عن المكانة لدى الشعب التونسي هنالك من يتنافسون على أخذ الشرعية من السفارات، وهذا خطر كبير. وأؤكد أن تونس أصبح يُدبّر لها ويُسطّر لها لوضع حكامها وبرامجها من خارج حدود الوطن وهذا ما لا نقبل به. فتونس دولة مستقلة لها مكانتها في المحافل الدولية. واليوم ثمة من استغل ضعفنا بعجز النخب السياسيّة التي تداولت على الحكم والأزمات التي نمر بها من خلال التصنيفات الأخيرة وعجز الميزان التجاري ونسبة التضخم.

• هل أمكن للتونسي أن يقيم تجربته الديمقراطية قبل هذه المحطة الانتخابية الجديدة؟

– كنا نعيش في ظل الدكتاتورية ولم يقع تقييم تلك التجربة باتزان حتى نتعظ منها، وإن حققنا اليوم مكاسب ديمقراطية فإنه من الضروري أن تكون ثمة مكاسب ملموسة على الأرض حتى تكون هذه الديمقراطية صلبة. ولم يكن اعتماد التجارب المقارنة موفقا حيث أخذت أجزاء من تجارب مختلفة ولم يكن من الممكن تركيبها. وقد كنا في زمن الرجل الواحد والحزب الواحد فانتقلنا مائة وثمانين درجة إلى ديمقراطية منفتحة دون أن تأخذ بالاعتبار التدرج،

 ولا يعني ذلك التراجع عن المكاسب الديمقراطية بل لا بد من صيغ تعديلية دون تضييق.

• ما هي أهم التحديات التي يطرحها الحكم المحلي؟

– إلى حد الآن لم يتم تحديد العلاقة بين ما هو محلي وما هو مركزي، وفي التجارب المقارنة هنالك جزء للتصرف في الحكم المحلي والجزء الأكبر يكون على مستوى مركزي. والتخوف الأكبر أنه بالعقليات التي نلاحظها إذا كان لكل جهة ثروة سواء كانت باطنية أو فلاحية أو مائية يكون الانتماء الجهوي هو الغالب على الانتماء للوطن وهذا خطر كبير. لهذا وجب التأني والسير بكثير من الحذر وبخطوات وإن تكن بطيئة فإنها تكرس وحدة الوطن والتضامن الوطني في توزيع الثروات وعلينا أن نرسي تنمية مستدامة ونحقق الكرامة الاجتماعية والطمأنينة بغد أفضل لعديد الجهات التي عانت من الحيف الاجتماعي لعقود طويلة.

• وكيف سيساهم الاتحاد في هذه الانتخابات؟

– كما شاركنا في المحطات السابقة بتكوين الملاحظين، ويبقى الاتحاد يوازن دائما بين دوره الاجتماعي ودوره الوطني سيكون في قلب الحدث من أجل إنجاح هذه المحطة شكلا ومضمونا.

Skip to content