حوارات

” كل منظومة سياسية معادية للحركات الاجتماعية والمدنية سيكون مصيرها كغيرها”

رمضان بن عمر، الناطق باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية :

خولة السليتي
صحفية

منذ انبعاثه في 2011 ومع تغير الحكومات المتعاقبة، بقي المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفيا لمبادئه ومدافعا شرسا عن الحقوق والحريات. وهو لا يتردد في تحريك الشارع التونسي نصرة لبعض القضايا لعل آخرها الانتهاكات المسلطة على المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء. وهو “الكاشف” لواقع الهجرة غير النظامية والترحيل القسري للتونسيين.  كما يعتبر المنتدى شريكا رئيسيا في مبادرة الإنقاذ التي يعدها مع اتحاد الشغل وعمادة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان.

مواضيع آنية حارقة اختارت “المدنية” أن تحاور بخصوصها رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

كيف تقيّمون تحركات الديبلوماسية التونسية الأخيرة على خلفية الأزمة التي أثارها خطاب رئيس الجمهورية حول الافارقة جنوب الصحراء؟

إن الدولة التونسية وعبر مؤسساتها، خاصة مؤسسة رئاسة الجمهورية، هي من خلق هذه الأزمة ببلاغ 21 فيفري “الفضيحة” والذي كان بدوره نتيجة التقاء مصالح أوروبية، إيطالية تحديدا، مع مصلحة رئاسة الجمهورية أو السلطة السياسية الحاكمة.

فقد بات من الواضح أن زيارة المسؤولين الايطاليين الأخيرة إلى تونس لم تكن فقط بخصوص منظومة مراقبة السواحل وإنما أيضا لكونهم يعتبرون المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراويين غير النظاميين مصدر تهديد. في المقابل، تسعى السلطة الحاكمة في تونس إلى صرف نظر التونسيين عن قضاياهم الحقيقية ونحن نعتبر أن مساعي رئاسة الجمهورية لتجاوز الأزمة التي تسببت فيها تبقى محدودة أمام عدم سحب بلاغ 21 فيفري.

لنبقى في ملف الهجرة غير النظامية، ماذا تقول آخر الأرقام في علاقة بالتونسيين غير النظاميين؟ 

تعتبر السنة الحالية مواصلة للسنوات الأخيرة التي سجلت أرقاما مرتفعة في علاقة بالهجرة غير النظامية. ففي سنة 2020، وصل حوالي 12883 تونسي السواحل الإيطالية مقابل أكثر من 15 ألف في 2021 وأكثر من 18 ألف مهاجر تونسي غير نظامي وصل للسواحل الإيطالية عبر البحر في سنة 2022. كما سجلنا وصول أكثر من 1200 تونسي منذ بداية السنة الحالية بينهم حوالي 200 طفل و80 امرأة. في المقابل، تم منع أكثر من 8 آلاف تونسي من اجتياز البحر ونحن نتوقع أن يكون هناك ضغط كبير على الطريق عبر البحر خلال سنة 2023 خاصة بعد غلق الطريق عبر صربيا.

ماذا عن الترحيل القسري الذي يبقى ملفا مسكوتا عنه من قبل الجهات الرسمية؟

لقد أصبح الترحيل القسري تقريبا سياسة ممنهجة في علاقاتنا مع دول الاتحاد الأوروبي وهذا خاصة منذ نهاية 2020. إن عمليات الترحيل القسري من إيطاليا تبقى متواترة بشكل أسبوعي وتم الترفيع في العدد في أكثر من مناسبة بمباركة من رئيس الجمهورية، وهو ما نعتبره تواطئا من السلطة التونسية وخضوعا للإملاءات الأوروبية لا فقط مع إيطاليا وإنما ألمانيا أيضا والتحقت بهم مؤخرا فرنسا. إنهم يقومون بعمليات ترحيل قسري جماعية للمهاجرين غير النظاميين التونسيين وهو خضوع للابتزاز الأوروبي والذي اتجهت فيه السلطة التونسية وللأسف دون احترام لمبدأ السيادة الذي طالما تحدثت عنه ولحقوق وكرامة المهاجرين.

هل لديكم بعض الأرقام حول الترحيل القسري؟

 لقد تم في السنة الفارطة تنظيم أكثر من 27 رحلة من إيطاليا لترحيل تونسيين غير نظاميين قسريا، وحوالي 65 بالمائة ممن تم ترحيلهم من إيطاليا هم تونسيو الجنسية مقابل تنظيم أكثر من 11 رحلة من ألمانيا عبر مطار النفيضة وبالنسبة لفرنسا ليست لدينا معطيات. وهنا، لا بد أن أشير أن الجانب التونسي يعتمد سياسة التعتيم التامة على كل المعطيات المتعلقة بالترحيل القسري ويرفض مد المجتمع المدني ووسائل الإعلام بهذه المعطيات ومصادرنا في هذا الموضوع تبقى أجنبية.

في المقابل تفرض الدول الأوروبية، التي لا ترحّب بالمهاجرين غير النظاميين، إجراءات مشددة على مستوى منح التأشيرة وتستقطب في نفس الوقت هجرة الأدمغة، كيف تقرؤون ذلك؟

بداية، لا بد من التأكيد أن المشروع الهجري في تونس أصبح مشتركا بين كل الفئات لوجود عوامل طاردة أصبحت تشمل الجميع (فقر، حرمان، انهيار منظومة الخدمات العمومية، جودة العيش..) والتأشيرة دائما في موضع الاتهام، فاليوم وللأسف نسمع الاتحاد الأوروبي يتحدث عن تقديم تسهيلات لمنح التأشيرة كمقابل للتعاون في ملف الهجرة غير النظامية. لكن الواقع يبرز أنها سياسات انتقائية تستهدف فقط إلى خدمة المصالح الأوروبية من خلال الكفاءات التي يتم انتدابها ولقد أصبح دافع الضرائب التونسي يموّل في الحاجيات البشرية للمجتمعات والاقتصاديات الأوروبية. فالاتحاد الأوروبي يكرّس تعاملا غير عادل مع تونس ويدعها في إشكال حقيقي أمام ندرة الكفاءات خاصة الطبية.

وماذا بخصوص الحراك الاحتجاجي الذي يتعرّض إلى شيطنة في الفترة الأخيرة ووصل الأمر إلى محاكمة نقابيين؟

لقد علمّتنا التجربة أن بداية أزمة أو فشل كل نظام تظهر في مواجهته للحركات الاحتجاجية الاجتماعية وهو ما عشناه مع نظام بن علي من خلال الحوض المنجمي 2008 أو في سليانة أو بنقردان وصولا إلى ثورة 17 ديسمبر-14 جانفي وعشناه أيضا مع الترويكا خاصة في أحداث الرشّ وكذلك مع حكومة التوافق بين النهضة ونداء تونس في الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها القصرين وقرقنة والكامور وانتهت كلها برحيل هذه الحكومات آخرها حكومة المشيشي التي قمعت وجرمّت الحراك الاحتجاجي. بالتالي وعبر التجربة فإن كل منظومة سياسية تحمل العداء للحركات الاجتماعية والمدنية سيكون مصيرها كغيرها: الرحيل.

كيف يقرأ المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قرار رئيس الجمهورية حل المجالس البلدية؟

من المؤسف أننا لا زلنا إلى اليوم مواصلين في مسار نسف كل السابق دون أن نأخذ منه الإيجابي ونتخلى عن السلبي. والخطير فعلا أننا في مرحلة نسف كل المسارات السابقة بسلبياتها وإيجابياتها. صحيح أن مسار اللامركزية مرّ بعديد التعثرات والصعوبات نتيجة الأزمات التي مرّت بها البلاد ولكن خوفنا أن يعمّق هذا القرار الأزمة داخل المحليات والمدن وأداء البلديات مما قد يحدث إرباكا في سيرها.

بعد تنصيب برلمان جديد، ماذا تأملون منه؟

من الواضح أن البرلمان كان نتيجة مسار سياسي وأحادي معطوب وضعف المشاركة في الانتخابات التشريعية هو من تمظهرات هذا البرلمان، وبالتالي سنكون إزاء برلمان معزول فهو ثمرة مسار متأزم وبرلمان بصلاحيات محدودة. ونحن نتوقع أنه لن يسدّ على غيره من البرلمانات وواضح أننا سنرى بعد مدة هذه التناقضات الموجودة فيه وقد نشاهد مشاهد تماثل ما وقع في البرلمانات السابقة ولن نقطع مع المشاهد التي تعوّدنا مشاهدتها.

لقد بتنا إزاء هيكل جديد ولد مشوّها ولا ننتظر منه إضافة.

أين وصلت مبادرة الإنقاذ التي أطلقها المنتدى مع شركائه من اتحاد الشغل وعمادة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان؟

إن المبادرة اليوم في مراحلها الأخيرة على مستوى الصياغة والأكيد أنه سيتم تقديمها للرأي العام الوطني. ونحن نعتقد أنها قد نكون بوابة الخروج من الأزمة وتشكل أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية لوضع البلاد التونسية على سكة الإنقاذ. وهذا يتطلب فقط إرادة سياسية حقيقية من كل الفاعلين للالتفاف حول هذه المبادرة ودعمها من أجل أن تكون البوابة الحقيقية للإنقاذ في المرحلة القادمة.

في صورة عدم التفاعل الإيجابي من قبل رئاسة الجمهورية، ماذا سيكون مصير المبادرة؟

في ظل السياق السياسي الحالي، لا توجد بوادر إيجابية ولكن عدم التفاعل أو عدم التعامل الإيجابي معها لن يكون عثرة لأن هذه المبادرة يمكن أن تكون أرضية لنضالات الحركة الديمقراطية ككل والاجتماعية في المرحلة القادمة.

Skip to content