حوارات

مسار الاستفتاء مستعجل وضبابي، فأي معنى للدستور بعده!!

بسام معطّر رئيس جمعية "عتيد" للـ "الجريدة المدنية"

مفيدة التواتي
صحفية

أيام معدودات تفصلنا عن موعد إجراء استفتاء شعبي أقره رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 25 جويلية 2022، حول دستور جديد للبلاد ينتظر التونسيون موعد نشر تفاصيله بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية والذي حدده سعيد يوم 30 جوان الجاري، وذلك وسط تضارب الآراء حول مدى استعداد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لإنجاح هذا الموعد وتوفير جميع شروط وإجراءات المشاركة، واختلافات داخل الطيف السياسي حول نزاهة ومصداقية مسار الاستفتاء.

وللمجتمع المدني دور أساسي في ضمان حسن سيرورة العملية الانتخابية،  والحرص على نجاحها،  من خلال مراقبتها والتنبيه للاخلالات إن وجدت، وفي هذا الاطار تعمل الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات “عتيد”  منذ انطلاق هيئة الانتخابات في عملها على مواكبة تفاصيل هذا المسار وإبلاغ  ملاحظاتها. وكان لنا حوار حول رؤية الجمعية مع رئيسها بسام معطر.

ما هو رأيكم في مسار إجراء الاستفتاء؟

المسار نحو الاستفتاء جاء بطريقة متأخرة جدا، فالتأخر في إقرار موعده أثر بشكل كبير في إدارة الانتخابات من حيث عدم استعداد الهيئة بتاتا لإنجاز هذا الموعد الانتخابي فالتغييرات التي طرأت على الهيئة نفسها من خلال القانون المنظم لأعمالها ثم من خلال تركيبتها زاد من المس من مصداقيتها ومن ثقة طيف كبير فيها، يضاف إلى ذلك  التأخير الكبير في إقرار رزنامة الاستفتاء.

ونتج عن ذلك استحالة القيام بعدة أعمال نتيجة ضيق الوقت  وخاصة لأن موعد 25 جويلية تم إقراره بصفة فردية من قبل رئيس الجمهورية دون الاستئناس أو استشارة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لمعرفة مدى استعدادها أو تمكنها من القيام بموعد انتخابي يحترم فيه القانون من ناحية والمعايير الفضلى للاستفتاء من ناحية ثانية.

المناخ السياسي أيضا هو مناخ غير جيد  ويتسم بالتوتر والاحتقان،  فالطيف الداعي لمقاطعة  الاستفتاء  يعد مهما ينضاف إلى ذلك تأخر نشر مضمون الدستور إلى حد الآن مما يعيق تمكن المواطن من الاطلاع عليه ومناقشته في وسائل الاعلام، وهو ما سيؤثر على العملية الانتخابية برمتها.

كما  أن مسار اللجنة المكلفة بإعداد الدستور والصعوبات التى اعترضتها وطريقة عملها لم تكن معقولة وغير منطقية  للوصول إلى انتاج دستور جديد، بالاضافة إلى تملص هيئة الانتخابات من دورها الرقابي على وسائل الاعلام خلال فترة الحملة الانتخابية فلم يصدر بعد القرار المشترك بينها وبين الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في الغرض.

فلا بد يتم ضمان حرية التعبير في الاعلام للوصول إلى الناخب  وتأخر القرار مع الضبابية حول كل العملية سيصعب من عمل الصحفيين وقد يجدون أنفسهم أمام عقوبات مالية.

ما هي مظاهر تعطل المسار؟

المعضلة الأولى التي اعترضت الهيئة هى الروزنامة التى تأخرت حوالي 17 يوما، وهذا دليل على أنه لم يكن هناك برنامج  واضح يمكن تنفيذه للوصول الى 25 جويلية مع احترام كل الآجال القانونية.

ثم جاءت معضلة التسجيل وتم تلافيها بالتغيير في القانون الحالي وذلك باقرار آلية التسجيل الآلي. ولئن مكنت هذه الالية هيئة الانتخابات من أريحية في عملها من ناحية ربح الآجال والتمكن من تسجيل أكثر من مليوني تونسي غير مسجلين ولكن يبقى حلا سهلا تحف به عدة مخاطر خاصة 

وأنه لم يتم إلى حد الآن الحصول على نتيجة عمليات التدقيق في السجل الانتخابي السابق علاوة على انعدام الشفافية وشح المعلومات بخصوص الطريقة التي اعتمدتها الهيئة في عملية التسجيل الآلي التى انطلقت منذ حوالي أسبوعين.

فالجميع يعرف أنه في السابق لم تكن المعطيات دقيقة حول استعمالات بطاقات التعريف الوطنية، ونتساءل اليوم حول كيفية حصول الهيئة على المعطيات الصحيحة وكيف تمكنت من تسجيل الناخبين بشكل دقيق.

ومن الضروري أن تقوم الهيئة بندوة صحفية أو مشاركة المجتمع المدني للتمكن من الاطلاع على الوسائل التى تم استخدامها سواء تكنولوجية وتقنية أو من ناحية التعامل مع الهيئات والمؤسسات المختصة على غرار المركز الوطني للإعلامية.

من ناحية أخرى، أدى الزمن الانتخابي المصادق عليه إلى تقليص عدة آجال، فاليوم نتحدث عن تقديم تصاريح المشاركة في حملة الاستفتاء لمدة لا تتجاوز الأسبوع وهى مدة قصيرة خاصة وأن التصاريح تقدم على مستوى مركزي وهو ما يتطلب تنقل الأشخاص من الجهات إلى العاصمة، وذلك بسبب عدم تركيز الهيئات الفرعية ونحن على بعد أقل من شهر من موعد الاستفتاء.

كما أن  نشر الهيئة لقائمة رؤساء وأعضاء الهيئات الفرعية وتحديد 48 ساعة فقط من أجل الاعتراض عليها، دون إعطاء تفاصيل حول السير الذاتية للأشخاص المعينين مما يفتح الباب لضرب مبدأ الشفافية الذى من المفترض أن تعتمده الهيئة،  فنحن لا نملك فرق بحث وتفتيش للتقصي حول الأسماء الموجودة في القائمة. فهذا التقليص الكبير في الآجال وشح المعلومات يجعلنا أمام مسار ضبابي وهناك عناصر فيه  تستوجب التوضيح.

ومن مظاهر تعطل المسار أيضا، التمديد في عضوية مكاتب الاقتراع والرفع في عدد أعضائها من 45 ألفا إلى 84 الفا، وذلك بسبب قرار رئيس الجمهورية القاضي بفتح مراكز الاقتراع من السادسة صباحا إلى العاشرة ليلا وهذا سينجر عنه ارتفاع في عدد الفرق اللازمة والأعضاء الذين يجب أن يكونوا متواجدين بمكاتب ومراكز الاقتراع. بالاضافة الى أن سجل الناخبين يعد حوالي 9 ملايين و300 ألفا مما يعني بأنه سيتم الترفيع في عدد مكاتب الاقتراع  وستكون العملية الانتخابية مضنية ومرهقة.

ما هو تعليقكم على إجراءات وشروط المشاركة في الحملة الانتخابية؟

إلى حد الأن لم تتضح الصورة جيدا، على ضوء عدم نشر مسودة الدستور وعدم تحديد طريقة المشاركة والمعنيين بها سواء بوسائل الاعلام أو خلال تظاهرات خاصة بالحملة الانتخابية. ومن الناحية الحقوقية يجب أن يتم تشريك كل من له رأي في الاستفتاء بما في ذلك الأطراف المقاطعة له، وذلك لتجنب ضعف الإقبال على الحملة، فتتبع المقاطعين لحملة الاستفتاء جزائيّا جرّاء أقوالهم وأفعالهم خلال فترة الاستفتاء أمر خطير.

إنّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مسؤولة عن تنظيم حملة الاستفتاء للمشاركين فيها لكن ليس من حقّها ضرب حريّة التعبير والمسّ من حقوق الجمعيات والأحزاب والأطراف المتداخلة في العملية الانتخابية. كما أن فترة 48 ساعة التى تم تحديدها، من أجل التصريح بالقبول أو الرفض للدستور، هي فترة قصيرة لا تتيح التعرف على الدستور، وهناك خطر يكمن  في الذهاب إلى استفتاء في غير معانيه الحقيقية.  فقد  نذهب إلى مجرد محطة  وآلية لتمرير مشروع دون الرجوع الحقيقي لإرادة الشعب الذى لن تتوفر له الفرصة للوعي الكامل بمعاني الدستور الجديد وربما يذهب إلى صناديق الاقتراع بصفة عاطفية أو انطباعية غير واعية وغير مسؤولة. فالضغط الزمني المتزايد والذي من شأنه أن يزيد في الصعوبات المتعلقة بالرزنامة سيقلص مجال تدخل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتمثل في التحسيس و التوعية بعملية الاستفتاء ودور مشاركة الناخب فيها.

إن المجال الزمني المنصوص عليه بخصوص حملة الاستفتاء في المطلق قصير جدّا على جميع المتداخلين وليس على المترشّحين، فليس للناخبين الفهم القانوني والسياسي ما سيمكّنهم من فهم ما سينتج عن الدستور.

ما رأيكم بخصوص عدم تحديد الحد الأدني من المشاركة في الاستفتاء وتأثير ذلك على مصداقية الدستور؟

في التجارب الأخرى الاستفتاء في السنوات الاخيرة لم يعد  يستعمل على الدستور،  فهو يستخدم في نصوص قوانين قصيرة أو مواضيع محددة لأنه لا يحتمل الاجابة بـ”لكن”  ويحتمل اجابة وحيدة ب”نعم” او”لا”.

وفي صورة وضع نص دستوري على الاستفتاء فالحقيقة ستكون العملية صعبة وسيكون الناخب مجبرا على إجابة واحدة حتى وإن لم يكن راضيا على جميع الفصول، فلو تمت استشارة حقيقية سابقة  أو حوار وطني جامع، ربما يتم تحسين النسخة المعروضة قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

بالنسبة للحد الأدنى ، فالدول التي تعتمد الديمقراطية المباشرة تعتبر أن  الحد الأدنى  كأساس لقبول أي نتيجة للاستفتاء  يتمثل في توجه نصف الناخبين على الأقل إلى مكاتب الاقتراع.  ونحن في تونس طالبنا بتحديد الحد الأدنى إلا أن رئاسة الجمهورية لم تتفاعل معنا، ونحن نرى أنه من المفترض أن تكون نسبة المشاركة هامة حتى تكون  نتيجة الاستفتاء أكثر مشروعية ومصداقية وخاصة  ضمان حصانة للنص المعروض على الاستفتاء.

فالنص إذا لم يجد تفاعلا حوله فهو عرضة في يوم من الأيام إلى التغيير من قبل سلطة جديدة، والتى يمكن أن تبرر توجهها نحو تغييره إلى أنه  لم يحظ بالحد الأدنى من المشاركة في الاقتراع  وأنه لا يعبر عن ارادة الشعب.

ماهي مقترحاتكم لتجاوز الإشكاليات الراهنة؟

سبق وقدمنا كل تخوفاتنا و اقتراحاتنا في لقاء مع مسؤولي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وطالبنا بتأجيل موعد الاستفتاء حتى تستعد له الهيئة، وخاصة أنها  تشكو عديد الشغورات في الهيكل الادارى وخاصة في اختصاص  الاعلامية.

تستوجب عملية الانتخاب  نظاما معلوماتيا ضخما وتجهيزات وموارد بشرية هامة وذلك لتجنب تسجيل أعطال وأعطاب وخاصة يوم الاقتراع  والتي قد تمس من نزاهة الانتخابات، ولكن للأسف الهيئة لم تستجب لدعوات “عتيد”.

من جهة أخرى يجب احترام حق الناخب في التسجيل وفي الوصول إلى المعلومة والتداول حول مضمون الدستور، فالاستفتاء ليس عملية تقنية فقط، وعلى الهيئة أن تلعب دورها في نشر تعاليم الديمقراطية والسهر على حمايتها وكان من الاجدى أن تطلب التأجيل.

صحيح أن الهيئة تقوم بمجهودات كبيرة، ولكن ذلك على حساب شفافية العملية الانتخابية وعليها احترام جميع الأطراف المشاركة في الاستفتاء من بينهم الملاحظين الذين يجدون أنفسهم اليوم أمام صعوبات جمة تحد من حسن اجراء مهامهم بسبب عدم استعداد الهيئات الفرعية لهذا الموعد الانتخابي الهام.

وتوصي الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات “عتيد” بإلزامية إحترام المبادئ والمعايير الفضلى لمسار الاستفتاء وتحذر من تعدّد الاستثناءات على حساب القواعد السابقة والتي من شأنها أن تمسّ من نزاهته وديمقراطيته كما تدعو إلى ضرورة مراعاة جملة المخاطر الواضحة والمتزايدة والمتعلقة بالرزنامة وموعد 25 جويلية وإلى وجوب توفر الضمانات الكافية كي لا يحيد الاستفتاء عن دوره كآلية ديمقراطية فيكون مجرد محطة أو تصويت في شكل تزكية بعيدا عن المضامين.

Skip to content