حوارات

“نقص حاد للمياه وينتظرنا صيف عطش بامتياز… قطع الماء حل ارتجالي وغير ناجع ولابد للدولة ان تغير من سياساتها العمومية وجعل الماء مسألة أمن قومي” .

الخبير في التنمية والتصرف في الموارد المائية حسين الرحيلي في حوار مع الجريدة المدنية

مفيدة التواتي
صحفية
يشتكي التونسيون منذ ايام من  الانقطاعات المتكررة والتي تكاد تكون بشكل يومي وخاصة خلال الفترة المسائية للماء الصالح للشرب، وسط تحذيرات من عديد الخبراء من استفحال ازمة نقص المياه خلال  هذه الصائفة. في المقابل اختارت  الحكومة والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه الصمت وعدم مصارحة الشعب بحقيقة الوضع القائم والتحديات المطروحة في المستقبل القريب والبعيد.  وقد نبهت منظمات حقوقية من أن الخصاص المائي الذي تعيش على وقعه البلاد التونسية والذي أثر على نصيب كل فرد في حصته السنوية من الماء التي وصلت إلى 400 متر مكعب مرشحة للنقصان مع حلول سنة 2030 إلى 350 متر مكعب مقابل ال 1000 متر مكعب الموصى عليها من طرف منظمة الصحة العالمية.  وطالبت  سلطة الاشراف وعلى رأسها وزارة الفلاحة منح الأهمية القصوى لمياه الشرب وأن يتم كذلك الاحتفاظ بأعلى المياه جودة لهذا الغرض بغض النظر عن مدى الربح الذي قد تحقّقه الاستعمالات الأخرى من فلاحة وصناعة وسياحة الى جانب سن نص قانوني يضع توفير الماء الصالح للشرب على رأس الأولويات. واعتبرت ان الحق في المياه حق كوني وإنساني وهو يعكس مدى احترام الكرامة البشرية وأن حرمان ألاف المواطنين منه هو خرق للتشريع الوطني والدولي. وللوقوف على وضع المياه في تونس واهم الإشكاليات المطروحة والحلول العاجلة، كان للجريدة المدنية الحوار التالي مع الخبير في التنمية والتصرف في الموارد المائية حسين الرحيلي. 
 
• ما هي وضعية المياه حاليا في تونس خاصة مع الجفاف الذي تعيشه البلاد الانقطاعات المتكررة في مياه الشرب؟
– لا يخفى على احد ان عملية التشخيص الأخيرة تظهر ان هناك انقطاعات للتزود بالمياه بشكل يومي في عدة مناطق في البلاد بما في ذلك بتونس الكبرى وبمدن كبري أخرى، وذلك نظرا للتراجع الكبير في التساقطات خلال هذا الموسم والتي وصلت الي نسبة 70 بالمائة على المستوى الوطني  و90 بالمائة بالوسط والجنوب. تداعيات ذلك كان وخيما على مستوى تعبئة السدود فسد سيدي سالم اكبر سد في تونس لا تتجاوز نسبة المياه المخزنة فيه 17 بالمائة  اي حوالي 87 مليون متر مكعب  دون اعتبار الكمية الكبيرة من الأوحال الموجودة في السد، وفي بقية السدود لا تتجاوز نسبة المياه المخزنة فيها 30 بالمائة.  وهذه الكميات  قليلة باعتبار ان 6 ملايين تونسيا يتزودون بمياه الشرب المتاتية من السدود.  ولكن نقص  التساقطات ليس السبب الوحيد للاشكال المتعلق بندرة المياه فالاسباب الرئيسية هي من صنع الإنسان، ومن اهمها الاستغلال المجحف للمياه خاصة في المجال الفلاحي حيث يتم انتاج مواد كمالية مستهلكة للمياه.
صحيح أن المشكل إقليمي ودولي ولكن بالنسبة لتونس الوضع أخطر باعتبار ان بلدان البحر الأبيض المتوسط ستكون الأكثر عرضة للتأثيرات المناخية وستكون التحولات سلبية باعتبار تراجع التساقطات وسيؤثر ذلك على تراجع مخزون المياه على عديد المجالات الحياتية خاصة مياه الشرب والانشطة الفلاحية. للأسف لم تفكر الدولة في إعادة النظر في سياساتها العمومية للمياه التي بقت تقليدية وقديمة ترجع الي قانون مجلة المياه  الصادرة في 31 مارس 1975.
اكثر من 44  سنة لم نجدد فيه الإطار القانوني اكثر من 60 سنة لم نغير من أساليب تعبئة الموارد المائية والتصرف فيها بالإضافة إلى غياب شامل لوعي المواطن الذي يقوم باستنزاف المياه، وكاننا اسسنا لثقافة الهدر المائي. وبشكل عام اشكالية الماء غير مطروحة في الاجندا السياسية لا للسلطة الحالية ولا لكل الحكومات التي  سبقتها،  ففي النهاية حل هذا الاشكال هو قرار سياسي قبل أن يكون قرارا تقنيا.
 
• ماذا ينتظرنا في المستقبل اذا لم تتدارك الدولة الأمر؟
– لقد عشنا الصائفة الماضية العطش بامتياز وعاشت مناطق انقطاعات يومية للمياه خاصة في الساحل وللأسف لا تملك تونس حلولا على المدى المتوسط والبعيد وهي تقوم بحلول ترقيعية وارتجالية عبر مجرد ردة فعل عن طريق قطع التزود بالمياه.  فيكفي من التعلل بقلة  التساقطات فاليوم الماء مشكل يتسبب فيه المواطن والفلاح الصغير وصاحب النزل وصاحب المشروع الصناعي، فنحن بصدد انتاج مواد ذات قيمة مضافة ضعيفة مقابل استهلاك كبير للمياه في حين اننا بحاجة للمياه لإنتاج القمح والشعير والاعلاف والمواد الأساسية للمواطنين.
هذه خيارات تنتهجها الدولة  منذ نهاية الثمانينات وبدابة التسعينات نتيجة الشراكة مع الدول الأوربية التي كلفتنا بانتاج الطماطم والفلفل خارج الفصل والدلاع والبطيخ والفراولة، ويقومون هم باستغلال مياههم في القضايا الاستراتيجية وفي تحقيق سيادتهم الغذائية.
اليوم ان الاوان لطرح السؤال التالي أين نحن سائرون لماذا هذا الهدر المائي، فعلينا أن نعدل احتياجاتنا بالمقارنة مع امكانياتنا المائية. فالتقرير الذي صدر عن منظمة الأمم المتحدة يؤكد على أن 130 مليار  دولار  هي الخسائر الناجمة عن  ندرة المياه والجفاف منذ سنة 2019، وان الناتج الخام للدول سيتأثر وسيتراجع  بنحو  6 بالمائة.  ونحن قي تونس ناتجنا الخام ضعيف بطبعه، لذلك لا يمكن أن نحل الاشكال بمجرد قرار قطع المياه.
 
• ماهي الحلول التي تقترحونها على المدى المتوسط  والبعيد؟
– لا بد من حوار وطني وادراج قضية الماء ضمن الأمن القومي الوطني واعلان حالة الطوارئ المائية وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم. واعلان حالة الطواري تكون عبر اتخاذ اجراءات للحد من استخدام المياه على غرار منع الناس من  غسل سياراتهم ومنع زراعة وسقي اي مواد مستهلكة للماء نحن لسنا في حاجة لها، ومنع تصدير اي مادة مستهلكة للماء وإعادة النظر في خارطة الإنتاج الفلاحي وفي المياه الموجهة للصناعة، فالصناعي الذي يستهلك المياه بشكل كبير لا بد ان يدفع الكلفة او ان  يقوم بتحلية مياه البحر. نفس الشيء لقطاع السياحة الذي يستنزف المياه بشكل كبير. فلا بد أن نحول المياه الي المجالات التي نحن في حاجة إليها. 
 
• ماهي وضعية السدود ومشاريع تحلية المياه، وهل يمكن أن تكون حلا لمواجهة معضلة انقطاع المياه؟
– تحلية المياه هي سياسة الهروب الي الامام فهي تكلف المجموعة الوطنية قروضا مجحفة فمحطة تحلية المياه في صفاقس قدرت بقرض قيمته 850 مليون دينار من اليابان وسيكلف 3200 مليم للمتر المكعب، فتحلية المياه ليس حلا بسيطا او رخيصا فهذه المشاريع تكلف استهلاكا كبيرا للطاقة ونحن نعيش انخراما طاقيا ملحوظا. فاذا  اشتغلنا علي مدى خمس سنوات على الاستثمار في المياه المعالجة عبر محطات التطهير فاننا سنقوم بصرف 5 بالمائة من كلفة مشروع تحلية البحر  والتمكن من انتاج مياه مطابقة للمواصفات ويمكن استخدامها في المناطق السقوية ونحن لنا من 350 الي 450 مليون متر مكعب في السنة مياه صرف صحي يتم هدرها ولا يتم استغلال الا 5 او 6 بالمائة منها.  هناك امكانيات لاعادة استغلال المياه المهدورة في قنوات مياه الشرب نظرا  لتقادم التجهيزات والتي تقدر ب120 مليون متر مكعب.  لدينا هدر في المناطق السقوية فحسب تقرير  فلاحي 30 بالمائة مياه مهدروة في هذه المناطق  بالإمكان اذا تم تطبيق هذه الحلول استرجاع كمية كبيرة من المياه تصل إلى  450 مليون متر مكعب  سنويا وتتمكن تونس بذلك وفي ظرف سنة تعبئة جميع السدود.
فلا بد من إعادة النظر في تصوراتنا المائية ولا بد من ادراج وزارة خاصة بالمياه.  بالنسبة للسدود ان عمليات الجهر تكلف اكثر من عملية بناء سدود جديدة. َهذا  دليل واضح على انه من الأفضل الاهتمام بالأحواض الدافعة والقيام باشغال لحماية المياه والتربة للحد من المواد الصلبة. فبدون أعمال الصيانة والوقاية لا يمكن لاي سد ان يبقي صافيا لمدة لا تقل عن عشرين عاما فالسدود لا تتجاوز نسبة التخزين فيها 30 بالمائة. 
 
• اذن لا بد من مصارحة الشعب بهذه الإشكالية ودعم المياه كقطاع استراتيجي وتنموي؟
– للأسف هذا واقع نعيشه وتم التنبيه اليه منذ سنوات، وقامت عدة دول بمراجعة سياساتها المائية ووجدت الحلول ولكن في تونس تم الاهتمام بمسائل جانبية وإهمال هذا الأشكال. ولذلك لا بد ان تصارح وزارة الفلاحة الشعب بالوضع القائم على المدى المتوسط والبعيد والقيام بعملية نقد ذاتي للسياسات العمومية وفتح حوار شامل.
فوزارة الفلاحة اكثر مستعمل للماء وهي المشرفة على الماء وهذا تناقض فكل الدول لديها وزارات خاصة بالماء الا تونس.  القضية الأساسية هي المياه وبقية القضايا التقنية بالإمكان إصلاحها. ولابد ان تدعم الدولة الشركة التونسية لتوزيع واستغلال المياه باعتبارها مؤسسة وطنية تقدم خدمات حياتية للمواطن،  فمنذ  توجهنا الي تحرير الاقتصاد وبداية التخلي عن المؤسسات الوطنية اهملنا هذه الشركة الهامة علاوة على ارتفاع كلفة التزود بالمياه، فالماء مسألة تنموية وحياتية وليست مسألة تجارية.
Skip to content